تستفزني مزاعم السياسيين المتكلَّفة، وهم يحاولون إظهار قلقهم إزاء الأحداث المؤلمة، بينما هم يبطنون عكس ذلك أو أنهم في أفضل الحالات عاجزون عن فعل أي شيء. تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا مثال للنموذج الأول، بينما بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة جسّد النموذج الثاني.
ماي التي تحاصرها استحقاقات خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي مدت يدها لجيب ولي العهد السعودي الذي قام بزيارة مثيرة للجدل إلى بريطانيا مقابل التغاضي عن المأساة الإنسانية في اليمن بسبب الحرب التي تخوضها السعودية هناك ضد الحوثيين. ولم تستح ماي وهي تعبر عن قلقها بشأن الوضع الإنساني المروع في اليمن، بعد أن حاصرها نواب في مجلس العموم البريطاني (البرلمان) وهم يستنكرون صفقات السلاح مع السعودية واستخدام أسلحة بريطانية في اليمن.
إن المليارات السعودية التي تعرض بسخاء على الحكومات الغربية على حساب المواطن السعودي، هي ثمن تغاضي القادة الغربيين عن القبضة الأمنية الحديدية في السعودية وتجاوزات حقوق الإنسان. ورغم أن ما أعلن من صفقات – نحو 90 مليار دولار - في هذه الزيارة لم يعلن أنها تتضمن صفقات عسكرية، إلا أن صحفا بريطانية تحدثت عن زيادة ضخمة في صفقات السلاح السرية بين بريطانيا والسعودية، وتشير بعض المعلومات إلى زيادة بنسبة 75% في مبيعات أسلحة إضافية للسعودية. هذا في حين علقت ألمانيا بيع الأسلحة إلى السعودية.
وربما كان الإخفاء ضروريا وسط موجة الاحتجاجات العارمة في بريطانيا على تلوث يد الحكومة السعودية بالدم اليمني. بل إن منظمات حقوقية بريطانية في مجال مناهضة الحروب والتسلح، أعلنت بوضوح وبصوت عالٍ رفضها زيارة ولي العهد السعودي إلى المملكة المتحدة.
ماي لا يهمها مأساة أطفال اليمن الذين يواجهون أخطر مجاعة في العالم خلال العقود الماضية بحسب الأمم المتحدة، حيث أصبح أكثر من 3 ملايين يمني على حافة المجاعة، بل ما يهم ماي أن تفتح لها خزائن السعودية لتواجه المصاعب الاقتصادية التي ستترتب على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. السعودية سجلت أرقاما خيالية في شراء الأسلحة وتعتبر أكبر دولة تشتري السلاح في العالم، وطيلة العقود الماضية لم يواجه السلاح السعودي دولة إسرائيل، لكنه اليوم يواجه أطفال اليمن بحجة تبدو واهية، وهي دعم الشرعية، بيد أن هذه الشرعية لا يبدو أنها ستحكم اليمن إلا بعد أن تبيد الآلة العسكرية السعودية الشعب اليمني.
ومع ذلك، لا يبدو أن كل ما قدمته الرياض من عرابين إلى لندن قادرة على تسويق العهد الجديد في بريطانيا. وفي ضوء حالة عدم الثقة في أوساط الرأي العام البريطاني تجاه النطام في السعودية، فإن الإعلانات السعودية مدفوعة الثمن انتشرت في لندن كلها؛ كمحاولة لجذب البريطانيين، حيث ظهرت على اللوحات الإعلانية وسيارات الأجرة والشاحنات وفي الصحف.
ويقول أحد الكتاب البريطانيين في تغريدة له: "تشعر وكأنك وصلت إلى الرياض عندما تدخل إلى لندن، ويرحب بك (الزعيم المحبوب). ويضيف أن حملة العلاقات السعودية في بريطانيا تحاول الضغط باتجاه تغيير صورة المملكة بطريقة غير رقيقة.
ولم تتوان الرياض، وهي تتهافت نحو الغرب، في أن تذبح البقرة السعوديين المقدسة، فقد أعلن منذ العام 2016 عن طرح 5% من أسهم شركة البترول السعودية العملاقة (أرامكو) للاكتتاب، وهناك تنافس محموم بين واشنطن ولندن للفوز باستضافة هذا الاكتتاب، وتحاول الرياض اللعب على وتر هذه المنافسة لجني أكبر قدر من المكاسب من خلال المناورة حول تحديد الموعد المحدّد للاكتتاب.
*الشرق القطرية