يالها من حكاية تراجيديه شديدة القتامة والسواد تلك التي خطت نهاية حياة علي عبدالله صالح أطول رئيس حكم اليمن لـ 33 عاماً، لم يتوقع أكثر المتشائمين من الأحداث الأخيرة في صنعاء خلال اليومين الماضيين، أن تكون نهاية علي عبدالله صالح على يد أعدقائه الحوثيين، الذين أتى بهم من صعدة وناصرهم في دخول عمران وصنعاء، وها هو يلقي حتفه على أيدهم.
كيف استطاع صالح أن يسهو على حين غفلة من الزمن ويسلم كل زمام قوته للحوثيين، وهو الذي عرف عنه خلال حكمه اليمن بالدهاء والمكر وصلابته أمام خصومه، كيف سلم ذاته لقمة سائغة لخصومه بكل تلك الأريحية .. تلك هي أسئلة الشارع الذي تلقى خبر مقتل صالح على يد الحوثيين اليوم الاثنين، ظهيرة الرابع من ديسمبر.
ارتسمت الحيرة في وجوه أنصاره بعد نبأ مقتله، اليوم الاثنين حين لاحقته فرقة عسكرية للحوثيين جنوب صنعاء، قرب مسقط رأسه في منطقة سنحان وتمكنت من إحاطة سيارته وموكبه من جميع الاتجاهات وتمكنت من قتل حراسته وإنزاله من سيارته ثم أفرغت عليه الرصاص الحي، ليردونه قتيلاُ على الفور.
صالح الذي قاتل جنباً الى جنب مع قاتليه الحوثيين، ضد الشرعية والتحالف العربي، يجد نفسه قبيل بضعة أيام من مقتله، في مواجهة حلفائه، خاضت قواته معارك عنيفة مع الحوثيين في السبعين والحي السياسي وشارع الجزائر جنوب العاصمة، دعا أنصاره وأعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه، لما وصفه بالدفاع عن الثورة والجمهورية، حين أدرك أن مواجهته مع حلفائه أصبحت حتمية،وليس هناك قدر للفرار منها.
اعتقد الكثير من أبناء الشعب اليمني، عقب دعوة صالح لأنصاره بالانتفاضة ضد المليشيات الحوثية والدفاع عن الجمهورية، أن الرجل قد رتب أموره تماماً واستعد لمواجهة أخطر مليشيا عسكرية في المنطقة، فـ "صالح" ليس من ذلك النوع الذي يرمي بأوراقه كلها في سلة حليف محدد أو خصم بعينه. استشفاء هذا الرأي يقول مناصروه أنهم استنتجوه من خلال تجربته في الحكم لمدة 33 سنة كأطول رئيسي يمني يحكم البلاد جنوباً وشمالاً.
صالح معروف أيضا بحرصه الشديد وحسه الأمني في تحركاته أيام السلم، فمال بالك وهو يخوض معركة عسكرية ضد مليشيا مسلحة قضت جُل عمرها في الحروب، كما أنها تسعى لقطف رأسه انتقاماً لمؤسسها حسين بدر الدين الحوثي الذي لقي مقتله في صعدة 2004م خلال معارك مع قوات الجيش أنذاك.
ستبقى تلك الأسئلة القلقة تراود هواجس أنصار المؤتمر ومعظم أبناء الشعب اليمن وبحاجة إلى إجابه كافية لمعرفة وفهم ماحدث وكيف وقع لقمة سائغة بتلك السهولة؟ّ!
مقتل صالح بلا شك حدث مفصلي هام في تاريخ اليمن، ويضع البلاد على مفترق طرق،يستدعي على دول التحالف وبالذات المملكة العربية السعودية إعادة ترتيب الأولويات،ويحتم عليها سرعة الحسم العسكري في اليمن وبالذات العاصمة صنعاء التي تخضع لسيطرة تامة من قبل مليشيات الحوثي.
عّولت دول التحالف ربما كثيراً على علي عبدالله صالح في انقلابه على الحوثيين وحسمه للوضع عسكرياً، لكن مقتله شكّل صدمة كبيرة للجميع وأربك حساباتهم،لذا لم يعد هناك أي مبرر للشرعية والتحالف في هذا التراخي العقيم ، لابد من توحيد اليمنيين جميعاً وعلى رأسهم حزب المؤتمر والالتحام معاً وتكوين حلف وطني لمواجهة الإماميين الجدد الذي يشكلون تهديداً استراتيجياً على الثورة والجمهورية ومكاسب اليمنيين الوطنية طيلة 60 عاماً.
إذا ما هبتّ الشرعية، ضمن تحالف وطني شامل واتجهت بكل عزم تجاه صنعاء وحسمت المعركة عسكرياً وبسطت نفوذها على البلاد، فربما يكشف بعد ذلك عن كثير من الغموض الذي اكتنف نهاية علي عبدالله صالح.