لماذا سقطت "الجمهورية" من سدة الحكم، ولم تسقط من "قلوب اليمنيين"؟
هذا استفسار جوهري، ربما يجب علينا الإجابة عليه، ونحن نحتفي بثورة 26 سبتمبر.
ابتداءً يمكن ملاحظة، أن الاحتفالات بسبتمبر، ظلت طوال نظام صالح، مجرد استعراض نخبوي رسمي، لتحسين وجه الإمامة المختبيء تحت يافطة الجمهورية، والسبب هو أن ثورة سبتمبر كانت ثورة نخبوية، قامت بها نخبة وطنية يمنية؛ من أفضل ما أنجبت اليمن، لكن هذه النخبة فشلت بعد قيام الثورة, في تحويل فكرة الجمهورية إلى نظام حقيقي، وهو ما ساعد في اختطاف الجمهورية، من خلال تشكيل نظام جمهوري قائم على مفهوم سطحي للديمقراطية، لقد انتقلت الثورة من نخبة جمهورية صادقة، إلى نخبة ديمقراطية مزيفة، وظلت النخبة الحاكمة (سلطة ومعارضة) طوال العقود الماضية، حريصة على بقاء فكرة الجمهورية في قلوب الجماهير, وليس في عقولها.
تقوم الجمهورية في الأساس، على فلسفة خاصة بفكرة المساواة، ويمكن اختصارها؛ بكون الناس متساوون ليس فقط في ممارسة السياسة، بل أيضا في صنعها، ومتساوون ليس فقط أمام القانون، بل أيضا في صياغته، بحكم كونهم سادة متساوون، ومن هنا أتت فكرة السيّادة. ما الذي حدث؟ لقد تم حصر فكرة الجمهورية؛ من قبل الطبقة الحاكمة، في ممارسة السياسة؛ المساواة أمام القانون، بينما تم اختطاف المساواة في السيادة من الشعب؛ أي المساواة في صنع السياسات والقوانين، وجعلها حكرا على النخبة الحاكمة.
لم يعد المواطن اليمني، إذا سيّد نفسه، كما وعدته الجمهورية، ولذا ظلت الجمهورية في قلبه، وساهمت النخب المعارضة لنظام صالح، في جعلها بعيدة عن عقله، عندما اكتفت بالنضال من أجل أن يمنحها النظام حق ممارسة السياسة، بدل أن تطلب إعادة السيّادة المختطفة إلى الشعب, ولقد كانت النتيجة تحول الجمهورية من حالة مساواة لكل المواطنين الى جمهورية نخبة, ومن سيّادة عموم المواطنين الى سيّادة طبقة سياسية معينة.
ومن هنا تأتي فضيلة ثورة فبراير 2011، التي حولت الاحتفالات بسبتمبر من ماراثون رسمي، إلى كرنفالات شعبية، لقد نقلت ثورة فبراير فكرة الجمهورية من قلب اليمنيين، إلى عقولهم، لماذا؟ لأن فبراير قامت على فكرة استعادة سيّادة الجمهورية، وليس فقط النضال لممارسة السياسة، ولأن فبراير حرّرت الجمهورية، من ضيق عقل النخب إلى فضاء عقل المواطن، ولذا لا يوجد لأحد فضل على سبتمبر، إلا فبراير، ولولا فبراير لما كانت هذه المقاومة الوطنية الصلبة, التي ما زالت تناضل الآن في كل ربوع اليمن، ضد الانقلاب الامامي.
لقد أتي هذا الانقلاب، والذي حدث في مثل هذا الشهر من 2014، كرّدة فعل على صحوة الشعب في فبراير 2011، لقد استطاعت النخبة الامامية الحاكمة؛ طوال عقود ما بعد ثورة سبتمبر، التعايش مع دستور جمهوري كتبته نخبة وطنية، لكنها لم تستطع البقاء ولو للحظة واحدة، مع مخرجات حوار وطني, كتب برعاية إرادة شعبية, يمكن القول أن سبتمبر هو جمهورية النخبة وفبراير هو جمهورية الشعب, ولقد انقلب الاماميون على جمهورية النخبة من داخل النظام, بينما انقلبوا على جمهورية الشعب من خارجه, لقد واجهت الامامة القديمة في الماضي عقل نخبة وقلب شعب, أما الآن فان الامامة الحديثة تواجه عقل شعب بكامله.
الذي نحن بحاجة اليه، هو تحرير فكرة الجمهورية من المفهوم السطحي الذي كرسته طوال العقود الماضية, النخب الحاكمة والمعارضة، فالجمهورية ليست مجرد مساواة للمواطنين أمام القانون، هي مساواة لهم في صياغته، الجمهورية ليست مجرد تنافس سياسي حول من يحكم، بل مساواة للناس في صنع السياسات التي يحكم بها، الجمهورية اليمنية دولة ذات سيّادة، لكن السيّادة هي عقل الشعب وليست عقل الحاكم.
باختصار؛ الجمهورية ليست مجرد نظام يقوم بمهمة المساواة بين أفراد الشعب، بل هي في الأساس مبدأ يقوم على سيّادة الشعب على ذلك النظام، سيّادة الهوية الوطنية على كل الهويات، سيّادة المساواة على كل الأفكار العنصرية.
لا تؤمن الجمهورية إلا بمرجعية تشريعية واحدة، مرجعية المواطنة المتساوية، ولا تؤمن إلا بسيّادة واحدة هي سيّادة الشعب, لا يوجد أكثر من سيّد, الشعب هو السيّد الأوحد، ولا تعطي الجمهورية الا لقب رسمي واحد هو المواطن, وكل المواطنين متساوون في السيّادة, كما هم متساوون في السياسة, فضلا عن كونهم متساوون في الحقوق.
من حائط الكاتب على فيسبوك