لا أحد يريد افتعال صراعا مع الإمارات في اليمن، لا الشرعية، ولا الأحزاب ولا ثوار 11 فبراير. فالحكومة الشرعية تمنع منتسبيها من الخوض في أفعال الإمارات في اليمن، وحزب التجمع اليمني للإصلاح غاضب من أعضائه الذين يكتبون ويتحدثون عن الدور القذر للإمارات في اليمن، وهناك فجوة تتسع كل يوم بين الحزب وبعض منتسبيه. فقط في اليمن ثوار 11 فبراير ليس لديهم حسابات الربح والخسارة التي لدى الساسة، والوطن غير قابل للمساومة عندهم لا مع الداخل ولا مع الخارج.
وحدها الإمارات تبحث عن بؤر صراع سياسي في اليمن، في الجنوب والشرق والغرب، السيطرة على السواحل والموانئ وباب المندب، ومحاولة فصل باب المندب والمخا عن تعز، السجون والمعتقلات السرية تفتح أينما وصلت الإمارات بمرتزقتها المحليين والأجانب.
وحدها الإمارات من تستعدي الشرعية والأحزاب والشعب اليمني، وتحولت إلى دولة احتلال من خلال تعاملها، وزراعتها للمرتزقة والمشكلات.
ومع كل ذلك في اليمن ثمة من ينظر إلى ما تقوم به الإمارات باطمئنان عجيب، لأنها بحسب قوله مازالت تقاتل مع الشرعية والجيش الوطني كتفا لكتف ضد الانقلابيين، لكنها في المقابل سياسيا وإعلاميا تقاتل مع الانقلابيين ضد اليمن وشعب اليمن وضد الشرعية والأحزاب.
غريبة هذه الإمارات التي جاءت لتساعد اليمن وتحولت إلى كارثة أكبر من كارثة الحوثي نفسه، قدرتها العجيبة على صناعة الأعداء تفوق الخيال، يبدو أن قصر نظرها تسبب لها في كل هذه الكارثة التي أحدثتها في اليمن، وبحسب المشكلات والمعطيات الموجودة، نرى أن الإمارات لا تحسن قراءة الواقع اليمني من خلال الخارطة الديمغرافية والجغرافية والسياسية، فقط اعتمدت على حدسها الأمني المشوش، وعلى مرتزقتها في اليمن وتقاريرهم المليئة بالحقد على البلد وعلى الشرعية، وهذا ما جعلها تندفع بنزق وراء اختلاق المزيد من المشكلات والتعقيدات.
ومع ظهور المشكلة الإماراتية مع قطر، انحاز بعض الناس في اليمن إلى قطر، ليس حبا فيها، فتعاملها مع اليمنيين لا يفرق عن تعامل الإمارات معهم كالمنع من المرور بأراضيها أو دخولها، بل كرها في أعمال الإمارات السيئة في اليمن، بالإضافة إلى أن المطالبة بإغلاق قناة الجزيرة لم ترق للناس، كونها ضد الحريات التي لا يختلف عليها أحد، والجزيرة كانت ومازالت صوتا للحرية في اليمن منذ مساندتها لحق الشعب اليمني في التغيير من 11 فبراير 2011، كما أن تسيس تهمة الإرهاب ومحاولة الصاقها بقطر يخلو من الموضوعية ويضعف العرب ناهيك عن التحالف الذي يساند اليمن، وفوق كل ذلك حصار شعب قطر لم يكن موفقا، فهو بالنهاية حصار لشعب عربي شقيق.
الإمارات بأعمالها المذكورة آنفا لم تنه التحالف العربي وحده، ولم تضعف دول التحالف وحدها، هي تضعف العرب ككل، وتختلق مشكلات من العدم، وتحيي مشكلات بتغذيتها بشكل مفضوح، وكل هذا سينعكس على الإمارات مستقبلا، كل هذا العداء الإماراتي سيتحول إلى عداء مضاد لن تستطيع الحكومات منعه.
الشعب السعودي أيضا فيه الكثير ممن يرون أن الإمارات ورطت بلدهم في مشكلات ليست في محلها ولا في وقتها، ولولا الإجراءات الجديدة لعبر الناس عن مخاوفهم وآرائهم دون مواربة.
أما الشعب الإماراتي الذي مازال العرب فيه يشكلون نسبة 7% من السكان فمجبر على الصمت وكان الله في عونه، وبقية السكان مشغولين بالتحويلات النقدية إلى بلدانهم الأصلية وغير مهتمين لا بالإمارات ولا تعنيهم مشكلاتها مع العرب برمتهم، المهم بقاء العلاقات قوية مع الهند، ويقال والعهدة على الراوي أنه عند إقامة صلاة الاستسقاء في أبوظبي فإنها تمطر في نيودلهي.
هل تحتاج الإمارات إلى كل هذه المشكلات أعلاه، وهل كانت بحاجة وطنية إلى عداء الربيع العربي وكذلك دعم انقلابات الشرق الأوسط برمتها؛ من انقلاب السيسي إلى انقلاب تركيا، وانقلاب الحوثي وتغذية المشكلات في تونس وليبيا، ومساندة الأسد في سوريا؟ ماذا ستكسب الإمارات على المستوى البعيد من كل هذا؟
لا أحد عاقل يبحث عن عداء الحكومات والشعوب والدول كما تفعل دولة الإمارات بقيادة محمد بن زايد، والسؤال الأهم هو: لو اعتبرنا كل هذه المشكلات أهدافا قومية للإمارات ونجحت في تحقيقها، فمن المستفيد الحقيقي منها؟ يستحيل أن يكون شعب الإمارات أو حتى حكامها مستفيدين من خراب ديار الأخرين، المستفيد الحقيقي هو الشيطان كما يبدو.