يتقلب بعض الجنوبيين على جمر الهوية ويتلظون بلهيبها، فقد كانوا يمانيون للعظم، ووقفوا إلى جانب القيادات والأحزاب اليمنية الشمالية منذ ٦٧ حتى ١٩٩٠م في تثبيت هوية الجنوب، وأنا مؤمن بيمنية الجنوب ولا جدال في ذلك، ولكن لهؤلاء غرض آخر من ذلك الهوس حينها وهو تدمير الهويات المحلية للسلطنات والمشيخات الجنوبية ليكون للدولة الجديدة التي يتربعون على سدة الحكم فيها مشروعية البقاء والاستمرار حينما بدأت بعض الممانعة من قبل بعض المكونات الجغرافية والاجتماعية لتلك الدولة.
اليوم نجد هؤلاء أنقسم يهربون من الهوية اليمنية ويتحرقون بشوق ممض، ومحرق نحو هوية منتقصة، لقيطة أخترعها الاستعمار البريطاني لاجتماع المحميات الغربية في دولة سميت بالاتحاد الفيدرالي للجنوب العربي، ليس لأنهم مقتنعين بها ولكن هروب من اليمن، هؤلاء غير مستقرين، مجانين، مهووسين، وسيقودون أنفسهم بأنفسهم نحو الهلاك السياسي قريباً.
إشكالية الهوية عند هؤلاء من إشكالية القضية نفسها التي يتبنوها، والقضية لديهم السلطة وليس الوطن، لأن الوطن بمفاهيمهم هو حيازة تؤول لمن أمتلك السلطة وهذه هي خلفية ما يجري في عدن.
هؤلاء يعتقدون أن الهوية كالقميص أو الفستان ممكن أن تخلعه وتغيره في أي وقت وتلبس آخر يلبي رغباتك ومقاييسك، وهذا سلوك ليس سطحي فحسب، ولكنه بدائي جداً، فالهوية هي كينونة وعي وثقافة وتاريخ موجودة في داخلنا لا نستطيع انتزاعها بناء على رغبة السياسة، وأن فعلنا بقرار سياسي لم يلبث ذلك القرار أن ينتهي في فترة لاحقه وتعود الهوية للظهور كما كانت بل وأشد حضوراً وقوه لأنها تمثل جوهر الفرد بل وأسمه وعنوانه.
بعض الدول التي تتماهى مع هؤلاء كأنها جاهلة بالتاريخ والجغرافيا، أنهم يلعبون في المنطقة الخطرة، فأي اعتداء على الكينونة اليمنية وجوهر انيتها سيحول اليمن إلى اعصار من نار وشواظ لن تتحمل تبعاته هذه الدول الهشة في أعماقها، لذلك لابد من مراجعة لسلوك بعض الدول وبالأخص الإمارات لما تفعله في الجنوب لأن الاستمرار فيما تفعل هناك كما أسلفنا سيكون وباله عظيم.
الجنوب يمني كان ولازال وسيظل وهذا شرف كبير، فاليمن هو المتن في شبه الجزيرة العربية طوال التاريخ فلا يعبث من لا تاريخ له مع اليمن، فحالة الضعف التي يمر بها اليوم ظرفية لن تستمر طويلاً سيتعافى بعدها اليمن وسيعود سعيداً ولو كره التافهون.