يعتقد أصحاب مؤتمر حضرموت في بيانهم الذي لا يمثل إلا من كتبوه فقط -أما من صوتوا عليه من الحضور فلا يعلمون تفاصيله-، أنهم أذكى من غيرهم، تعاملوا بخفة غير معقولة مع القضية الوطنية، وتناسوا الحرب والتحالف والشرعية، وتناسوا مخرجات الحوار وتناسوا الشعب اليمني الذي يعيش في اصعب مرحلة من تاريخه المعاصر، من حرب وجوع وتشرد وانقسام وخرجوا بمؤتمرهم المفرق لا الجامع، مؤتمرهم أقرب للمخضرية منه للفدرالية، لقد تناسوا ابسط تعاريف وضعها إخواننا الكفار عليهم السلام للفيدرالية وخلقوا نموذجا في أربعين أمنية، وفيه اعلنوا عن نكوصهم عن القضية اليمنية، معتبرين أنفسهم مهمشين من أيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ومن أيام الجمهورية اليمنية، ولا أعرف ماذا تعني كلمة "مهمشين" فقد حكموا اليمن الجنوبي منذ القرن الماضي وشاركوا في حكم اليمن الكبير فمنذ 1990 رئيس الوزراء حضرمي، من العطاس إلى بن دغر، فما التهميش وما نسبته وما المقصود به وإلا هو كلمة خرجت والسلام؟
يذهب المبررون "للحضرمة" من قطعان الأحزاب المؤدلجة التي لا علاقة لها بالقضية اليمنية بالقول " احمدوا الله فقد ذكرنا في البيان مخرجات الحوار الوطني" ويمنون علينا بذلك وكأننا نلهث وراء موافقتهم من عدمها، هناك رأي عبثي وناشز وغير صائب في حضرموت يفيد بأن الثروة التي هناك هي محط انظار المواطنين والشعب اليمني قاطبة، ولذا ذكر في المؤتمر الذي عقدوه مطالبتهم ب 40% من السلطة بناء على مساحة الأرض والسكان والميزانية التي يقدمها إقليم حضرموت لليمن، يتعاملون مع القضية اليمنية بالمتر، وهذا فهمناه لكن ذكرهم للسكان غير مفهوم كم عدد سكان حضرموت بدون المحافظات الثلاث في الإقليم الذي أشارت إليه مخرجات مؤتمر الحوار بإقليم حضرموت: ويضم حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى؟
عندما غابت الحزبية والأحزاب عن صعدة ظهرت لنا جماعة استئصالية عنصرية سلالية هي جماعة الحوثي، وعندما تحولت الأحزاب في حضرموت إلى أدوات انتهازية تفكر بطريقة الشطار بالربح فقط ظهرت الفكرة الحضرمية المنسلخة عن الهوية اليمنية، جاء في نص البيان العقيم أن حضرموت هوية وتاريخ، يريدون القول أنهم لا علاقة لهم باليمن، وهنا تكمن الكارثة، اتفقنا واختلفنا مع رؤية الحزب الاشتراكي المقدمة لمؤتمر الحوار بشان الفيدرالية من اقليمين، وقلنا لديهم نوازع انفصالية نظرنا إليها من باب الايدلوجية والمصالح، كنا قاصرين عن فهم ومعرفة أن الحزب الاشتراكي اليمني هو الذي وحد السلطنات بعد رحيل الاستعمار، للحزب خبرته في التعامل مع الجنوب أكثر من غيره، وبدلا من أن نستفيد من هذه الخبرة قمنا بمهاجمته بناء على مخاوف الانفصال، فلتنفصل اليمن إلي 2000 دولية و2000 حكومة تحت اسم اليمن لا مشكلة مطلقا، لكن أن نفصل جزء أصيل -حضرموت بن سبأ- من التراب اليمني ومن الهوية اليمنية فهذا غير مقبول وغير معقول.
نصيحتي للمؤدلجين الذين يبررون تفتيت الخارطة اليمنية أن يتركوا التبرير والعناد وأن يكبروا مع القضية اليمنية أان يحاولوا فهمها بدلا من الذهاب في خط اللارجعة، كل ما يجري في الوطن اليوم بسبب نزق الأحزاب السياسية ونزق النخبة وصراع الاغبياء.
في حربها التي تقودها السعودية في اليمن المحتلة من قبل إيران وعملائها في صنعاء وعدن وحضرموت، انتظرت السعودية طويلا واتبعت سياسة النفس الطويل، فهي التي سمحت في عهد أوباما بتسليم عدن لعيال إيران -كما أخبرني ضابط كبير في قوات التحالف-لتجعلهم ضمن قاعدة الاحتواء، وكي لا يتسببوا لها في ازعاج أثناء معركة تحرير بقية المدن اليمنية، ولن تصبر أكثر بعد الآن وخاصة بعد عودة أمريكا إلى الشرق الأوسط - هذه العودة ستعمل على تغييب دور بريطانيا لاعتبارات تنافسية قديمة- فقد جاء وقت الحساب والمراجعة في الشرق الأوسط، وفي اليمن بالتحديد هناك توقع بأن ينحسر دور الإمارات - وهو جزء من دور بريطانيا- ولذا فقد تأخر الوقت على إعلان مؤتمر حضرموت الجامع كثيرا، وجاء في الوقت الضائع وهذا ما يقلل من أهميته، كونه يعتمد على دعم الإمارات، وهذه الأخيرة لن يستمر دورها في اليمن مع عودة أمريكا لليمن والشرق الأوسط. ومن المتوقع عودة قطر إلى الواجهة والأهم من كل ما سبق ستتخلص المملكة العربية السعودية من الضغوط التي مورست ضدها لتخفيف دورها في اليمن من قبل الأوروبيين وإدارة أوباما، ومن المتوقع أن يحدث في هذه المرحلة تغييرات لصالح الشرعية في عدن وحضرموت، وهذه الأخيرة يديرها ضابط موال للمخلوع ويتصرف كالممسوس.
*فيصل اعلامي - اعلامي ومحلل سياسي مقيم في ماليزيا.