أدرك الغرب وأذرعه أهمية الإعلام فأنشأ آلاف المحطات الفضائية وزودها بأحدث التقنيات وكذا المواقع الإليكترونية والصحف المقروءة وغيرها من وسائل الإعلام؛ بينما ظلت التيارات الإسلامية بمختلف انتماءاتها متجاهلة الإعلام، بل كان بعضها يهرب من الكاميرا تماما ً كما يهرب من فوهة البندق!
استطاع الغرب بذلك أن ينشر أفكاره، وأنشطة أذرعه، على أوسع نطاق، ويصل إلى كل بيت، مخاطبا كل شرائح المجتمع، في كل وقت وحين، حينها اكتفي الاسلاميون بتحريم مشاهدة التلفاز، وشنوا حملات متلاحقة ضده، بدل أن يخوضوا غماره، ويقدموا ما لديهم للمشاهد، فانهارت دفاعتهم في غضون سنوات قليلة ووصل التلفاز إلى كل بيت.
لقد كان عليه الصلاة والسلام يدرك أهمية الإعلام حين امتنع عن قتل ابن أبي قائلاً "لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" وكرر المعنى في قصة قسمة غنائم حنين "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي".
وفي جلسة مفتوحة قال أحد ملاك الصحف التركية عند الحديث عن الخيانة "نحن من نصنع من شخص ما بطلا أو خائناً".
كما استطاع جوزيف جوبلز وزير الاعلام النازي في عهد هتلر أن يصف ما يمثله الاعلام من أهمية حين قال "أعطني اعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي" وهو تماماً ما عمل عليه الغرب وأذرعه في المنطقة على مدى العقود الماضية وها نحن نشاهد نتائجه اليوم.
ويكفي إلقاء نظرة سريعة على الهزات التي أحدثها الإعلام منذ العام 2011 وحتى اليوم كي نستوعب ما يمكن أن يصنعه الإعلام.
بالطبع نحن لا نتحدث عن الإعلام بمفهومه القاصر، كما قد يتصور البعض الإعلام، على أنه مقابلة تلفزيونية ، أو نشرة أخبار؛ بل نتحدث عن الإعلام بكل جوانبه، من برامج تلفزيونية، ودراما، وصحف، ومجلات، ومنصات تواصل، وبقدر ما يملك أصحاب أي مشروع فكري من هذه الوسائل بقدر ما يكون لهم حضور وتأثير في عالم القرن الواحد والعشرين.
إننا اليوم في ذروة الثورة الإعلامية الهائلة، ولا زال حضور التيارات الإسلامية في الإعلام باهتا جداً، ومن قرر منهم خوض غمار الإعلام جعله على هامش أنشطته؛ بل لا زال الكثير من رجال المال والأعمال من الإسلاميين يفضل الأنشطة الاجتماعية التقليدية البسيطة التي لا تعدوا كونها مساعدة للدول في مكافحة الفقر واحتواء السخط المجتمعي.
وهذا ما يبرر ضعف الوسائل الإعلامية المحسوبة على التيارات الإسلامية حيث ينقص الكثير منها أبسط مقومات الإعلام المادية والبشرية، ما جعلها لا ترقى إطلاقاً إلى مستوى القنوات الأخرى الصغيرة ذات التوجهات الأخرى، ناهيك عن المؤسسات العريقة العملاقة.
أما على المستوى الشخصي فتجد الكثير من المفكرين والعلماء والدعاة والمصلحين يتجاهلون الظهور في الإعلام، والحضور الواسع في وسائل التواصل؛ بحجة عدم حب الظهور والشهرة ، أو الانشغال بما هو أهم، وغير ذلك من الحجج التي لا ترقى إلى أي مستوى منطقي، بينما ينشط العشرات من الليبراليين، والرويبضات، في الفضائيات بمختلف البرامج بوتيرة متصاعدة، وحصدت حساباتهم في منصات التواصل ملايين المتابعين، وهي نتيجة طبيعية لعملهم الدؤوب فقد استطاعوا ملء الفراغ الذي تركه غيرهم.
الخلاصة:
سيبقى أي فكر حبيس عقول أصحابه، وإن تجاوز فإلى الدائرة المحيطة الصغيرة جداً، هذا إن سلم من التشويه، والشيطنة والهجوم الإعلامي؛ ما يحتم على من يريد مخاطبة الأمة والوصول إلى أكبر قدر من الناس أن يبني وسائل إعلامية محترفة تستطيع المنافسة، مستحضراً "بلغوا عني" ومستوعباً هذه الحقيقة "إذا كان الإعلام سابقاً يدخلك إلى كل بيت على شاشة التلفاز، فإنه اليوم يدخلك إلى كل جيب على شاشة الهاتف.
*ابو بكر الدوسي - اعلامي يمني.
*المقال خاص بالموقع بوست.