[ سيطرة المليشيا على جبل جالس يهدد معسكر العند الإستراتيجي ]
كشف التصعيد الأخير الذي أقدم عليه الانقلابيون (تحالف المخلوع صالح والحوثي) في جبهتي لحج وشبوة عن نواياهم الحقيقية، المتمثلة في السيطرة على البلاد بالقوة، مهما كلفهم ذلك، واتخاذهم من محادثات الكويت وسيلة لإلهاء العالم الخارجي عن حقيقة ما يدور في الداخل، أملاً في التمكن من فرض واقع جديد، يجبر العالم الخارجي على التعامل معه كأمر واقع، وبالتالي، الاستسلام له من قبل المواطنين، كما يتوهمون.
صحيح أن سيطرة الانقلابيين على أحد الجبال المطلة على قاعدة العند يشكل نصراً مهماً بالنسبة لهم، لكن هل يعني ذلك مقدمة لانتصارات جديدة أم مقدمة لانتكاسات جديدة؟ لا سيما وأن الانتصار جاء بسبب نفاد الذخيرة لدى المقاومة الشعبية المرابطة هناك، وعدم حصولها على دعم سواء بالمقاتلين أو بالأسلحة، ويعني ذلك أن الانتصار لم يكن ناتج عن تفوق عسكري للانقلابيين، ولكن بسبب ضعف المقاومة وعدم حصولها على الدعم اللازم للتصدي للانقلابيين.
انتصار سلبي
عند التأمل في طبيعة المعارك بين المقاومة الشعبية والانقلابيين في مختلف الجبهات، يمكن القول إن الانتصار الخاطف الذي حققه الانقلابيون في جبهة لحج لا يعني تحولاً كبيراً في سير المعارك لصالحهم، والفائدة الوحيدة التي جنوها من ذلك الانتصار هي رفع معنويات مقاتليهم المنهارة في الجبهات الأخرى، ومثل هذا الانتصار يمكن وصفه بالانتصار السلبي، كون ما سيترتب عليه من تداعيات ونتائج ليس في صالح الانقلابيين، خاصة بعد المواقف المداهنة لهم من قبل المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، والتي قد يخسروها، كون ذلك كشف عن نياتهم الحقيقية بخصوص الصراع الدائر في البلاد، وكشف أسباب تعنتهم في مفاوضات الكويت.
واللافت هو أن تصعيد الانقلابيين جاء بعد عودة أعضاء في الحكومة الشرعية إلى عدن، وهي حكومة مدعومة دولياً، كونها تمثل الشرعية، وتصعيد الانقلابيين بعد عودتها يعني أنهم مصممين على استكمال الانقلاب، وأمر كهذا من شأنه أن يثير قلق المجتمع الدولي، ويعني ذلك أنه في حال عودة تدخل السعودية ودول التحالف العربي عسكرياً، لن يجد المجتمع الدولي مبررات لممارسة الضغط عليها بوقف التدخل، خاصة بعد أن تصل مفاوضات الكويت إلى طريق مسدود.
كما أن تصعيد الانقلابيين في جبهتي لحج وشبوة، جاء بعد تكبدهم لخسائر فادحة في الأرواح والمعدات في جبهة نهم، على مشارف العاصمة صنعاء، ويعتقدون أنه في حال التصعيد في جبهات أخرى مهمة من شأنه أن يخفف عليهم الضغط في جبهة نهم.
معركة كسر العظم
لا شك أن سيطرة الانقلابيين على موقع عسكري مهم في جبل يطل على قاعدة العند يعني أن تحولاً في سير المعارك على الأرض سيبدأ خلال الأيام القادمة، بل ويمكن القول إنه خلال الأيام القادمة ستبدأ معركة "كسر العظم" بين الانقلابيين من جهة، ومختلف الأطراف الرافضة لهم داخلياً وخارجياً من جهة أخرى.
مبدئياً، سيحاول الانقلابيون استثمار سيطرتهم على جبل "جالس" في تهديد قاعدة العند، وسيكثفون من تعزيزاتهم العسكرية إلى هناك أملاً في الاحتفاظ بما حققوه من نصر، ليستعيدوا بعض التوازن في المعركة، فالمقاومة الشعبية في نهم تستطيع قصف مواقع حيوية في العاصمة صنعاء ومواقع عسكرية للانقلابيين من المواقع التي تسيطر عليها هناك، والانقلابيون يستطيعون قصف قاعدة العند ومدينة عدن من جبل "جالس"، ولذلك سيستميت الانقلابيون في المعارك هناك للاحتفاظ بما حققوه من انتصار جزئي وخاطف.
وفي الأيام الأخيرة، يعيش الانقلابيون حالة استنفار قصوى، كما يتضح من خلال تحركات ميدانية للمسلحين، ومن خلال تصريحات قيادات الانقلابيين، ففي الوقت الذي ظهر فيه زعيم جماعة الحوثيين، عبدالملك الحوثي، بخطاب حمل فيه مسؤولية ما يحدث اليوم في اليمن وغيرها بنو أمية، في ذكرى مقتل علي بن أبي طالب، بدأت قيادات أخرى في الجماعة تتحدث عن استعدادات سعودية لشن هجوم واسع على المواقع العسكرية الموالية لهم وللمخلوع علي صالح، رافق ذلك حملة تحريض واسعة من على منابر المساجد، بالتزامن مع ذكرى مقتل علي بن أبي طالب، وتضمنت خطب الجمعة الأخيرة في مساجد العاصمة صنعاء الحديث عن المظالم التي تعرض لها آل البيت، وأولهم علي بن أبي طالب، وحملوا مسؤولية ذلك بنو أمية.
كما لوحظ من خلال مضمون الخطب المكتوبة، والتي تم توزيعها على الخطباء الذين فرضتهم جماعة الحوثيين على مساجد العاصمة، أن جماعة الحوثي تعمل على نشر فكر وثقافة التشيع بالقوة، وتحميل المسلمين السنة كافة مسؤولية ما يحدث لآل البيت بزعمهم، وأن كل ذلك سببه بنو أمية، الذين -بحسب زعمهم- كرسوا ثقافة كراهية آل البيت، وشوهوا تاريخهم!
ماذا بعد؟
يرى الحوثيون أن معركتهم هي معركة مصير، ولذلك لن يقدموا أي تنازلات تسهم في إيجاد حل سياسي، كما أنه لن تتوفر لهم عوامل القوة كما توفرت اليوم، حيث استفادوا كثيراً من تحالفهم مع المخلوع علي صالح، الذي أسس جيشاً عائلياً بامتياز، ثم جعله تحت تصرفهم، وهو ما لن يتكرر مطلقاً في المستقبل.
وبما أن الحوثيين يستغلون المناسبات ذات اللون الطائفي لنشر فكر التشيع، وتقوم معركتهم على فكرة الاصطفاء الإلهي، والامتياز العرقي، والأحقية بالولاية انطلاقاً من معتقدات وخرافات يؤمنون بها، فإن اللجوء إلى الحوار مع جماعة تؤمن بهكذا معتقدات يعد نوعاً من العبث وإضاعة الوقت، حتى تتمكن الجماعة من التمدد اجتماعياً وثقافياً، ما يعني أنه كلما تأخر الحسم، ستكون كلفته أكثر.
ولعل تطورات المعارك الدائرة في البلاد، وما يرافقها من تحريض وعنف مذهبي وطائفي ومناطقي من قبل الانقلابيين، وضبابية مواقف كبار اللاعبيين الإقليميين والدوليين، كل ذلك يعني أن معركة "كسر العظم" قد اقتربت، ولم تعد المسألة سوى مسألة وقت فقط. فالمقاومة الشعبية لا يمكنها الاستسلام للكهنوت والاستبداد بعد كل ما قدمته من تضحيات، والحوثيون لا يمكن أن يستسلموا أو يقدموا تنازلات بعد كل المكاسب التي حققوها، وأي حل وسط فإنه يعني تأجيل معركة الحسم فقط لا غير.