لطالما مثّل الحوثيون خطراً يتعلق بأمن المملكة العربية السعودية من ناحية حدودها الجنوبية، ولطالما-أيضاً-مثّل الحوثيون أداة إيرانية بدءً من ترديد الشعار "الموحد" ومروراً بشحنات الأسلحة المستمرة بالتدفق من البحر العربي أو الأحمر، وحتى تصريحات الحوثيين بكون "حركتهم" جزء من "الثورة الإيرانية" وامتداد لها، وهو ما يؤكده الطرف الإيراني بكون صنعاء "العاصمة الرابعة" الساقطة للثورة الإيرانية.
وتتباهى تلك التصريحات المستمرة حتى أن قاسم سليماني قائد فيلق قدس قال إن "مليون يمني مُسلح يتلقون أوامرهم من عبدالملك الحوثي"، في خضم الأزمة الإيرانية - السعودية بسبب الحج، التي جاءت امتداد لأزمة دبلوماسية أعقبت اقتحام السفارة السعودية في "مشهد"، والذين اقتحموا السفارة هم متشددون من الحرس الثوري التابع للمرشد و"سليماني" يتقدمهم يمنيون يدرسون أو يسكنون في إيران منذ زمن.
تقوم علاقة المملكة العربية السعودية بالحوثيين على أساس، مشاورات خلفية، أشبه بالتطبيع، فالجماعة المسلحة، وإن كانت تصريحاتها تُشير إلى القبول بـ"الرياض" كراعية لحل سياسي ويعتقدون أن تقاربهم مع "السعودية" يعني اتفاق يشبه اتفاق الطائف (1989م) بين الطوائف اللبنانية وسمح ببقاء سلاح حزب الله، إلا أنهم مع كل ترديد لذلك التقارب ينفونه أضعاف مضاعفة للصحافة الإيرانية أو للإيرانيين، ومن ذلك المقابلة مع صحيفة الوطن السعودية التي قال فيها ناطق الحركة محمد عبدالسلام إن ميليشياتهم لم تسيطر على مواقع سعودية، ولم تواجه الجيش السعودي، لكنه في مقابلة مع وكالة تسنيم الإيرانية (24 مايو) تحدث بفّم أكثر فصاحة وقال: " "أما وجود الجيش (اليمني) واللجان الشعبية داخل الأراضي السعودية فمسألة مفروغ منها، فالجيش واللجان الشعبة دخلوا الأراضي السعودية؛ بسبب العدوان على اليمن وما زالوا حتى اللحظة والتفاهمات القائمة هي من أجل إيقاف المواجهات في الحدود وبحث موضوع الاسرى والجثامين والالغام والانسحابات".
الحدود وطموحات الحوثيين
يدفع الحوثيون السعودية إلى بقاء سلاحهم، في صفقة متبادلة لحماية "الحدود" الطويلة بين البلدين، والتي لطالما كانت مثار قلق لدى الرياض، لكن صفقة من هذا النوع لا تعني فقط بقاء جماعة موالية لـ"عدو السعودية الرئيس" لكنه يعني بقاء اللادولة في اليمن، وكل ذلك يعني بطبيعة الحال استمرار ضاحية خلفية للمملكة مثار قلق ورعب وحروب متداخلة وبكل تأثيراتها ستنعكس على الداخل السعودي.
كعادة إيران عندما تنشئ أداة في دولة وتشاهدها تتمكن من زمام السلطة، كان بمشاورات أو بقوة مسلحة فإن "تصدير المشهد" سينتقل بشكل أسرع إلى دولة "جوار" ولعل السعوديون يتذكرون تلك النشوة التي أصابت فريق عريض من "السعوديون الشيعة" بوصول الحوثيين إلى السلطة في صنعاء، فيما اعتبره "حزب الله" نموذج "الحوثيين" المُحبب انتصاراً لـ"الشيعة" في "السعودية" و "البحرين"، ودائماً كان حزب الله في لبنان مكاناً لتدرب الحوثيين ومكان لتنفسهم الإعلامي وإقامة علاقاتهم المحفوفة بالكثير من الهجوم على "الرياض"، ولعل ظهور صور "نمر النمر" على ناقلات وراجمات صواريخ مع "الحشد الشعبي" في "العراق" تؤكد حجم العلاقة المتبادلة بين أدوات إيران في الشرق الأوسط.
الكثير من المواقف الحوثية التي تُشير إلى مستقبل بقاء الجماعة كحاكم (أمر واقع) لليمن، كان أخرها تصريح القيادي الحوثي عبدالعزيز الترب إلى الحشد الجماهيري لإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة بالقوة، ويقصد بالاتفاقية "معاهدة جدة" عام 2000م والتي أبقت الحدود بين البلدين على ماهي عليه بعد ادعاءات يمنية بملكية أراضي سعودية؛ وليس هذا وحسب بل إن قيادات حوثية في مناورات على الحدود السعودية عام 2014م تحدثوا أن حدود اليمن يمتد إلى الركن اليماني وسط "الحرم المكيّ"؛ وكل ذلك يعني المزيد من فجوات "طائفية" تدعمها إيران عن طريق "الحوثيين" في السعودية، والمزيد من جوار مضطرب يأجج الأزمات الاقتصادية والأمنية للمملكة.
ما سيتعرض له الأمن القومي السعودي؟
حجم تعرض الأمن القومي السعودي سيكون أكثر خطراً في حالتي: "بقاء الحوثيين بسلاحهم وتنظيمهم ولجانهم واستحواذهم القوة وحكم الأمر الواقع"، أو "بحل وسط يبقي التنظيم مسلحاً وإن كان بأسلحة متوسطة ويحولهم إلى حزب يعطيهم الثلث المُعطل -كما حدث مع حزب الله - في ظل دولة ضعيفة مهترئة في ظل استقطاب (هوياتي) كان (طائفياً) أو (مناطقياً).
سبق أن دخلت السعودية في تحالفات من أجل حماية أمنها القومي لكن كل ذلك كان من خطر ضمن "المشرق العربي" ولم يسبق أن كان الخطر قادماً من فاعل خارج هذا الإقليم المتوتر منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا ما مثلته إيران بعد 1979م، وحتى لا يخرق السعوديون في عهدهم الجديد، فلم يسبق للرياض دخول تحالف لمواجهة عدو يمثل خطراً على أمنهم الإقليمي وفشلوا؛ فمن مواجهات في عهد مصر "عبدالناصر" بعد إعلانه جمهورية الوحدة العربية (سوريا ومصر واليمن) عام 1958م والضغوط الهائلة على النظام الإمامي للإنسحاب؛ وانهيار تلك الجمهورية، والتي انتقلت إلى مواجهة في حرب ساخنة على أراضي اليمن، استغرقت سنوات الستينات، ومروراً بالتحالف الدقيق مع "العراق" ضد "إيران" ثمانينات القرن الماضي، و حتى "غزو الكويت" في التسعينات، كلها تحالفات منتصرة.
تمثل الحلول الوسط مع الحوثيين نهاية الأمن القومي السعودي، وكما تريد إيران فإن بقاء الحوثيين كقوة مسلحة نشطه يعزز الجماعات الشيعية داخل المملكة فإن المشاورات القادمة لن تكون مع الحوثيين لتأمين الحدود بل مع "قاسم سليماني" لـ"إدارة الحرمين الشرفيين" عبر لجنة دولية طالما نادت بها طهران وحلمت بها، وبذلك يصل الإيرانيون مبكراً إلى هدفهم الأسمى بكون "الإمبراطورية الفارسية" (أم القرى) للعالم الإسلامي.