[ مكان حادثة أورلاندو في امريكا ]
أثارت الهجمات المسلحة التي ضربت، مؤخرا، الولايات المتحدة، كان آخرها هجمات أورلاندو أمس الأول، أثارت ردود فعل متعددة ومتباينة، فيما يخص تأثيرها على الأمريكيين المسلمين.
وألقت هذه الأحداث بظلالها على المشهد الانتخابي الأمريكي، والذي يشهد سباقا محموما بين قطبي الانتخابات الأمريكية، الجمهوري والديمقراطي. فقد سارع "دونالد ترامب" المرشح للرئاسة، في تجديد دعوته لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
ويتبنى، مرشح الحزب الجمهوري اليميني، خطاب كراهية وتحريض ضد الأقليات المُسلمة، الأمر الذي رأى مراقبون أن توقيت حادثة "أورلاندو" يصب في مصلحة حملته الإنتخابية، والتي من المفترض أن تلقى تعاطفا واسعا.
وكان، أمريكيا من أصول أفغانية مسلمة، قد أطلق النار داخل "ناد ليلي" في مدينة "أورلاندو" الأمريكية، قيل إن مرتاديه من المثليين، راح ضحيته مايزيد عن 50 قتيلا وعشرات الجرحى.
وتعد الحادثة هي الثانية من حيث الضحايا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، مطلع القرن الحالي.
وقد تبنى تنظيم "داعش" العملية، فيما تلقت الأجهزة الأمنية اتصالا من منفذ العملية قبل التنفيذ، على رقم الطوارئ، قيل أنه تبنى الحادثة.
لكن مدير عام مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) "نهاد عوض" أدان بشدة الحادثة. وقال في تغريدة له على "تويتر": أصابتتي أحداث أورلاندو بالمرض. إن قلبي ينخلع على الضحايا، عائلاتهم وأحبائهم. لا مُبرر إطلاقا لهذه الأفعال، وفي هذا التوقيت.
خدمة لتيارات اليمين الغربية
لاحظ البعض أن هجوم أورلاندو جاء بعد يوم واحد من التشييع المهيب لبطل الملاكمة العالمي المسلم محمد علي كلاي. وقال المحلل السياسي اليمني "عبدالعزيز المجيدي" : ترك "كلاي" بصمة واضحة واستثنائية، ليس في عالم الرياضة وحسب، بل وفي التزاماته ومواقفه الانسانية.
وأضاف "المجيدي" القول في حديث للموقع بوست: لقد أعادت وفاة "محمد علي" التذكير بشخص لا يذكر إلا مقرونا بديانته ومواقفه المناهضة للحرب والكراهية والتزامه الإنساني، وقد كانت وفاته خبرا رئيسيا في نشرات شبكات الأخبار حول العالم، بينما يشتعل خطاب صاخب في الغرب وأمريكا يقدم المسلمين كمشكلة للعالم من خلال مايسمى "الارهاب".
وتابع: ربما يحمل مثل هذا الربط تفسيرا مؤامراتيا، لكن سياق الأحداث وطبيعة "داعش" الغامضة، إذ يقاتل في صفوفه آلاف الأوربيين، تجعل وظيفته محل أسئلة كثيرة. اللافت أن الإرهاب نفسه المنسوب لمتشددين يزعمون أنهم مسلمين كداعش والقاعدة، يخدم في المحصلة النهائية التيارات اليمينية في الغرب، وخطاب الكراهية الذي يستخدم مثل هذه الهجمات كذرائع لزيادة حالة الاستقطاب و النقمة على المسلمين.
تبادل أدوار
وبخصوص تبني "داعش" في كل مرة ومباشرةً لمثل هذه الأحداث، يرى "عبدالعزيز المجيدي" أنه وعلى ضفتي ما يفترض أنهما طرفي نقيض، تلمح بعض خطوط تقود في النهاية إلى ما يشبه تبادل خدمات!
ويتابع: دولة داعش المزعومة هجّرت ملايين العرقيين والسوريين، وقتلت عشرات الآلاف منهم ، وهذه الجماعة الإرهابية باتت تستخدم كذريعة لعملية تطهير طائفي، وإعادة بناء خرائط ديموغرافية في تلك الدول، تمهيدا لخرائط التقسيم السياسية.
وأردف: تطارد من هجرتهم في المنافي وبلدان اللجوء، ومن ثم تعلن تبنيها لهجمات إرهابية في دول أوربية عديدة كما حصل في باريس وبروكسل، لتضييق الخناق على المسلمين أكثر، ودفع الحكومات الغربية لتقييد حركة اللجوء، وإغلاق حدودها في وجه مئات الآلاف من الفارين من جحيم الحرب في سوريا والعراق على وجه الخصوص.
وتابع: لقد التقط "دونالد ترامب" مرشح الرئاسة الجمهوري المتعصب، كما لو كان قد عثر على جائزة، فجدد دعوته العنصرية لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
واضاف: بالتاكيد سيحاول الرجل الإفادة من واقعة اورلاندو، وستكون واحدة من الأوراق المهمة لتحشيد المزيد من المتعصبين، لذا كانت "داعش" بهذا الهجوم تمنح دعوة "ترامب" زخما، وتحيط خطابه المتعصب بالانتباه لدى جمهور يبدو أن إعادته الى مربع الخوف، كما حدث أعقاب 11 سبتمبر ، سيكون ورقة اللوبيات وشبكات المصالح المتحكمة بمؤسسات صنع القرار في أمريكا وأوروبا.
واستطرد "المجيدي" : فهجوم التنظيم الإرهابي استهدف نادي للمثليين والشواذ، في حين يلتزم الجمهوريين المحافظين عموما نظرة متشددة حيال عديد حريات شخصية في امريكا كالشذوذ والإجهاض مثلا! لطالما بدت "داعش" كحالة استجابة آلية لفوبيا الغرب من المسلمين وتحديدا السنة؛
فبينما كان عشرات الآلاف من المتظاهرين العراقيين، مثلا، ينددون بفساد نخبة الحكم الموالية لايران، ويدعون لهوية عراقية متجاوزة للطائفية التي تديرها طهران، كان داعش يتبنى عديد هجمات انتحارية في بغداد ومناطق رفض الهيمنة الإيرانية، كما لو كان يقول لهؤلاء: "عودوا إلى حضن طهران، فهي الحامي لكم مني."
غباء سيفضي لمزيد من التضييق
لا أظن أن هناك دلالة لتوقيت هذه العملية. وقال "أيمن نبيل" صحفي مقيم في أوروبا: أولا الهجوم كان بدون خطة معقدة وفردي، والهدف "نادٍ ليلي" تسهُل مهاجمته، بالإضافة أن المجتمع الأمريكي مجتمع مسلح، وبالتالي لا يتطلب توفير السلاح الشخصي التعامل مع شبكات تهريب أو ما شابه، وفي الأسبوعين الماضيين، حدثت عمليتا هجوم مسلح الأولى في حرم جامعة كاليفورنيا والثانية قبل يومين في حفل غنائي.
وأضاف "نبيل" في حديث خصه "الموقع بوست" : دلالة العمل نفسه، أن هناك نزعة محافظة ذات بعد إجرامي عند بعض المسلمين في أوروبا وأميركا، ومستعدون لاستعداء قطاعات اجتماعية عوضا عن استعداء سياسات دولة فيها حيز ديمقراطي. وتابع: بمعنى آخر، هناك ضياع تام لبوصلة كثير من العرب والمسلمين تجاه ما يجب أن يكونوا "ضده"، وكيف يترجمون "المعارضة".
وأردف "أيمن" : سيستفيد دونالد ترامب من هذا الحادث لإعطاء زخم اكبر لخطابه، وهنا سأشير إلى أمر يتصل بالقسم الأول من حديثي:
"ترامب يمثل أشد القطاعات الاجتماعية الأمريكية محافظة، وهو ضد النساء والسود والمثليين واللاتينيين والمسلمين، ولكن النزعة المحافظة الأمريكية تطورت مع الزمن، وقيدت بالقانون والديمقراطية.
وتابع القول: وهكذا فإن محافظا يمينيا سيستفيد من جرائم محافظ يميني آخر، ولكن هذا الأخير يتميز بالغباء!