[ صراع سعودي إماراتي في اليمن ]
وصلت التجاذبات السياسية والاستقطابات السياسية في محافظة حضرموت (شرقي اليمن) بين أطراف محلية واقليمية متعددة إلى ذروتها في شهر يونيو الماضي، عندما أنشأت السعودية كيان حضرمي موالي لها، وصولا إلى استعراض الانتقالي لقوة الحشد في ذكرى اجتياح قوات الرئيس الاسبق علي صالح للجنوب، وسط مخاوف من ذهاب هذه التجاذبات نحو تصعيد عسكري يفتح الباب أمام التنظيمات الإرهابية للعودة من جديد للمنطقة.
وفي هذه الذكرى خرج المئات من أنصار المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا في تظاهرات متفرقة بحضرموت اطلقوا عليها "يوم الارض الجنوبي"، ضمن عملية استقطاب واسعة تشهدها المحافظة التي تتقاسم النفوذ فيها قوى سياسية وقبلية وعسكرية متعددة الولاءات ذات اهداف ومشاريع متباينة.
ويسعى المجلس الانتقالي منذ سنوات جاهدا لبسط نفوذه السياسية والعسكرية على المحافظة المترامية الاطراف في سياق تبنيه لمشروع الانفصال الذي يسعى إلى فرضه كأمر واقع بالمفاوضات المرتقبة للحل الشامل في اليمن.
وفي خطوة لكبح جماح الانتقالي بالمحافظة النفطية، أعلن من الرياض في 21 يونيو الماضي تشكيل مجلس حضرموت الوطني المدعوم من السعودية، كمخرج لمشاورات استغرقت شهر بين قوى ومكونات سياسية ووجهاء رافضة لتحركات الانتقالي، في مسعى للخروج برؤية موحدة بشأن مستقبل المحافظة.
وبعد أيام من انشاء الكيان الحضرمي، وصل رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى مدينة المكلا في زيارة هي الأول له منذ توليه قيادة البلاد في شهر أبريل الماضي، افتتح خلالها عدد من المشاريع التنموية المدعومة من الرياض، ووعد من هناك بمنح سلطات المحلية الصلاحيات الكاملة لإدارة المحافظة.
السباق على النفوذ
أدركت السعودية مؤخرا ان التمدد الإماراتي الجنوب أفقدها الكثير من مكامن النفوذ، حتى بدأت بدعم المجلس الوطني الحضرمي لإيجاد موطأ قدم لها في حضرموت لمنع المجلس الانتقالي من بسط نفوذه فيها، وفق الصحفي اليمني عبدالجبار الجريري.
ويقول "الجريري "لـ" الموقع بوست" إن حضرموت غنية بالنفط والمعادن كالذهب وتمتلك سواحل طويلة وتتمتع بعض المناطق الساحلية فيها بمواقع مهمة مهيأة لتكون قواعد بحرية، مشيرا إلى أنها تعني للرياض وأبوظبي أهمية من خلال ثرواتها وموقعها وجغرافيتها الواسعة.
ويؤكد بوجود تجاذبات سياسية قوية تشهده حضرموت خاصة بعد تشكيل المجلس الوطني الحضرمي وشعور الانتقالي بفقدانه لهذه المحافظة التي يرى في السيطرة عليها أساس لنجاح مشروعه الانفصالي، مضيفا أن "المجلس الوطني الحضرمي والمجلس الانتقالي يعملان على استقطاب العديد من الشخصيات بهدف تقوية قاعدتهما الشعبية والاجتماعية فيها".
ويشير الصحفي الحضرمي إلى أن القوى السياسية بحضرموت تريد حكم كامل الصلاحيات في المحافظة والسماح للسلطة المحلية بحضرموت بإدارة شؤون المحافظة وإخراج القوات العسكرية، فضلا عن وعد الرئيس رشاد العليمي بمنح المحافظة حقها في إدارة شؤونها وهذا ما يرفضه الانتقالي.
الصراع على السيطرة
وينظر الباحث المتخصص بالشؤون العسكرية والاستراتيجية علي الذهب إلى ما يجري بحضرموت أنه صراع بين الإمارات والسعودية ووكلاءهما المحليين، حيث يندرج تحته قضايا وطنية يختلف النظر اليها من حيث دينميات الصراع الداخلي والقوى المنخرطة فيها، مؤكدا على أن هناك قوى تريد للمكلا ان تكون في اطار دولة فدرالية واخرى ذات طابع انفصالي أو الاستقلال والانسلاخ.
يقول "الذهب" لـ" الموقع بوست" إن حضرموت تعني للسعودية الكثير، حيث تتعلق بالامن القومي السعودي بشكل مباشر من خلال الارتباطات التجارية والمالية مع تجار حضارمة مؤثرة في القرار الاقتصادي داخل المملكة، مضيفا أنها تحاول الوصول الحر عبر أراضيها لبحر العرب، لكن هذا الوصول مرهون بوجودها في اقليم مستقل عن اليمن أو في اطار دولة اتحادية.
ويضيف أن سيطرة الرياض عليها سيجعلها تهرب من تحكم إيران بمضيق هرمز، بينما ستعمل عن طريق الموانئ عبر شكل من اشكال التعاون الاقتصادي او النفوذ والسيطرة او الشراكة بعقود تجارية في بحر العرب بالموانئ الشرقية للمحافظة.
ويؤكد أن جود قوى مناوئة للسعودية في حضرموت من شأنها أن تهدد النظام السياسي الحاكم في المملكة، في المقابل سيحرم تواجد أبو ظبي في حضرموت الرياض من في تطلعها للوصول الحر الى بحر العرب عن طريق الموانئ، مشيرا إلى أن الصراع أصبح خشنا ويستخدم فيه الادوات الداخلية لتحقيق الاهداف الخارجية.
تصعيد عسكري مؤجل
ويبدي الجريري مخاوفه من ذهاب المحافظة الشرقية للبلاد إلى تصعيد عسكري يقوده المجلس الانتقالي على غرار ما حدث في شبوة وعدن.
فيما استبعد الذهب حدوث العنف في حضرموت خلال المستقبل القريب على الاقل، بسبب عدم امتلاك الانتقالي القوة لحسم المعركة في هذه المنطقة، في نفس الوقت لدى المحافظة خصوصية معينة من حيث الابعاد الداخلية المتعلقة بتطلعات الحضارم ووجود قوة ضاربة تتبع الحكومة الشرعية في حضرموت والمهرة.
وكانت زيارة عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي نقطة الوضوح الاكثر وعلى ضوءها جاء رد السعودية بإنشاء مجلس حضرموت الوطني وزيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى المكلا، حد قول الباحث العسكري علي الذهب.
ويشير إلى أن هذه التداعيات ستقود المحافظة إلى الفوضي وعودة تنظيم القاعدة وداعش من جديد للمنطقة، مع وجود انقسام المكونات الحضرمية فيما بينها على مستوى عشائري، وسط تحديات كثيرة تواجه السلطات المحلية إلى جانب التجاذبات الاقليمية الدولية، بما في ذلك حضور أمريكي شرقي حضرموت.
ويعتبر الباحث في الشؤون العسكرية خروج انصار الانتقالي في حضرموت هو أحد ادوات التعبير التي تستخدمها الإمارات لإعلان الرفض لما يجري بالمحافظة، ومحاولة الوصول اليها شعبيا والتأسيس لمرحلة قادمة.
في المقابل، يرى الصحفي الجريري أن تشكيل المجلس الوطني الحضرمي أفقد الانتقالي صوابه ووضعه في موقف حرج، مؤكدا في السياق هذه المظاهرات يراد من خلالها إرسال رسالة للخارج ان حضرموت تقف خلف الانتقالي، وهي الرؤية قد حاول سابقا الترويج لها.
التنافس السعودي الاماراتي
بدأ التنافس السعودي الإماراتي منذ تدخل التحالف العربي في اليمن قبل أكثر من ثماني سنوات، حيث وسعت الدولتان للبسط على أكبر مساحة جغرافية في المناطق المحررة، وكان للإمارات نصيب الاسد من هذا البسط غير شرعي، حسبما ذكر الجريري.
وقلل الباحث في الشؤون العسكرية من أهمية هذا التنافس بين الدولتين الخليجيتين في حضرموت، قائلا " قضية التنافس بين السعودية والإمارات حتى الان لا نرى أنه توصيف دقيق"، مردفا إلى أن الإمارات لا يوجد لها بصمات خدمية في المحافظة، كما تحاول السعودية ابرازه من خلال بعض المشاريع وان كان البعض منها غير واقعي.