تزداد معاناة اليمنيين المقيمين في السودان، منذ اندلاع المواجهات الدامية بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم منذ السبت الماضي، في الوقت الذي تم إجلاء رعايا الكثير من الدول، لا يزال أبناء الجالية اليمنية في وضع معقد وصعب نتيجة عدم إهتمام الجهات الرسمية في الحكومة برعاياها ووضع حد لمعاناتهم بالرغم من المحاولات الخجولة حتى اللحظة.
ومنذ أيام يواصل آلاف الطلبة رفع أصواتهم مناشدين مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية، للتدخل وسرعة البدء بعملية إجلاء من العاصمة السودانية الخرطوم، وبقية الولايات، حيث تزداد حدة المواجهات المسلحة.
وبحسب مصادر متطابقة، فإن السودان استقبل خلال السنوات الماضية، آلاف اليمنيين، بينهم المئات من الطلاب المبتعثين وآخرين يدرسون في الجامعات السودانية على نفقتهم الخاصة، وآخرين هربوا من جحيم وتبعات الحرب التي تشهدها اليمن منذ سنوات.
وأفادت المصادر، أن عدد اليمنيين المتواجدين يصل لأكثر من 15 ألف شخص، إضافة إلى نحو 4 آلاف طالب وطالبة بعضهم مع عائلاتهم، من بينهم قرابة 600 طالب وطالبة يتلقون مساعدات مالية من الحكومة، فيما يدرس البقية على نفقاتهم الخاصة، في الوقت الذي لا توجد إحصائية رسمية عن أعداد الجالية اليمنية المقيمة في السودان.
اليمنيون الهاربون من جحيم المواجهات في البلاد، وجدوا أنفسهم في مواجهة الجحيم مرة أخرى، بعد إندلاع المواجهات وتفجر الحرب بين قوات الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس القيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها "حميدتي"، والتي يبدو أنها لن تتوقف على المدى القريب، فيما يقول البعض أن السودان تتشابه كثيرا في أوضاعها مع اليمن، حيث أن الحرب في البلاد، لم تضع أوزارها منذ ثماني سنوات.
تدهور الأوضاع
خلال الأيام الماضية، ناشدت عائلات يمنية، والمئات من الطلاب، المتواجدين في السودان، الجهات الحكومية، لسرعة التدخل للبدء بعملية إجلاء، نتيجة زيادة حدة المواجهات العسكرية بالسودان.
وقال عدد من الطلاب اليمنيين المبتعثين، بأن الأوضاع بدأت بالتدهور والتعقيد، مناشدين الرئاسي والحكومة للتحرك واجلائهم من الخرطوم، مؤكدين أن العديد من العائلات في وضع معقد ومأزق صعب، وأنهم يعيشون بين الرصاص والقذائف، في ظل استمرار المواجهات والصراع الذي توسع عن الأيام الماضية.
وقال الطالب اليمني أرسلان جمال "نناشد الحكومة اليمنية بالتحرك لإجلائنا فالوضع في السودان يزداد كل يوم سوء وأغلب الدول تحركت من أجل إجلاء رعاياها ونحن لم نرى أي تحرك ملموس من قبل قيادة الحكومة اليمنية".
وتابع جمال بالقول "وفي ظل المعطيات فإن السودان كل يوم للأسوأ، ونناشد الإعلاميين والمؤثرين على مواقع التواصل الإجتماعي أن يتبنوا قضية الطلاب اليمنيين في السودان لعل الدولة تتحرك لإجلائنا، مؤكدا أن الكثير من الأسر والطلاب يعانون من عدم توفر الماء والكهرباء ونقص في المواد الغذائية، وأن "اغلب الطلاب في أماكن إشتباكات بل نستطيع أن نقول أنهم في خط النار".
وتحدثت مصادر طلابية، لـ "الموقع بوست" عن إنقطاع التواصل بالعشرات من الطلاب، نتيجة انقطاع شبكة الإنترنت في العديد من المناطق السودانية، وتوقف خدمة الكهرباء، وبقاء الكثير منهم عالقين في مناطق المواجهات، ما يجعل حياتهم تزداد تعقيدا وصعوبة بالغة.
وأفاد طلاب يمنيون بالعاصمة السودانية، أنهم يعانون من نقص حاد في المواد التموينية والمياه وانقطاع الكهرباء في ظل شلل تام في الحركة والتنقل نتيجة استمرار المعارك وتعذر الخروج، ما يحتم سرعة التدخل لإنقاذهم من الموت جراء المعارك أو لعدم وصول الغذاء والماء إليهم.
بدء الترتيب لعملية الإجلاء
وفي وقت سابق، أعلنت السفارة اليمنية في السودان، بدء الترتيب لإجلاء الرعايا اليمنيين من السودان، نتيجة زيادة حدة المواجهات المسلحة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع.
وقال ملحق شؤون المغتربين اليمنيين في الخرطوم، بأنه "تم الترتيب مع الجانب السعودي لإجلاء الرعايا اليمنيين خلال أقرب وقت". حيث سيتم نقل العالقين من أماكن الإشتباكات في العاصمة السودانية الخرطوم، إلى منطقة بورسودان، ومن ثم إجلائهم إلى مدينة جدة السعودية ومنها إلى اليمن.
كما أعلنت وزارة الخارجية، استكمال الترتيبات لبدء نقل عدد من ابناء الجالية اليمنية من مدينة الخرطوم السودانية إلى ولاية بورتسودان، قبل اجلاءهم واعادتهم إلى البلاد.
ونقلت وكالة "سبأ" الحكومية عن بيان لوزارة الخارجية قوله إن عدد من قاموا بتسجيل اسماءهم على الرابط الإلكتروني المخصص لحصر الحالات بلغ 1350 مواطناً ومواطنة، مشيرا إلى وصول عدد من الطلاب والأسر بالفعل إلى ولاية بورسودان.
وأكدت الخارجية اليمنية، إصابة مواطن يمني، ناتجة عن تحطم زجاج نوافذ المبنى المتواجد فيه، مضيفا أن الجهود قد نجحت في إخراج عدد 45 طالباً من سكن المعالي بمنطقة شمبات في العاصمة الخرطوم، بعد تلقي نداء استغاثة منهم، وقد توجهوا إلى مدينة بورتسودان باستثناء سبعة منهم الى مدينة بحري.
مطالبات بالتدخل
وتفاعل اليمنيون، في مواقع التواصل الاجتماعي مع معاناة الطلبة اليمنيين في الخرطوم وبقية المدن السودانية، وطالبوا الحكومة والجهات المعنية للتدخل، منتقدين الإهمال الرسمي لرعايا الجالية اليمنية في السودان.
وكتب المئات من اليمنيين تحت هاشتاجات عدة من بينها #مساندة_الطلاب_اليمنيين_في_السودان ، و #نداء_إغاثة_الطلاب_اليمنيين_في_السودان وغيرها من الهشتاجات التي تدعو لمساندة اليمنيين في السودان للخروج بعد اندلاع الحرب فيها.
وكتب الشاب خالد بريه بالقول: طلاب اليمن في «دولة السودان» الشقيق - فرج الله عنهم- يعانون من أحوالٍ مزرية بسببِ الحرب، يناشدون من بيده الأمر في «المجلس الرئاسي» أن يقوم بواجبه الأخلاقي في إجلائهم، والوقوف بجانبهم، ومحاولة التخفيف عنهم.
وأضاف : "طلاب اليمن في الخارج، هم رأس مال الوطن، فلا تفرطوا فيهم، ألا يكفيهم سنوات الحرب والشقاء التي نزلت بهم؟ هل قُدِّرَ عليهم الانتقال من حربٍ لأخرى؟!"، مشيرا إلى أنه "إذا استمرت الحرب في السودان - ونرجو من الله أن تنتهي ويعم السَّلام - سيعيش الطلاب حالة مأساوية مضاعفة، فمنذ أيام وهم يشكون انقطاع الكهرباء والماء، واحتمال نفاذ الزاد، وقرب الاشتباكاتِ منهم. فهل تنتظرون أن ينفقوا من الخوف والجوع والموت حتى تقوموا بواجبكم تجاههم؟".
نداءات استغاثة
وفي ذات السياق، قالت منظمة سام للحقوق والحريات إنها تلقت نداءات استغاثة من عدة طلبة وأفراد عالقين داخل السودان يطالبون بسرعة إجلائهم وذلك بعد تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية إزاء الاشتباكات الدائرة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، داعية الأطراف الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة والمجلس الرئاسي اليمني للتنسيق من أجل ضمان حياة الرعايا اليمنيين داخل السودان وسرعة إجلائهم.
وبينت المنظمة في بيان صدر عنها، أنها تلقت نداءات مختلفة من طلاب عالقين داخل سكن طلابي والمسمى سكن المعالي في شبات بحري؛ حيث قال أحد الطلاب في إفادة لمنظمة "سام": "إننا ننادي نداء استغاثة لمن يهمه أمرنا في الحكومة وقيادة المملكة السعودية والأمم المتحدة وجميع منظمات المجتمع الدولي إلى ضرورة مساعدتنا بشكل عاجل والتواصل مع الأطراف المعنية من أجل إجلائنا على وجه السرعة".
وأضاف أنهم "يعانون بشدة بسبب تعرض سكنهم للقصف الشديد بجميع انواع الرصاص والهاون ويعانون من أوضاع إنسانية صعبة ومن نقص في الإمدادات الإنسانية ولا يوجد لديهم طعام أو شراب وأنهم يخافون على حياتهم بعد انقطاع طرق المواصلات في المناطق التي يتواجدون بها".
أوضاع صعبة
وقالت "سام" أن امتداد ساحة الاشتباكات أدى إلى تضرر عشرات اليمنيين المتواجدين داخل السودان حيث أفاد أحد المواطنين العالقين في مناطق الاشتباكات في شهادته للمنظمة بالقول: "نعاني من أوضاع إنسانية صعبة حيث لا يوجد كهرباء ولا مياه ونحاول التواصل مع الجهات المعنية لكن دون جدوى".
وذكر شاهد العيان في إفادته "حاولنا التواصل مع السفارة وعلمنا أن هناك بعض الملحقين محاصرين في مناطق الاشتباكات والبعض الآخر غير متواجد ولا يمكن الوصول إليه، الأمر الذي زاد من صعوبة وصولنا إلى أحد الأطراف الرسمية من أجل مساعدتنا".
واختتمت "سام" بيانها بدعوة الأمم المتحدة والمجلس الرئاسي بسرعة التحرك والتنسيق مع الجهات الرسمية في السودان من أجل متابعة أوضاع الأفراد والطلاب اليمنيين في السودان لا سيما العالقين في مناطق الاشتباكات وتأمينهم في مناطق آمنة وتمهيد إجلائهم لليمن، مشددة على أهمية تغّليب طرفي الصراع في السودان لصوت الحكمة ووقف القتال الفوري وتجنيب المدنيين النتائج غير المتوقعة لاستمرار القتال واستخدام القوة العسكرية.
ويشهد السودان، منذ 15 أبريل/ نيسان، اشتباكات بين الجيش و"قوات الدعم السريع" في الخرطوم ومدن أخرى؛ حيث يتبادل الطرفان اتهامات ببدء كل منهما هجوما على مقار تابعة للآخر بالإضافة إلى ادعاءات بالسيطرة على مواقع تخص كلا منهما.