[ خلال إحياء أبناء تعز للذكرى الخامسة لمحرقة ساحة الحرية ]
مجددا، يحيي اليمنيون ذكرى المحرقة التي ارتكبتها أجهزة أمن الرئيس المخلوع بحق المعتصمين في "ساحة الحرية" في تعز، حيث تأتي الذكرى الخامسة في الوقت الذي تتعرض المدينة لمحارق جديدة أكثر بشاعة، وعقاب جماعي، بعد انقلاب المخلوع مع جماعة الحوثي الطائفية على الدولة الوليدة التي بدأت تتشكل على أنقاض ولايتهم.
وخرج متظاهرون في مدينة تعز، عشية الذكرى الخامسة للمحرقة، يحملون الشموع، ويهتفون للمدينة المنكوبة، تحت دوي انفجارات مدوية لمقذوفات وصواريخ المتمردين، والتي لم تنفك عن المدينة منذ أكثر من عام.
وردد المتظاهرون شعارات تدعو لإزالة الانقلاب وعودة الدولة، ومحاكمة الانقلابيين لما اقترفته أيديهم، ولا تزال.
وكانت قوات النظام المخلوع، المدججة بالأسلحة والجرافات، قد أقدمت على اقتحام "ساحة الحرية" بمدينة تعز قبل خمسة أعوام إبان ثورة فبراير، وأحرقت خيام المعتصمين السلميين المطالبين برحيل المخلوع عن سدة الحكم. وقد وثقت منظمات محلية ودولية عشرات الجُثث، كانت بعضها متفحمة.
وقال حقوقيون إن ما تعيشه تعز الآن هو مشهد مُكبر من محرقة ساحة الحرية، وأن استمرار هذا الوضع هو نتيجة طبيعية لعدم إنصاف ضحايا المحرقة، ومرور القتلة بلا عقاب، فالحصانة التي حظيَ بها المخلوع ورموز نظامه، فتحت لديهم الشهية مجددا للنيل من المدينة الثائرة، والتي كان لها الدور الأبرز في إسقاط عروشهم.
جريمة مشهودة ضد الإنسانية
يقول الحقوقي توفيق الشُعبي، والمدير التنفيذي للمركز القانوني اليمني: "تعد جريمة إحراق "ساحة الحرية" وقتل المعتصمين سلميا، جريمة مشهودة ومن الجرائم ضد الإنسانية التي يعاقب عليه القانون الداخلي، وتجرمها المواثيق الدولية".
وأضاف الشُعبي، في حديث خصهُ لـ(الموقع بوست): "إن حرية الرأي والتعبير، وحق التجمع السلمي والاعتصام هي حقوق مكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهدين الدوليين وغيرهم من الاتفاقيات الإنسانية، ويحضر على أي دولة أو جهة انتهاك هذه الحقوق".
وتابع: "إن مرتكبي هذه الجريمة مسؤولين جنائيا ومدنيا عن أفعالهم، والتي هي جرائم يعاقب عليها القانون الوطني والقانون الجنائي الدولي. فجرائم قتل المعتصمين والمتظاهرين سلميا والاتداء عليهم صنفت على أنها جرائم ضد الإنسانية، وخاصة إذا كانت هذه الجرائم ممنهجة ومتعمدة، كما هو عليه الحال بالنسبة لواقعة إحراق ساحة تعز، وقتل المعتصمين بداخلها".
واستطرد: "إن المسؤولية الجنائية قائمة بحق مرتكبي الفعل والمخططين له والمنفذين، والقادة المسؤولين عسكريا ومدنيا، لأنهم يعتبرون مشاركين فعليين، طالما لم يحولوا دون ارتكاب هذه الجريمة أو إيقافها، وهذا ما أكده النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية".
تعز ليست مجرد مدينة
منذ أعوام، وتعز تتعرض لعمل منظم وبشع، بُغية تركيعها، لكنها أبدا لا تفعل، يقول محمد اللطيفي صحفي من تعز وشاهد عيان على المحرقة: "ما بين 29 مايو 2011 و 29 مايو 2016، خمس سنوات من الحرية والألم تعيشها تعز".
ويضيف، في تصريح لموقع (الموقع بوست): "في التاريخ الأول أحرقت ساحة الحرية بوحشية بالغة، كعقاب لها على تصدرها لأهم وأنبل ثورة عربية، فقرر صالح حرق الساحة، كونها هزت عرشه السلطوي".
وتابع: "كنت هناك وشاهدت الساحة تحرق وتقصف، ورأيت إرادة صلبة من الثوار في تحدي هذا العنف، بصدور عارية إلا من اليمن"، مضيفا: " الآن 29 مايو 2016، تعز كلها ساحة مقاومة، وما زال صالح وبرفقته هذه المرة، جماعة سلالية مدعومة من إيران، يحاصرون مدينة كاملة منذ شهور، في ظل خذلان إقليمي ومحلي لعذابها المستمر".
الأيادي الآثمة ذاتها
يقول "أيمن نبيل الشرجبي" صحفي من تعز: كانت محرقة ساحة تعز درسا بليغا ومكثفا، وكانت إحدى جوانبه أن لا إمكانية للوجود في ظل نظام علي صالح؛ فالنظام السياسي الذي يقتل متظاهرين عزل حرقا، هو نظام خطير على وجود المجتمع.
وأضاف "أيمن" في حديث لـ(الموقع بوست): "أن أي توافق كان ليتم مع نظام المخلوع على حلول وسط، لم يكن ضامنا لتفكيكه، وقد أثبتت الأيام بعد ذلك صوابية هذا الاستنتاج، لأن من أحرق المتظاهرين العُزل قبل خمس سنوات، ها هو الآن، وبالتحالف مع مليشيا طائفية، يقصف المدنيين العزل في تعز وسواها، ويمارس غوايته في القتل وسفك الدم".
وتابع: "إن جزءا كبيرا من الواقع الحالي ناتج عن تغافل القوى السياسية عن دلالات المجازر التي ارتكبها نظام صالح بحق المتظاهرين اليمنيين في صنعاء وتعز، وقبولها بحلول تبقي على نظامه كفكرة ومؤسسات بل وحتى كأشخاص".
وأردف "أيمن نبيل" : "لقد سمحت القوى السياسية بممارسة الحكم في المرحلة الانتقالية بنفس آليات نظام صالح اللاوطنية، وبالتالي تم السماح لهذه السلطة بالانتعاش وبصورة أكثر شناعة وإجراما، بتحالفها مع مليشيا طائفية، قتلت ونهبت اليمنيين طوال فترة المرحلة".