[ تأثر التعليم كثيرا في تعز بسبب الحرب الجارية في اليمن ]
"الوضع أرغمني على الدخول في إضراب المعلمين، فلدي خمسة أطفال، ومتطلبات الحياة أصبحت تُريد الكثير من المال لكي نعيش حياة لابأس بها".
بهذه الكلمات لخصت معلمة مادة الاجتماعيات في إحدى المدارس الحكومية بمحافظة تعز (جنوب اليمن) فوزية فيصل (40 عاما) معاناتها، ودوافعها للانخراط في عملية الإضراب عن التدريس مع باقي المعلمين.
ومنذ مطلع العام الدراسي الجاري، وبعد أقل من أسبوعين على انطلاق العملية التعليمية في مدينة تعز أعلن أغلب المعلمين اضرابهم عن العمل، مطالبين الحكومة الاستجابة لمطالبهم في رفع مرتباتهم، التي يصفونها بالزهيدة، مقابل حالة التدهور التي اصابت الريال اليمني، وارتفاع أسعار المواد الأساسية.
وأدت الحرب المستمرة في اليمن منذ سنوات لتوقف أغلب المدارس عن العمل، وتسرب الطلاب من التعليم، وتدمير الكثير من البنى التحتية التعليمية، وانقطاع وتوقف رواتب المعلمين، ما ضاعف الصعوبات أمام العاملين والطلاب على حد سواء.
معاناة مستمرة
تتحدث المعلمة فوزية فيصل عن معاناتها اليومية، وتشير في حديثها لـ" الموقع بوست" إلى أنها تدفع سبعون ألفا كإيجار شهري لمنزلها، من إجمالي راتبها الذي لا يتجاوز مائة ألف ريال (ما يعادل مائة دولار)، إضافة إلى بقية الاحتياجات اليومية لها ولأطفالها.
انتباه البناء (45 عاما) وتعمل معلمة للغة الإنجليزية تعتبر الإضراب حق قانوني للموظفين لانتزاع الحقوق المنهوبة، متهمة الحكومة بما وصفته نهب مستحقاتهم.
تواصل البناء في حديثها لـ "الموقع بوست" قائلة إن الحكومة تراجعت عن وعودها للمعلمين بتسوية المرتبات، وصرف العلاوات منذ عام 2014م، ولكنها – الحكومة - رمت بوعودها عرض الحائط، ولم تعط المعلم أي اهتمام، مردفة بالقول: "رواتبنا لا تكفي لشراء الاحتياجات الاساسية، فما بالكِ بالمتطلبات الباقية كالعلاج، والملابس وغيرها، ومثلما علينا واجبات فلنا حقوق أيضا".
يدافع معلم اللغة العربية (طاهر) البالغ من العمر خمسين عاما، عن حق المعلمين في الإضراب، حتى تحقيق مطالبهم، ويرجع ذلك لتدني رواتبهم، وهضم حقوقهم، ما جعلهم غير قادرين على الوفاء بمتطلبات حياتهم، وصعب معيشتهم في مجتمعهم، موضحا في تصريحه لـ"الموقع بوست" إلى أن مالكي البقالات والمحال التجارية يرفضون حتى استدانتهم، بسبب عدم انتظام استلامهم لمستحقاتهم نهاية كل شهر.
تجاوب حكومي يصطدم بالوعود
نائب مدير مكتب التربية في تعز بجاش غالب المخلافي قال إن المكتب وضع مطالب المعلمين على طاولة وزير التربية والتعليم، وجرى ايصالها للحكومة، والتي وعدت بتلبية المطالب، وتفاعلت معها، موضحا أن الأحداث وتقلبات المرحلة، وعدم وجود استقرار يجعل من الصعوبة تنفيذ تلك المطالب بالمواعيد المحددة.
وأشار في حديثه لـ"الموقع بوست إلى أن مكتب التربية والتعليم يقوم بمتابعة الجهات الرسمية باعتماد الاستحقاقات المتعلقة بموظفي2011، وكذلك متابعة الأرقام الوظيفية لفئات التربويين الذين لم يصدر لهم أرقام وظيفية من قبل الحرب؛ كما يقوم المكتب بمتابعة مرتبات التربويين التي لم تصرف نتيجة للأحداث.
بجاش أكد أن مكتب التربية والتعليم بمحافظة تعز عمل على تجهيز كشوفات العلاوات السنوية المتعلقة بالتربويين، وأصدر مكتب الخدمة المدنية للفتاوى المتعلقة بالاستحقاقات؛ وقام المكتب بإيصال كافة الوثائق الرسمية والكشوفات إلى وزارة المالية، وتم مراجعتها وبمتابعة من المكتب ونقابة معلمي المحافظة وصولاً إلى التعزيز المالي.
واضاف بأن العملية التعليمية بشكل عام تضررت بفعل الحرب، ولا يتوقف الأمر على إضراب المعلمين، أو على رواتبهم، كما تضررت البُنية التحتية المتمثلة في التجهيزات المدرسية، بالإضافة إلى نزوح عدد كبير من القطاع التربوي في مناطق تعز إلى وجهات مُختلفة.
الاقتصاد عامل مؤثر
فيما يتعلق تأثيرات الوضع الاقتصادي لليمن حاليا، وعلاقته بانطلاق مثل هذه الاحتجاجات لموظفي الدولة يشير أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز محمود البكاري إلى تدهور حاد في الوضع المعيشي للمعلمين الموظفين لدى الدولة، وهم ما يطلق عليهم بالطبقة الوسطى، التي يفترض أن تكون في وضع معيشي مناسب، إلا أن الواقع يشير إلى انقراض هذه الطبقة لتصبح طبقه فقيرة، أو مُعدمة.
ويوضح البكاري في تعليقه لـ "الموقع بوست أن المرتبات أصبحت لا تفي ولو لجزء بسيط من الاحتياجات الأساسية، لذلك أصبح الوضع المعيشي للمدرسين مزري جداً، ويلخص ذلك بالقول: "كيف يمكن للمعلم أن يؤدي رسالته على أكمل وجه وهو يعاني الفقر والحرمان، ويضطر للبحث عن عمل إضافي أياً كان نوعه، لتوفير احتياجات أسرته، ما يجعل اداؤه ركيك وضعيف، ويؤثر نفسيا على المعلم الذي يجد نفسه في حالة فرضت عليه فرضا".
أما المحلل الاقتصادي وفيق صالح فيؤكد أن وضع التعليم وعدم تحسين جودته، وتدني أجور المعلمين، يعود إلى عدم اهتمام الحكومة والجهات الرسمية بعملية التعليم في البلاد.
وقال صالح لـ "الموقع بوست" إن النقطة الأهم تكمن في عدم تحسين الوضع المادي للمعلم، وهو ما أدى إلى إضراب المعلمين، معتبرا ذلك حقا من حقوقهم، وحث الدولة بأن تعمل بشكل جدي لتحسين أوضاعهم المعيشية والمالية، من أجل ضمان استمرار التعليم، وتربية الأجيال بما يتلاءم مع نهضة وتقدم البلاد، وفق تعبيره.