لليوم الثاني على التوالي تتواصل ردود الأفعال المنددة بالعملية القسرية التي استهدفت تهجير عشرات المواطنين من مدينة عدن إلى المناطق التي ينتمون إليها في تعز وإب وغيرها من المحافظات الشمالية.
ولقيت تلك الحملة إدانات واسعة من قبل الناشطين والسياسيين، الذين أبدو امتعاضهم واستنكارهم لما يجري داخل العاصمة المؤقتة عدن.
وطالب الناشطون والسياسيون الرئيس هادي، والحكومة، بالتدخل لإيقاف تلك الحملة، معتبرين أنها تخدم بدرجة كبيرة مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، الذين عملوا طوال فترة الحرب، على إثارة الهويات الفرعية، لأن إشغال المواطن بقضايا كتلك، يتيح لهم الفرصة للتمدد في المدن، وكسب ورقة جديدة للتفاوض، مشيرين إلى أن المليشيا تستغل ما يحدث اليوم في عدن، للتأكيد على فشل الرئيس هادي وحكومته.
فشل أمني
وفقاً لمنفذي تلك الحملة فإنها تهدف لإخراج المواطنين الذين لا يحملون أوراقا ثبوتية، إلا أنه اتضح لاحقا، أنها استهدفت المواطنين المنتمين لمحافظات الشمالية، ويحملون أوراقا ثبوتية، وأغلبهم من التجار، والعمال الذين يعملون في الورش الصناعية والمحلات التجارية البسيطة.
بحسب مراقبين فإن تلك الجهات تسعى بتلك الممارسات للتغطية على فشلها في الجانب الأمني، الذي يعاني من القصور، واتساع دائرة أعمال العنف والفوضى داخل المحافظة.
وكانت محافظة عدن شهدت وضعا أمنيا متدهورا، منذ تحريرها في يوليو/تموز 2015، ومنذ قرار الحكومة الشرعية العودة إلى العاصمة المؤقتة لمزاولة عملها، حيث عانت المحافظة من اغتيالات ممنهجة، تهدف إلى استمرار الفوضى في العاصمة المؤقتة، وذلك حسب مراقبين يهدف إلى الإبقاء على عدن في أتون الاضطراب والقلاقل، لإعاقة عودة الحكومة الشرعية إلى البلاد، لأن عودتها ستساهم في استعادة توازن الدولة في المناطق المحررة.
الحدث الجديد القديم
لم تكن تلك الحملة التي اتسمت بالتمييز العنصري هي الأولى في محافظة عدن، إذ تزايدت أعمال التمييز والاستفزازات، منذ أواخر العام 2015، بحق أبناء المناطق الشمالية، وكان أسوأها ما حدث يوم أمس بعد ترحيل أكثر من 800 مدني من أبناء المحافظات الشمالية، بطريقة لم تحترم آدميتهم، إذ تم وضعهم في شاحنات كبيرة تتكدس بهم، كما صودرت ممتلكاتهم التي كانت في حوزتهم.
الصحفي محمد السامعي يعتقد أن الإمارات هي المتحكم الرئيس فيما يتعلق بالجانب الأمني في المحافظات الجنوبية، خصوصا محافظة عدن، وهي المسئولة الأولى عما يجري من اختلالات، تتضمن ترحيل مواطنين من المحافظات الشمالية بذرائع غير منطقية".
وعبر في سياق تصريحه لـ(الموقع) عن اعتقاده "بعدم وجود أي علاقة للمواطنين الجنوبيين بما جرى من عمليات ترحيل لعمال ومواطنين شماليين من عدن، فمن قام بعملية التنفيذ المدانة هو أيدي من أيادي الإمارات".
وقال: "يتحمل المسؤولية الكبيرة فيما جرى من سمح للإمارات بهذا التوغل الكبير، ورسم سياسات وتنفيذ معظم الأمور المهمة في المحافظات الجنوبية، التي من بينها عدن وحضرموت وسقطرى".
وأوضح السامعي أن "الإمارات بهذا الدور من أجل التحكم بسياسات وموارد المحافظات الجنوبية، واستثمارها لصالح سياساتها التوسعية في اليمن".
ويضيف الصحافي السامعي: " يفترض أن يكون للسلطات الشرعية دور مهم وعاجل، يعمل على إزالة مثل هذه التصرفات، التي سيكون لها تأثير مستقبلي على النسيج الاجتماعي، والحركة الاقتصادية في البلاد".
هروب من المعركة
بدوره يرى عضو المنتدى السياسي للتنمية الديمقراطية فهد سلطان أن الذي يجري في جنوب اليمن مؤسف للغاية، وهناك هروب واضح من المعركة الحقيقية، والذهاب إلى خلق معركة جديدة، وهناك أطراف محلية وخارجية تدفع نحو هذا الاتجاه الخطير، والذي سيكون له آثارا كارثية.
وأشار سلطان في حديثه لـ( الموقع) أن تلك الأعمال " لا تؤسس لاستعادة دولة ما قبل عام 1990، كما تسوق الفكرة, بقدر ما تؤسس لحرب طويلة الأمد، من خلال تأزيم العلاقة بصورة مباشرة بين الشمال والجنوب، وهي الخطوة التي ستسمح بتدخل دول إقليمية ودولية بصورة مباشرة، لغرض تهدئة الأوضاع وحماية المنطقة من أي توتر مستقبلي".
وأضاف: "وقبل ذلك توفر مبررا كبيرا لجماعة الحوثي كي تجند الكثير من هؤلاء في معاركها القادمة، فالظلم وما يجري لا يمكن الصمت إليه، وإذا لم يجد الناس ما يرد الاعتبار ويوقف هذه الأعمال الهمجية، فقد يلجؤون إلى أي وسيلة، ومنها الانخراط في صفوف الحوثيين، لغرض الانتقام بالمقام الاول، دون الالتفات إلى من هو الشخص الذي يقود المعركة".
عملية مناطقية
الكاتب الصحافي ومراسل قناة المجد الفضائية فيصل الذبحاني علق قائلا:" أنا مع أي إجراء أمني، لكن وفق آليات وقواعد واضحة، تصب في مصلحة الوطن والمواطن كغاية مطلقة، بدون نقل للأمراض المعدية سياسياً ومناطقيا ومذهبيا، ولست أرى في الإجراءات الحاصلة في عدن ما يشكل خطورة، حتى رأيت الصور المنشورة والمحتجزين الذين قيل أنهم لا يمتلكون هويات، يشهرون هوياتهم، مما يعني أن العملية ليست أمنية، لكنها عملية مناطقية، ولا تستهدف الإرهاب لكن تستهدف أبناء المحافظات الشمالية".
وأكد في حديث خاص لـ(الموقع)، أن " تلك التصرفات لا تخدم قضية المحافظات الجنوبية، لكنها تضعها في خانة قبيحة يفترض بأن لا تكون فيها، فالمواطن اليمني إذا ما استمر التعامل معه وفق هذه الأساليب والطرق في المحافظات الجنوبية، من غير المستبعد أن يتحول إلى مآل المليشيات أو يتحول إلى إرهابي".
وتابع الذبحاني: "الأجهزة الأمنية في المحافظات الجنوبية تعرف تمام المعرفة، أن الأغلبية الساحقة من منفذي العمليات الإرهابية في المحافظات الجنوبية، هم من أبنائها وليسوا من المحافظات الشمالية"، حد قوله.
ويشير إلى أن "ما يحدث في الجنوب لا يخدم القضية الجنوبية، ولا يمهد للانفصال خاصة في هذا التوقيت، كون رئيس البلد، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع هم من الجنوبيين، وشرعيتهم وشرعية التحالف العربي، تتحقق ببقاء اليمن موحدا".