تصدر لواء العمالقة، بمحافظة عمران، المشهد مجددا، بعد سقوطه بيد مليشيا الحوثي بتواطؤ من رجال المخلوع، علي عبد الله صالح، فجر الأحد، الموافق 1 مايو 2016.
وهاجمت مليشيا الحوثي في الساعات الأولى من فجر الأحد، المعسكر، الذي يتمركز فيه اللواء 29 ميكا، بالجبل الأسود، بمديرية حرف سفيان، شمال العاصمة صنعاء، بعد حصار دام عدة أشهر.
وسبق أن شهد المعسكر والمناطق المحيطة به، توترا منذ أغسطس الماضي، بعد محاولات مليشيا الحوثي السيطرة على المعسكر، وهي المحاولات التي أحبطها ضباط ومنتسبو اللواء، الذين أكدوا حياديتهم ورفضهم الانحياز لصالح طرف ضد آخر.
موقف منتسبي معسكر العمالقة، هذا دفع مليشيا الحوثي إلى حشد مقاتليها، إلى محيط المعسكر بهدف إسقاطه، بالتزامن مع إجراءات أخرى، قامت بها سلطات الإنقلاب بوزارة الدفاع، لصبغ محاولة السيطرة على اللواء، بصبغة شرعية، إلا أنها فشلت أيضا، أمام صمود ورفض أفراد وضباط اللواء 29 ميكا.
توقيت الاقتحام
لم يكن التوقيت الذي اختارته مليشيا الحوثي والمخلوع، للسيطرة على معسكر العمالقة، توقيتا عفويا، بل كان مختارا بعناية، إذ تزامن مع تقديم الوفد الحكومي المفاوض رؤيته للحل السياسي، وإنهاء الحرب.
وكان من أولوليات الرؤية تسليم المليشيات أسلحتها للدولة الشرعية، والانسحاب من جميع المناطق والمؤسسات والمعسكرات التي استولت عليها المليشيات خلال العام المنصرم.
وبحسب المصادر، فإن معسكر لواء العمالقة، كان من الوحدات العسكرية التي ستسند إليها مهمة استلام الأسلحة من أيدي المليشيات، وكذا الانتشار في المناطق والمنشئات بعد انسحاب المليشيات منها، نظرا لحيادية اللواء، طيلة الفترة الماضية، ورفض قيادته ومنتسبيه دخول مليشيا الحوثي إليه.
ولهذا سارع تحالف الحوثي والمخلوع، إلى السيطرة على معسكر لواء العمالقة، بهدف قطع الطريق أمام هذا المقترح، وإحباطه، إضافة إلى أن السيطرة على لواء العمالقة، تعني السيطرة على آخر التشكيلات العسكرية التي كانت تتمتع، بقدر من الحيادية الإيجابية، وبالتالي، فاحتمالات القبول بدور الانتشار وتسلم الأسلحة، مرتفعة، وقد لا يجد تحالف الحوثي وصالح، حجج ومبررات للاعتراض عليه، وهذا ما دفعهم لاتخاذ قرار السيطرة على اللواء.
اللواء ومشاورات الكويت
عاد الوفد الحكومي المشارك بمفاوضات الكويت، لحضور الجلسات المباشرة، اليوم الأربعاء، بعد 3 أيام من مقاطعتها احتجاجا على قيام مليشيا الحوثي باقتحام معسكر لواء العمالقة، والسيطرة عليه، بداية الأسبوع الجاري، وكذا استمرار الخروقات بمختلف الجبهات.
وعقدت اليوم أولى الجلسات المباشرة بإشراف الأمم المتحدة، بعد موافقة الوفد الحكومي على العودة للمشاورات، حيث ركزت على بحث آليات وقف الخروقات التي تقوم بها الميليشيا الانقلابية وإزالة الآثار التي ترتبت عليها، خاصة في محافظة تعز ومعسكر العمالقة في حرف سفيان بمحافظة عمران، والضمانات لعدم تكرار هذه الخروقات.
عودة الفريق الحكومي المفاوض، جاءت بعد إعلان المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مساء أمس الثلاثاء، أنه تم الاتفاق على تكليف لجنة التهدئة والتنسيق بتقصي الأوضاع في لواء العمالقة وإعداد تقرير في غضون 72 ساعة عن أحداث الأيام الأخيرة مع توصيات عملية يلتزم الأطراف بتنفيذها لمعالجة الأوضاع، حسب بيان المبعوث الأممي
وكان الوفد الحكومي، قد طالب يوم الأحد، الأمم المتحدة، بتوفير الضمانات الكافية بالتزام المليشيات، وعدم تكرار الخروقات المستمرة، وكذلك، البدء بإلزام المليشيا بتنفيذ خطوات بناء الثقة المتفق عليها في مؤتمر بيال السويسرية.
وكان الإعلامي الكويتي الكبير، أحمد الجار الله، رئيس تحرير صحيفة "السياسة"، قد دعا الوفد الحكومي المفاوض، إلى اتخاذ موقف أكثر قوة وحزم، ردا على اقتحام المتمردين للواء العمالقة.
وقال الجار الله، في افتتاحية الصحيفة، يوم الأحد، إن قرار الوفد الحكومي، تعليق المشاركة في المشاورات، ليس بمستوى الحدث، وأن الأصل هو الانسحاب التام من المفاوضات ردا على تصرفات المليشيات.
وأضاف أن اقتحام معسكر العمالقة، يؤكد أن جماعة الحوثي وصالح غير جادة في السعي للسلام، وأنها تحولت إلى أداة، بيد إيران، وعصابة إجرامية تنفذ ما يملى عليها من ملالي طهران، لزعزعة أمن المنطقة.
موقف الحوثيين
الحوثيون بدورهم، أنكروا حادثة الاقتحام، زاعمين، أن لواء العمالقة، مساند للجيش واللجان الشعبية، (مليشيا الحوثي والقوات الموالية لها).
وقال المتحدث باسم الجماعة، محمد عبد السلام، إن الطرف الآخر (الوفد الحكومي)، يحاول اختلاق الأعذار والحجج، لتبرير عدم جديته ورغبته في السلام.
القائم بأعمال وزارة الدفاع، اللواء حسين خيران، المعين من قبل الحوثيين، نفى السيطرة على اللواء، وقال بأن هذه الأخبار لا أساس لها من الصحة، وأن اللواء سبق وتعرض لقصف طيران التحالف عدة مرات خلال العام المنصرم.
وسائل إعلام مقربة من الحوثيين، نشرت صورا من داخل اللواء، قالت بأنها التقطت أمس الإثنين، إلا أن الأفراد والضباط الذين ظهروا في الصور، كانوا يرتدون شارة الشرطة العسكرية، ما دفع متابعين إلى تكذيب رواية المليشيا، والتأكيد على أن من نشرت صورهم هم من منتسبي الجماعة، الذين تم تجنيدهم في الشرطة العسكرية خلال الفترة الماضية.
بداية الاستهداف
بدأ الحوثيون، حولتهم للسيطرة على معسكر لواء العمالقة، حيث يتمركز اللواء 29 ميكا، في أغسطس الماضي، حيث صدرت سلطات الإنقلاب بوزارة الدفاع، لقيادة اللواء ومنتسبيه بالسماح بدخول مجاميع من مسلحي الجماعة إلى المعسكر، وهو ما رفضه قيادة ومنتسبي اللواء.
صعدت مليشيا الحوثي من حملتها على اللواء ومنتسبيه، وأصدرت مذكرات استدعاء لقيادة اللواء، وشكلت لجنة لحل الإشكال بين سلطات الإنقلاب وبين قيادة اللواء، وتطور الأمر، إلى قيام سلطات الحوثيين، بشن حملة اعتقالات واسعة لمنتسبي اللواء من ضباط وأفراد، في مختلف المنافذ والنقاط الواقعة بصنعاء وعمران، وفعلا تم اعتقال عدد من منتسبي اللواء، على خلفية رفضهم التسليم للحوثيين.
وطيلة الأشهر السبعة الماضية، استخدمت مليشيا الحوثي أساليب مختلفة للضغط على قيادة ومنتسبي اللواء لإجباره على الخضوع والتسليم، منها قطع المخصصات المالية والاعتمادات المخصصة للواء، وكذا قطع رواتب ضباط وأفراد اللواء، وغيرها من الأساليب.
جذور الحرب على لواء العمالقة
يعتبر لواء العمالقة من أقدم وأقوى التشكيلات العسكرية بالجيش اليمني، حيث تأسس من عدة وألوية وتشكيلات عسكرية متنوعة، أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق، عبد الرحمن الإرياني، وتم تكليف المقدم عبد الله الحمدي، شقيق الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، بقيادة اللواء في العام 1971م.
ومنح الرئيس الحمدي، الذي اغتيل لاحقا هو وشقيقه قائد لواء العمالقة، لواء العمالقة الكثير من الاهتمام، من حيث التدريب والجاهزية العسكرية، حتى أصبح من أقوى التشكيلات العسكرية في الجيش اليمني.
عقب اغتيال الرئيس الحمدي، وشقيقه، قائد لواء العمالقة، المقدم عبد الله الحمدي، في العام 1977، ظل لواء العمالقة كما كان قويا، ومهابا كأقوى وحدة عسكرية داخل الجيش اليمني.
ولأن اللواء تشكل من عدة تشكيلات وألوية عسكرية، أبرزها قوات الصاعقة، والمظلات والعروبة والمغاوير واللواء العشرين، فإن قوته البشرية كانت كبيرة، إذ يقدرها خبرا عسكريون بـ10 آلاف فرد، وهؤلاء، كانوا يحافظون على قدر لا بأس به من الولاء والحب للرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وهذا بالضبط، ما ظل مؤرقا للرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، الذي تشير الكثير من المصادر، إلى أنه المتهم الرئيس في اغتيال الرئيس الحمدي، والانقلاب عليه.
ظل المخلوع صالح، متوجسا من لواء العمالقة، خشية أي محاولة انقلاب عليه، سيما أن قيادته ومنتسبيه رفضوا الانقلاب على الرئيس الحمدي، وتمردوا لفترة عليه، وهذا ما دفع المخلوع للعمل على إضعاف وتشتيت اللواء، من خلال الزج به في حروب عديدة، بعضها خارجية.
وبحسب المصادر، فقد شارك اللواء في الحرب العراقية الإيرانية، في العام 1980، والتي أراد صالح منها إضعاف اللواء، إلا أنها ساهمت في إكساب أفراده خبرة قتالية كبيرة.
كان اللواء يتمركز في ذمار، جنوب صنعاء، ثم تم نقله إلى محافظة البيضاء، وشارك ببسالة في حرب 1994، حيث تولى المعارك في الجبهة الشرقية لمحافظة عدن، وتمكن اللواء من السيطرة على محافظة أبين، ومطار عدن حينها، علما بأنه تم إيكال قيادة اللواء، منذ ذلك الحين للواء علي بن علي الجائفي، والذي ظل قائدا له، حتى تم تعيينه قائدا لقوات الاحتياط بقرار جمهوري عقب ثورة 2011 الشعبية.
وبعد اندلاع الحروب الست، بين قوات الجيش اليمني، والمتمردين الحوثيين، تم نقل اللواء إلى حرف سفيان، بمحافظة عمران، وخاض مواجهات طاحنة ضد الحوثيين، تم خلالها إنهاكه، من خلال السماح للحوثيين، بالسيطرة على مواقع تابعة للواء، بقرار من قيادة البلاد المتمثلة حينها بعلي عبد الله صالح.
وخلال العقود الثلاثة الماضية، تم تفكيك اللواء، حتى أصبح يتألف من اللواء 29 ميكا فقط، وقام صالح بتهميشه تدريجيا، كما هو حال بقية وحدات الجيش اليمني، لصالح قوات الحرس الجمهوري، التي أراد صالح أن تحل محل الجيش اليمني القديم، الذي كان يشكل في ولاءه المطلق له.