[ فساد الحوثيين في مناطق سيطرتهم واستحواذهم على القطاع الاقتصادي ]
يشهد النشاط العقاري في مدينة صنعاء ارتفاعا قياسيا في حجم التداول والنمو خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث اتسعت حركة البناء وعمليات التداول العقاري بشكل مريب في الوقت الذي يفتقر فيه الكثير من المواطنين للمتطلبات الأساسية للحياة.
ومؤخرا، بات الحراك العمراني ملحوظا في المدينة، حيث تشهد تشييد الكثير من المباني والأبراج التي تنهض في عدد من الشوارع بشكل مفاجئ وخلال وقت قياسي مثير للاستغراب في ظل استمرار أزمة الحرب وتفاقم المعاناة الإنسانية في البلد وانهيار معظم القطاعات الاقتصادية باستثناء قطاع العقارات الذي يشهد ازدهار غير مسبوق لأسباب تتعلق بعمليات غسيل للأموال أنعشت هذا القطاع.
إثراء غير مشروع
وازدهر خلال السبع السنوات الأخيرة في اليمن، ما بات يُعرف باقتصاد الحرب الذي يتألف من قطاعات استثمارية نشطت خلال مرحلة الحرب خصوصا في صنعاء، تتمثل في تدفات مالية غير شرعية يرتبط بعضها بإيرادات كانت تورد إلى خزينة الدولة قبل سقوط العاصمة في العام 2014، بينما يرتبط الشق الآخر منها باستثمارات في السوق السوداء كتجارة الوقود والعملة والسلاح والمخدرات والآثار، وهي تدر مبالغ مالية ضخمة ساهمت في إثراء الفئات التي تقف خلفها في صنعاء، والتي ترتبط بشكل مباشر بجماعة الحوثي.
وتعد كل تلك الأموال المتدفقة من الأعمال المشبوهة غير شرعية لكونها تأتي من نشاطات غير قانونية، لذا يتم استثمارها غالبا في سوق العقارات والأراضي، ومن هنا يمكننا فهم حالة الارتفاع الكبير في مؤشرات العقارات في العاصمة اليمنية صنعاء.
يرى مراقبون أن أهم سبب للارتفاع القياسي في أسعار العقارات هو تهافت الكثير من القيادات الحوثية في صنعاء على شراء الأراضي والعقارات بأسعار باهضة، وعلى نحو مثير للارتياب، حيث تعيش تلك القيادات حالة من الإثراء السريع بفضل الأموال غير الشرعية التي تتدفق إليها من الموارد العامة للدولة في مناطق سيطرة الجماعة ومن الاتجار بالوقود في السوق السوداء، ويتم تبييضها في استثمارات عقارية وفي سوق الأراضي.
ارتفاعات قياسية
يقدر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، حجم الأموال التي يتم تدويرها في قطاع العقارات باليمن خلال العام الواحد بأكثر من ملياري دولار، ويعد ذلك رقما كبيرا مقارنة بالنشاط الاقتصادي المتواضع في البلد.
ويؤكد المركز في تقرير له صادر في العام 2019، أن اقتصاد الحرب لعب دورا كبيرا في إنعاش سوق الأراضي والعقارات، إذ يعد هذا القطاع مثاليا لعمليات غسيل الأموال المتدفقة من تجارة الحرب، وتقف جماعة الحوثي خلف جزء كبير من تلك الأموال.
وبحسب التقرير، فقد شهدت بعض مناطق العاصمة صنعاء ارتفاعا قياسيا في أسعار الأراضي والعقارات لأسباب قال إنها تعود لحجم الثراء الذي تعيشه طبقة من المستفيدين في الحرب المحسوبين على جماعة الحوثي.
وبلغت نسبة الارتفاع في أسعار العقارات والأراضي في صنعاء إلى أكثر 200 في المئة، بحسب إفادة ياسر الحرازي، وهو وسيط عقاري يعمل في المدينة. ويؤكد، أن بعض الأراضي في بعض مناطق العاصمة باتت تُباع مؤخرا بعشرة أضعاف سعرها قبل الحرب، وهي نسبة زيادة سعرية مهولة.
يقول الحرازي في تصريح لـ"الموقع بوست"، إن الارتفاعات المتزايدة في أسعار الأراضي تغري الكثير من الناس للإقدام على الشراء والاستثمار في هذا القطاع طلبا للربح السريع، فبعض الأراضي يرتفع ثمنها بنسبة 100 بالمئة خلال عام واحد فقط، ما يعني أن قطعة أرض واحدة قد تدر على المستثمر ضعف الثمن الذي بيعت به قبل عام واحد، ويعد ذلك استثمارا سهلا وآمنا وسريع المكاسب، وهو ما يثير شهية الكثير من المستثمرين للإقبال على شراء الأراضي والعقارات فتتضاعف الأسعار تباعا دون معايير أو ضوابط قانونية.
استثمار آمن
وذكر تقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، أسبابا أخرى للارتفاع المهول في مؤشرات قطاع الأراضي والعقارات بصنعاء، تتمثل في تدفق أموال اليمنيين العائدين من السعودية إلى الاستثمار في هذا القطاع بمدينة صنعاء خصوصا، لأنها تشهد استقرارا نسبيا، هذا إلى جانب تدفق النازحين القادمين من المحافظات التي تشهد نزاعات مسلحة كالحديدة وتعز إليها، الأمر الذي يضاعف الطلب على الشراء في سوق العقارات بالمدينة.
في السياق، يقول رشيد الحداد، وهو صحفي اقتصادي مقرب من السلطات الحوثية في صنعاء، إن الانقسام والصراع القائم في البلد وعدم استقرار قيمة العملة الوطنية يدفع بالكثير من اليمنيين إلى الإستثمار في القطاع العقاري، لكونة الأكثر أماناً في الظرف الحالي، والأكثر موثوقية للحفاظ على أصول الأموال.
ويؤكد الحداد في تصريح لـ"الموقع بوست"، أن من يلجأون لتبييض الأموال في قطاع العقارات هم مستثمرو الحرب والسياسة، لكنه لا يفصح عن هوياتهم، ويكتفي بالقول أن ظاهرة غسيل الأموال وتبيضها في القطاع العقاري باليمن تؤثر سلبا وبشكل كبير على الاقتصاد اليمني.
غسيل أموال
من جانبه يرى الدكتور علي مهيوب العسلي، الأستاذ في قسم الاقتصاد بكلية التجارة في جامعة صنعاء، أن ما يُغري أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في قطاع الأراضي ويدفعهم لمضاعفة حراكهم فيه هو إدراكهم المسبق بوجود فئات نشطة في غسيل الأموال في هذا القطاع تشعل السوق بمزايدات مالية باهضة ولا تكترث للارتفاعات السعرية كثيرا بقدر اكتراثها لتبييض أموالها غير الشرعية، لهذا السبب تتواصل الارتفاعات السعرية في قطاع الأرضي والعقارات دون توقف.
ويقول في تصريح لـ"الموقع بوست"، إن النشاطات التجارية غير الشرعية كالإتجار بالوقود والسلاح والآثار وغيرها في السوق السوداء سوف تستمر في حراكها طالما استمرت الحرب، وبالتالي سوف يتواصل تدفق الأموال غير القانونية إلى سوق العقارات والأراضي، لكونها السوق المثالي لعمليات غسيل الأموال.
وبحسب العسلي فإن الأموال المغسولة تلك تلحق الكثير من الأضرار بالاقتصاد الوطني وتوثر سلبا على قيمة العملة المحلية، وسوف تتواصل تداعياتها السلبية مستقلا، خصوصا، في ظل بقاء الوضع السياسي على ما هو عليه من التفكك والصراع واستمرار أزمة الحرب وغياب الرقابة القانونية، وذلك ما يوفر المناخات المثالية لازدهار الأعمال في التجارات غير القانونية في عموم البلد، مؤكدا أن حل هذه المشكلة يعتمد أساسا على حل أزمة الصراع كليا في البلد وتوفر دولة قوية وحالة استقرار دائمة.
ولا تتوقف عمليات غسيل الأموال في قطاع الأراضي والعقارات على العاصمة صنعاء فحسب، بل تمتد لتشمل أيضا محافظات أخرى بعضها خاضع لسيطرة الحكومة اليمنية، أبرزها عدن ومأرب وحضرموت وإب، وجميعها تشهد نشاطا كبيرا في قطاع الأراضي وارتفاعا قياسيا في مؤشرات التداول العقاري.