في مساء الثامن من نوفمبر الماضي كانت السيدة الثلاثينية عليا أحمد (اسم مستعار) في موعد مع مفاجأة غير سارة، حينما باغتها زوجها باعتداء جسدي عنيف، بعد اطلاعه على بيانات رقم هاتفها المسجلة على تطبيق "كاشف الأرقام اليمنية"، والتي تضمنت أوصاف مُشينة قُيّد بها رقم هاتفها على التطبيق.
ويتيح التطبيق إمكانية الإطلاع على بيانات أرقام هواتف مستخدمي خطوط الاتصالات اليمنية، فبمجرد إدخال رقم الهاتف في لوحة التطبيق تظهر كافة الأوصاف التي يُسجل بها ذلك الرقم عند الآخرين، وهو يسمح للمستخدم كذلك بمعرفة الأوصاف الاسمية التي يُسجِل بها رقم هاتفه لدى الآخرين.
ويحدث أن يُحفظ رقم هاتف مستخدم ما لدى شخص آخر بصفة تسيء لمالكه، على أن معرفة ذلك باتت ممكنة من خلال هذا التطبيق الذي يستمد معلوماته من البيانات المحفوظة في قوائم حفظ الأرقام بهواتف الأشخاص الذين يحملّونه في أجهزتهم، فهو يزعم أنه يقدم خدمة بمقابل لها، فلكي يتمكن المستخدم من تشغيله في هاتفه يشترط التطبيق عليه الموافقة على الوصول لبعض البيانات الشخصية.
انتهاك للخصوصية
لم يكن خالد فتحي (اسم مستعار)، وهو زوج عليا، يدرك ألا علاقة لزوجته بالطريقة التي يُحفظ بها رقم هاتفها لدى الآخرين، وأنها إحدى ضحايا انتهاك الخصوصية الرقمية، ولا كان يعرف فكرة عمل تطبيق "كاشف الأرقام اليمنية" الذي تسبب بالكثير من المشاكل الأسرية في اليمن من خلف مسألة انتهاك خصوصية الناس وتسريب بياناتهم للعامة، وذلك تحديدا هو النشاط الذي يقوم عليه عمله، فهو يوفر الإمكانية لمعرفة البيانات التي تُحفظ بها أرقام هواتف اليمنيين عند بعضهم.
يشترط التطبيق المملوك لشركة تعرف نفسها بـ"bandora soft"، من المستخدم الموافقة على مشاركة جميع جهات اتصاله مع التطبيق، وكذا المعلومات الأخرى المتعلقة بها كحساب الواتساب، وعنوان الإيميل، وبلد الإقامة، ومنطقة السكن، وشركة العمل، فهو يقول إنه يقوم على خدمات من طرف ثالث متخصصة بجمع معلومات المستخدمين الشخصية وتحديد هوياتهم، زاعما أن تلك المعلومات تخضع لسياسة خصوصية يدّعي فيها الحرص على بيانات المستخدمين.
وتقوم فكرته في العموم على توفير أسماء مستخدمي كافة خطوط اتصالات الهواتف النقالة باليمن، ويتيح للمستخدم الاطلاع على كافة الصيغ التي يُحفظ بها لدى الناس رقم هاتفه أو أي رقم لمستخدم آخر.
النساء الأكثر تضررا
ويحفظ الكثير من الناس أرقام هواتف بعضهم بناء على الإنطباعات التي يشكلونها عن بعض، ويحدث أن تُحفظ بعض أرقام الهواتف بصيغ قدحية تتضمن إساءة تُعبر عن كراهية أو شتيمة أو سخرية أو أي صفة مشينة أخرى، من ذلك أن أرقام هواتف بعض النساء تُحفظ أحيانا عند بعض معارفهن بصيغ اسمية حميمة ترتبط بالحب أو قدحية ترتبط بالإيحاءات الجنسية، دون علمهن بذلك، وبدورها تذهب سجلات أرقام الهواتف تلك لتطبيق "كاشف الأرقام" الذي يتيحها لجميع المستخدمين، في انتهاك لخصوصية الناس يلحق الأذى بالكثير منهم، خصوصا النساء، الفئة الأكثر تضررا من مشكلة انتهاك الخصوصية وفق شهادات عديدة حصل عليها "الموقع بوست".
لدى إجراء بحث عن أرقام هواتف بعض النسوة مثلا، تظهر أرقام هواتفهن على لوحة التطبيق بصفات مُخلة بالسُمعة، تتضمن إساءة لهن، وما يحدث هو أن التطبيق يوفر بياناتهن الشخصية ويتيحها للجميع، الأمر الذي يستغله المتنمرين للوصول إليهن والقيام بابتزازهن أو التحرش بهن.
يحدث في ظل الرواج التي يحظى به "كاشف الأرقام اليمنية" أن يقوم أحد أفراد عائلة فتاة ما بالبحث في التطبيق عن الأوصاف التي يحفظ بها رقم هاتفها، ومن الوارد أن يعثر على دلالات اسمية غير لائقة تُفهم على أنها قرائن على سلوك غير أخلاقي، الأمر الذي يتسبب بحدوث مشاكل أسرية قد لا تُحمد عقباها. ذلك الالتباس تحديدا هو ما حدث مع خالد فتحي وزوجته عليا، وأفضى بالتالي إلى حدوث اعتداء ضد الزوجة قبل أن يتم احتواء المشكلة أسريا والحيلولة دون تفاقمها.
غياب الرقابة الحكومية
ويعد الوصول غير المشروع لبيانات المستخدم جريمة إلكترونية يعاقب عليها القانون في أغلب دول العالم، بيد أن اليمن يفتقر حتى اليوم لقانون متخصص بالجرائم الرقمية، لذا فإن جرائم انتهاك الخصوصية تحدث اليوم دون رادع في البلد، إذ تستغل بعض التطبيقات غياب الرقابة الأمنية في التوسع على حساب أمن وسلامة المستخدمين اليمنيين الذين يفتقر أغلبهم للوعي الأمني الرقمي، فتُنتهك خصوصياتهم على إثر ذلك ويتعرضون للأذى والضرر.
يقول الخبير في تقنية المعلومات الدكتور علي الصغير في تصريح لـ"الموقع بوست"، إن تطبيقات كشف الأرقام في اليمن أضحت مشكلة مؤرقة لانتهاكها خصوصية المستخدمين، مشيرا إلى أن أغلب ضحايا تلك التطبيقات من النساء اللاتي يتعرضن للمشاكل نتيجة تسرب بياناتهن، وذلك أمر حساس في مجتمع محافظ كالمجتمع اليمني.
ويرى الصغير أن غياب قانون الجرائم الإلكترونية، يعرض المستخدم اليمني للاختراق الرقمي في ظل غياب الرقابة الحكومية على الواقع الرقمي في البلد.
ويؤكد أن مسألة حظر "برامج كشف الأرقام" تتطلب مخاطبة حكومية للمواقع التي توفر إمكانية تنزيلها، كجوجل بلاي وغيرها، وضرورة تشريع قوانين للأمن الرقمي للضغط على الشركات العابرة للقارات بضرورة الالتزام بخصوصية أمن المعلومات في البلد، على أن ذلك أمر بعيد التحقق في ظل حالة الانهيار التي تمر بها الدولة اليمنية والحرب القائمة في البلد.
وبشأن كيفية حصول "كاشف الأرقام اليمنية" على بيانات الناس، يقول الصغير، إن التطبيق لا يستمد معلوماته من هواتف المستخدمين فقط، بل يحصل عليها كذلك من شركات الاتصالات اليمنية التي يؤكد أنها معرضة للاختراق بسهولة بسبب غياب الرقابة الحكومية عليها وعدم وجود تشريعات قانونية تلزمها بالحفاظ على خصوصية بيانات المستخدم.
غياب الوعي الرقمي
ويتزايد في الفترة الأخيرة نشاط تطبيقات كشف الأرقام في اليمن بسبب غياب الرقابة الأمنية على الانترنت بفعل تفكك الدولة اليمنة وحالة الصراع القائمة في البلد منذ ست سنوات. إذ تحظى تلك التطبيقات بالرواج لدى اليمنيين بسبب غياب الوعي الأمني الرقمي لديهم، ولكونها تقدم خدمة ترفيهة تحظى باهتمام الناس وتخاطبهم فضولهم، وهي تتمثل في كشف هويات أرقام الهواتف المجهولة، وإتاحة الإطلاع على بيانات مستخدمي خطوط الاتصالات اليمنية، الأمر الذي يجد فيه الناس بعض التسلية.
ويدفع انعدام الوعي بالأمن الرقمي في اليمن الناس إلى التساهل بشأن مسالة حماية البيانات الشخصية على الهواتف، فهم يتعاطون بعدم مبالاة تجاه التطبيقات التي تتسلل لمعلوماتهم، بل إنهم يوافقون أحيانا على منح بياناتهم لتطبيقات غير آمنة دون أي إحساس بالخطر.
مخاطر
يقول الصغير إن مكمن خطر تطبيقات كشف الأرقام يكمن في احتمالية استخدامها بيانات المستخدمين في أغراض سياسية قد تؤذيهم أو بيعها لجهات أو تطبيقات أخرى خطيرة، إلى جانب قدرتها على استغلال تلك البيانات لتحقيق أغراض دعائية أو تجارية على حساب الناس.
ولتفادي الوقوع في مخاطر الأمن الرقمي، يوصي الصغير بضرورة حذف تطبيقات كشف الأرقام وكل التطبيقات الضارة من الهواتف والحواسيب والحرص على عدم تحمليها أبدا، داعيا إلى العمل على نشر الوعي المجتمعي بين الناس بشأن خطورة بعض التطبيقات.
وأهاب الصغير بضرورة توخي الحرص بشأن حماية البيانات الشخصية في العالم الرقمي، مشددا على ضرورة إرشاد الأشخاص والكيانات في اليمن لاتباع إجراءات الحماية الرقمية اللازمة لصون البيانات.
لكنه يعرب عن أسفه بشأن اللا مبالاة التي يقول إن اليمنيين لا يزالون يتعاطون بها في مسألة الأمن الرقمي التي يرى أنها مسألة حساسة وخطيرة وتوجب الحذر، مشددا على ضرورة اضطلاع الصحفيين ووسائل الإعلام اليمنية بدور فعال لرفع وعي وحساسية الجمهور بشأن مسألة الأمن الرقمي، لضمان تحقق السلامة الأمنية للجميع.