بعد مضي عام على الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي والقوات الموالية للمخلوع صالح في عدّة محافظات يمنية، اتخذت معاناة المواطن اليمني شكلا آخر أكثر سوءً، حيث تدهور الوضع الصحي بشكل خطير، خاصة في قطاع الدواء.
وكان المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" محمد الأسعدي، قد ذكر أواخر العام الماضي، أن أكثر من 15 مليون يمني يفتقرون إلى الرعاية الصحية.
كما تحدثت تقارير إعلامية مؤخرا عن انتشار مرض" داء الكلب" بشكل متسارع، في منطقة "الجراحي" بمحافظة الحديدة غربي اليمن، حيث تفاقمت الحالات مع عدم توفر اللقاحات المضادة في صيدلية مكتب الصحة العامة بالمدينة.
ورصدت المراكز الصحية هناك 116 حالة مصابين بـ" داء الكلب"، وهم مهددين بالوفاة، بسبب انعدام الأدوية.
وتسبب الحصار الجوي والبحري الذي تسببت به المليشيا، في نقص الدواء بشكل كبير، كما تسبب الحصار الذي كانت تفرضه وما تزال المليشيا على مدينة تعز، في مفاقمة المشكلات في قطاع الدواء في المدينة.
شحة الأدوية
إلتقت مراسلة" الموقع" في إحدى الصيدليات المريضة هبة عبده محمد، وكانت تشكو من عدم عثورها على أدوية مخصصة للشعر والهرمونات.
وقالت هبة محمد لـ" الموقع": "إنها لم تعثر على الكثير من الأدوية التي حددها لها الطبيب، وأغلب الأدوية التي عثرت عليها هي بديل للدواء الأساسي، ولم يتبقَ سوى أشهر قليلة على انتهائها".
وتضيف:" يفترض أن استخدم بعض هذه الأدوية هذه لفترة شهرين، ولم يتبق على انتهاء البعض منها، غير شهر واحد، وهذا يعني أنه لن يكون بإمكاني أن أجد الدواء صالح للاستخدام في الصيدليات بعد مرور شهر، وسأضطر إلى التوقف عن أخذ الدواء، ما يعني أن ذلك سيشكل خطرا على صحتي، لارتباط الأدوية بالهرمونات"، في حين تتخوف المريضة هبة من استخدام أدوية توشك على الانتهاء.
وحول ذلك أوضح لـ" الموقع" الصيدلاني عمر الفارعي: "أنه لا خطورة من استخدام الدواء حتى آخر يوم من تاريخ صلاحيته، شرط أن تتوفر الظروف المناسبة لتخزينه وحفظه"، وهو الأمر لا يتحقق بسبب انقطاع الكهرباء في اليمن، وإدخال بعض الأدوية إلى البلد والمدن بطرق تجعلها معرضة لدرجات حرارة عالية.
ارتفاع الأسعار
أدى عدم توفر الدواء، بالإضافة إلى احتكاره - سابقا- من قبل بعض التجار إلى ارتفاع سعره، يأتي في الوقت الذي كشفت فيه تقارير حقوقية عن حاجة أكثر من 80% من سكان اليمن إلى مساعدات عاجلة.
أبو محمد الشرعبي قدم خاتم زواجه رهنا لصاحب إحدى الصيدليات، في محافظة تعز وسط اليمن، ليتمكن من شراء أدوية لزوجته التي أصيبت بمرض" حمى الضنك".
وقال لـ" الموقع": " ارتفع سعر الأدوية بشكل كبير، مثلما ارتفعت أسعار كل شيء في هذه البلد، ما عدا أرواح الناس التي تزهق يوميا".
وتابع بنبرة حزينة: " لم أتوقع أن أقوم برهن خاتم زوجتي - وهو آخر ما نملك الآن- لأجل أن أنقذ حياتها، واشتري بعض الأدوية، الحياة أصبحت قاسية وصعبة".
وضع الصيدليات
" الفارعي" وهو صاحب إحدى الصيدليات في تعز ذكر " أنه وبسبب الحرب، توقفت معظم الشركات الدوائية عن الاستيراد، واكتفت بتصريف الكميات المخزنة معها من السابق، وهذا يؤثر سلبا على صحة وحياة المرضى، وذلك لشحة الأدوية، وخصوصا أدوية الأمراض القلبية، والسرطان، وأدوية العناية المركزة، والهرمونات".
كما أن الحرب أثرت بشكل كبير على القطاع الصيدلاني والدوائي في اليمن، وفي هذا السياق، يقول الفارعي: " أنها لم تتأثر مجرد تأثر فحسب، بل هو انهيار شبه تام للقطاع الصحي عامة، والقطاع الصيدلاني خاصة، فلقد تم تدمير العديد من المنشآت الصيدلانية، بفعل القذائف والصواريخ التي تطلقها مليشيا الحوثي وصالح على الأحياء السكنية والتجارية في وسط المدينة".
ويستدرك: " فالصيدلية التي لم تتأثر بالقصف العشوائي، تأثرت بالحصار الذي ما يزال مفروضا على المدينة، من خلال انقطاع شبه تام لدخول الأدوية، وهذا أثر بشكل كبير على معظم الصيدليات داخل المدينة".
وتأثر هذا القطاع كثيرا بسبب انقطاع الكهرباء، فالأدوية التي يجب أن تخزن في الثلاجات انتهت تماما، وكلفت مئات الآلاف، وبسبب نزوح آلاف الأسر، أدى ذلك إلى توقف الطلب على الأدوية، فانتهت فترة صلاحيتها، وذلك بسبب طول فترة الحرب، حسب الفارعي.
ويختتم حديثه قائلا:" فقد عانينا نحن والمئات من الزملاء بسبب الحرب والحصار خسائر مادية فادحة، وأغلقت الكثير من الصيدليات، وانهار مستقبل العديد منا، فكل ما تم بناؤه خلال أعوام، أتت الحرب لتقضي عليه".