تمد "أم معاذ" جسدها المتعب في ظلال خيمتها، وقت الظهيرة الذي لا يغطي إلا نصفها، مرهقة تتقلص آلاما وأوجاعاً، لا تتحسسها وتواسيها إلا رمال باردة، في مخيم صحراء "النقيعاء" والذي يفتقر للعيادات الطبية وأساسيات العيش، حيث جرى إستحداثه قبل شهر إثر موجة النزوح الأخيرة جراء الهجمات الحوثية على مناطق ومخيمات جنوب مأرب شرق اليمن.
نزيف ورمل
أم معاذ (30 عام ) حامل في شهرها السابع، تعاني من نزيف يومي بسبب الحمل والإرهاق والنزوح الذي تتحمله، وهي تجهز خيمتها الصغيرة، لتلفها حول أخشاب ليكون حمامها (دورة مياه) وسط الصحراء، إلى جوار خيمة سكنها التي بنتها بيديها المتعبة من أخشاب وخيام لا تقيها برد الشتاء القارس ولا حر الشمس في منتصف الظهيرة.
حين تشتد الآمها تمتد على ظهرها جوار خيمتها، هذا هو الدواء، وظل خيمتها ورمال المكان طبيبها المتاح، وهذا الذي تقوى على فعله لإسعاف أو تخفيف آلامها التي بدأت لينزف دمها منذ عشرة أيام عند وصولها الى المخيم مع اطفالها الاربعة الصغار.
تضيف: "لا يوجد أحد يأخذني إلى المستشفى، ولا يوجد عيادة طبية أو إسعاف في المخيم"
غياب دور المنظمات
في مخيم "النقيعاء" الحديث، والذي يسكنه أكثر من 20 الف نازحة ونازح، تغيب عنه دور المنظمات الصحية والإغاثية، وتنعدم فيه أهم أساسيات الحياة، ولا تجد فيه أي خدمات عامة من عيادة طبية متنقلة أو ثابتة وسيارة إسعاف للحالات الطارئة، قد تنقذ "أم معاذ" من الموت أو المخاطر التي تهدد حياتها، بسبب إستمرار نزيف دمها بشكل متكرر.
لا إغاثة
نزحت "أم معاذ" بسبب المواجهات الأخيرة بعد إجتياح جماعة الحوثي، لمنطقة الجوبة جنوب مارب، حيث لم تتمكن من أخذ اثاث وادوات منزلها.
تقول "أم معاذ" المنحدرة من منطقة "يعرة" شرقي الجوبة بجنوب مأرب، أنها لم تتسلم حتى اللحظة، وبعد مرور أكثر من شهر على نزوحها أي معونات أو مساعدات غذائية او دوائية او إيوائية من قبل المنظمات.
فهي اليوم تعيش مثل غيرها من آلاف النازحين، على بساط صحراوية دون ماء ولا خزانات ودون غذاء ولا خيم او مساعدات .
يفتقر المخيم الأكبر والأوسع بمارب للخدمات فلا وحدات صحية أو عيادات متنقلة كما يفتقر لمشروع المياه والكهرباء فيما تنعدم فيه المدارس، ولا سبيل لإلحاق الأطفال والفتيات بعامهم الدراسي الجاري.
قرار التشرد
"هجم جماعة الحوثي على منطقتنا الجوبة بالقصف والضرب والرصاص " كل ذلك أجبر الأهالي إلى إتخاذ قرار النزوح والتشرد من بيوتهم " بحسب أم معاذ.
تتحدث أم معاذ بالقول: "نزحنا ليلا من بيوتنا مع أسرنا الصغيرة" وجميع أبنا منطقة يعرة الواقعة شمال شرق الجوبة أيضا نزحوا وتركوا منازلهم، حيث كان الهرب من رصاصات وقذائف جماعة الحوثي، هو السبيل المتاح لأهالي المناطق الجنوبية لمارب وهو الأمل وحده لنجاة المدنيين من الموت "كلن ينجو برأسه دون الالتفات الى اقاربه أو أهله " تقول أم معاذ بلهجتها البدوية .
كانت أم معاذ على كرسي المرض، لكن واقع الحال دفعها للهرب، تحمل آلامها على جسدها وطفلها الصغير بين أحشائها، وأطفالها الثلاثة الاخرين على يديها، دون أن تأخذ من منزلها دفاء أو فراش .
شجرة البرتقال في أول ليالي النزوح
افترشت أم معاذ واطفالها في لياليهم الأولى من التشرد، الأرض تحت شجرة برتقال في مزرعة غير بعيدة من مخيم النقيعاء الذي تعيش فيه الان .
وقال تقرير لمنظمة الهجرة الدولية بمارب "إن هناك تزايد لعدد الأشخاص الذين أُجبروا على الفرار من منازلهم في مأرب حيث - أجبر العديد من المدنيين للفرار للمرة الرابعة أو الخامسة - مشيرةً إلى أن أكثر من 45 ألف نازح منذ سبتمبر/أيلول الماضي" هجروا من منازلهم من جنوب مارب.
ملجأ النازحين
لطالما اعتُبرت المدينة ملجأ للكثير من النازحين، والذين فروا هربا من المعارك، أو علقوا آمالهم في بداية جديدة في مدينة ظلت مستقرة لسنوات، ولكنهم أصبحوا الآن في مرمى النيران، في ظل تصاعد الهجمات الحوثية على المدينة.
وأشار تقرير للوحدة التنفيذية ﻹدارة مخيمات النازحين إلى وجود نحو 139 مخيّما للنازحين في محافظة مارب التي استقبلت نحو 2.2 مليون نازح بحسب التقرير.
وأفاد التقرير أن المعارك التي تشهدها المديريات الجنوبية لمحافظة مأرب أدت إلى نزوح أكثر من 93 ألف شخص خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين.
ورسم التقرير صورة قاتمة للوضع القائم، مشيرا إلى أن النازحين الجدد يعيشون ظروفا سيئة للغاية؛ إذ يتشاركون خياما صغيرة تفتقر إلى الحد الأدنى من الإحتياجات الإنسانية.
ودعا التقرير المجتمع الدولي والمنظمات الأممية والدولية إلى تحمل مسؤوليتهم وتجنب كارثة إنسانية، حيث تحتضن مأرب - وفق التقرير- أكثر من مليونين و200 ألف نازح، يمثلون أكثر من نصف إجمالي النازحين في البلاد.
الهجرة تحشد الممولين
وفي لقاء جمع السلطة المحلية وادارة مخيمات النازحين بمارب مع رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، كريستا روتنشتاينر، ناقش الوضع الإنساني والمعيشي للنازحين والمهجرين قسراً حديثاً في المحافظة، أوضحت رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة، أن زيارتها تهدف إلى الإطلاع علی مستجدات الوضع الإنساني ونقل معاناة النازحين وأوضاعهم المأساوية التي شاهدتها في المخيمات إلی المجتمع الدولي والممولين.
وأشارت " كريستا روتنشتاينر" إلى أن الوضع الإنساني في مأرب يستدعي إستجابة إنسانية عاجلة لسد الفجوة الإنسانية القائمة من خلال حشد المزيد من الموارد والدعم وإستقطاب مزيد من الشركاء من المنظمات الدولية ومضاعفة وزيادة حجم التدخلات الإنسانية التي تستهدف النازحين والمهجرين قسرا في محافظة مأرب.