[ يمنيات يبتكرنّ مشروعًا لمساعدة المكفوفين في مواجهة الإعاقة ]
لم يخطر ببال الطالبة "أمل عبد الله البريهي"، أن زيارتها مع زميلتيها "ابتسام، وفريال" لجمعية خاصة بالمكفوفين بالعاصمة صنعاء، ستقودهنّ إلى فكرة اختراع نظارة تساعد المكفوفين على الانخراط داخل المجتمع، وممارسة حياتهم باستقلالية.
"نفسي أعرف الأكل والشرب اللي أمامي أيش نوعه، على الأقل أعرف إذا كان حار أو بارد..." هذه الكلمات التي صدحت بها إحدى الكفيفات في الجمعية، كانت الباعث والمحفّز الرئيس لأمل وزميلتيها لابتكار هذا المشروع الذي أطلقن عليه: (hope glasses for blind people).
"أمل البريهي، ابتسام أحمد المشدلي، فريال عبده الفهد"، ثلاث طالبات، أكملن دراستهنّ على التوّ، في كلية الهندسة بجامعة صنعاء، وبات هذا المشروع وفكرته مشروع تخرج، عملنّ على انجازه، متحديات كل الصعوبات والمعوقات.
تأثرت أمل وزميلتيها -حسب ما تقول -بتلك الزيارة للمكفوفين، والذي أشعل في أنفسهنّ حُب البحث عن طريقة تدخل الفرحة إلى قلوب المكفوفين، وتساعدهم على تخطي الصعاب والعقبات التي تواجههم في حياتهم اليومية.
فكرة المشروع
تقوم فكرة المشروع على مساعدة الكفيف في القدرة على تجاوز المتاعب في حياته اليومية، الأمر الذي دفع أمل وزميلتيها للبحث في تطوير البرمجيات والذكاء الاصطناعي، حيث كان الملهم الأول لفكرة هذا المشروع هي "معاناة الكفيف"، التي تمثّل محنة لأسرته كذلك.
في حديثها لـ"الموقع بوست"، تستعرض المهندسة أمل البريهي، السُبُل التي سلكتها مع زميلاتها للاهتداء إلى هذه الفكرة، وكيف ساهمت تلك الكلمات التي عبّرت عنها الكفيفة التي قابلنَها في جمعية المكفوفين للبحث عن حلول للمشكلة التي تعاني منها هذه الشريحة.
تشير البريهي إلى أنها "استطاعت مع زميلاتها الاستفادة من خبرتهن في تخصص الهندسة، وتحديدًا في مجال الإلكترونيات، في الوصول إلى فكرة المشروع، واختيار المكونات والقطع الإلكترونية المناسبة لاستخدمها في تطبيق الفكرة".
أهداف المشروع
وعن أهداف المشروع، تقول أمل، "ألهمتنا محنة هؤلاء المكفوفين لعمل نظارة لمساعدتهم للعيش بسهولة أكثر، والانخراط داخل المجتمع دون الحاجة المتواصلة إلى أشخاص بقربهم والعيش باستقلالية".
تضيف أمل: يهدف المشروع كذلك إلى "الإسهام في مساعدة المكفوفين لممارسة حياتهم اليومية بحرية كقراءة الكتب واللوحات والنصوص، والتعرف على العقبات والاشياء الموجودة أمامهم كالجدران والكراسي والطاولات".
وتشير إلى أن هذه النظارة، "ستعمل على مساعدة المكفوفين كذلك "في وصف البيئة المحيطة، حتى يتمكن الكفيف من معرفة الأشياء من حوله مثل السيارات والأثاث وغيرها دون الحاجة إلى مساعدة من أحد"، وهذا ما يبحث عنه الكفيف، كيف يستقلّ بحياته، وينخرط في المجتمع دون أن يصبح عالة على أحد.
مكونات النظارة
وأوضحت المهندسة أمل البريهي، أن النظارة تحتوي على "حساسات وسماعة وكاميرا ووحدة معالجة بيانات، وتتم معالجة البيانات عن طريق الذكاء الاصطناعي".
وعن آلية عمل هذه النظارة تقول البريهي: إن النظارة "سيتم التحكم بها عن طريق الأزرار، وتقديمها للكفيف عن طريق الصوت؛ لتمكّنه من معرفة كل ما يهمه من حوله، فتساعده بالتعرف على الأشياء من حوله".
ونوّهت البريهي إلى أن هذه النظارة ستفيد الكفيف في "قراءة النصوص واللوحات والكتب، وإرسالها في شكل خطاب إلى المستخدم عبر سماعة الأذن، وكذا معرفة الحواجز والجدران أمامه".
وأشارت إلى أن النظارة "ستعمل على قياس المسافة بين الكفيف وبين الأشياء المحيطة كالأعمدة والأشجار وإصدار إنذار صوتي عند الاقتراب منها".
مميزات المشروع
وعن مميزات هذا المشروع، تشير المهندسة أمل البريهي إلى أن هذه النظارة لا تعتبر الأولى من نوعها؛ ولكن ما يميز هذا المشروع "أنه احتوى على ثلاثة أنظمة في ذات النظارة، حيث يمكنها اكتشاف الحواجز والعوائق، وكذلك قراءة النصوص كما يمكنها التعرف على الأجسام والأشياء...".
وعن إمكانية تجريبه لبعض المكفوفين لمدى قياس نجاح هذه النظارات وتحقيق أهداف المشروع قالت المهندسة أمل، "قمنا بتجريب هذا المشروع، ونجح المشروع كما خُطّط له؛ لكن المتبقي فقط هو تجريبه على شخص كفيف".
وأرجعت السبب في ذلك إلى أن "المشروع لم يكتمل بعد، ولا يزال يحتاج إلى بعض التحديثات اللازمة لاستكماله"، حسب قولها.
وحول خطة أمل وزميلاتها في تطوير المشروع، أفادت المهندسة البريهي، إلى أن الخطة تكمن في "تطوير وتحديث النظارة، بحيث تلبي رغبات المكفوفين، وتتلاءم مع متطلباتهم بالإضافة إلى تحسين شكلها".
صعوبات وتحديات
واستعرضت المهندسة أمل البريهي، أبزر الصعوبات التي تواجهها مع زميلتيها، والتي تتمثل في عدم قدرة شريحة كبيرة من المكفوفين من شراء هذه النظارة، خصوصًا وأن معظم هؤلاء ينحدرون من الأسر الفقيرة.
وأكدت، أن التحدي لهذا المشروع يكمن كذلك "في إقناع الجهات المعنية والمستثمرين بتوفير الدعم اللازم لتوفير هذه النظارات للمحتاجين إليها حتى يستطيعوا الاندماج مع المجتمع ومن حولهم".
وأضافت، الصعوبات للمشروع كذلك، تتمثل في "عدم توفر بعض القطع الالكترونية حيث نضطر لأن نستوردها من خارج اليمن..."، ناهيك "عن صعوبة الحصول على بعض الخوارزميات الخاصة باللغة العربية والتي تحتاج لأنترنت ذو سرعة كبيرة جدًا لتنزيلها". وهذا غير متوفر لديهنّ.
وعن السعر المتوقع للنظارة بعد أن تصبح جاهزة للبيع، لم تحبذ المهندسة البريهي، وضع رقم معين للسعر، باعتبار ذلك صعب في الوقت الحالي، خصوصًا وأن المشروع لم يخرج للنور بعد، ولم يتم عمل التحديثات النهائية له.
وعَزَت السبب في ذلك إلى أن "النموذج الأولي فيه قطع الكترونية أسعارها قد تختلف عن أسعار القطع التي يمكن وضعها عندما تصبح النظارة منتج جاهز للبيع في السوق".
احصائيات وتشريعات
يقدر أعداد المكفوفين في اليمن نحو 80 ألف كفيف وكفيفة، عشرة آلاف منهم فقط المستفيدين من خدمات المراكز الخاصة بتعليم وتأهيل المكفوفين في اليمن، وفق تصريح سابق لرئيسة جمعية الأمان لرعاية الكفيفات بصنعاء.
وكفلت التشريعات الوطنية حقوقًا مهمة للمعاقين في كافة المجالات، ومنها حق التوظيف في القطاعين العام والمختلط.
ونصت المادة رقم (18) في القانون رقم (61) لسنة 1999م بشأن رعاية وتأهيل المعاقين على: "تخصص للمعاقين الحاصلين على شهادات تأهيل نسبة (5 %) من مجموع الوظائف الشاغرة بالجهاز الإداري للدولة، ووحدات القطاعين العام والمختلط ويجوز لأي من هذه الجهات استخدام المعاقين بدون ترشيح من مكاتب وزارة الخدمة المدنية وتحسب هذه التعيينات من النسبة المنصوص عليها في هذه المادة".
كما نصت المادة (12) من القانون ذاته على "تعفى الأدوات والأجهزة والمعدات التي تستورد لأغراض رعاية المعاقين ومساعدتهم وتعليمهم وتثقيفهم وتأهيلهم، بما في ذلك السيارات المصنعة للمعاقين من الضرائب والرسوم الجمركية بناءً على موافقة الوزير".
بجد واجتهاد، وهمّة وعزيمة، تواصل أمل البريهي وزميلتيها ابتسام المشدلي وفريال الفهد، يواصلن العمل لإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود، متحديات كل الصعوبات والمعوقات. يواصلن الليل بالنهار لأجل أن يرى المشروع النور؛ ليرى المكفوفين من خلاله نور الحياة وأملها، ويسألونك متى هو: قل عسى أن يكون قريبًا.