تعز.. ما الذي يحدث في جبهة الضباب؟
- عبدالحكيم هلال الثلاثاء, 22 مارس, 2016 - 04:12 مساءً
تعز.. ما الذي يحدث في جبهة الضباب؟

مطلع مايو 2015 تشكل المجلس العسكري بتعز من مجموعة ضباط كبار بهدف الدفاع عن المحافظة مع المقاومة الشعبية، التي كانت تشكلت قبله، وتنسيق الجهود لدحر العدوان الذي شنته الميليشيات الانقلابية في المحافظة. 

بعدها بقرابة شهر ونيف دشن المجلس العسكري أعماله القتالية في الجبهة الغربية لمحافظة تعز بمنطقة الضباب، بقيادة العميد ركن يوسف الشراجي، نائب رئيس المجلس العسكري، قائد الجبهة الغربية. 

قيل حينها أن هذه الجبهة، التي تلقا أفرادها تدريبات قتالية متقدمة، تأسست تحت إشراف المجلس العسكري لتشكل إسنادا ودعما ومددا قتاليا للمقاومة الشعبية في المحافظة والمدينة. ومع بداية ظهورها، برزت بقوة وحققت انتصارات كبيرة، مستعيدة بعض المواقع الهامة بمنطقة الضباب. وخلال الشهرين الأولين من ظهورها ذاك، شعر الجميع أن هذه الجبهة ستعمل على تغيير موازين القوة والسيطرة. 

بين الحين والأخر، خاضت مواجهات عنيفة وأخرى متوسطة، لكنها في الواقع لم تكن تحقق الكثير من الانتصارات أو التقدم، مكتفية بتحقيق إنجاز الحفاظ على تلك المواقع التي آلت إلى سيطرتها مع بداية تحركاتها الأولى. مع مرور الوقت، بدى وكأنها قد تحولت إلى جبهة دفاعية، بعكس ما أريد لها أن تكون – كقوة هجومية - لتحرير بقية المواقع الأخرى الواقعة تحت إطارها الجغرافي غربا، وصولا إلى فك الحصار المفروض على المدينة من هناك.

بدأ القلق يساور البعض على وقع سؤال: ما الذي حدث للجبهة الغربية؟ كي تكتفي ببعض المناوشات هنا وهناك، وتفضيل البقاء تحت ظل الأشجار. مع أن هناك شباب أشداء كانوا يتعطشون لخوض المواجهات ويمتلكون الشجاعة الكافية والقدرة على تحقيق الكثير. غير أن حماسهم أصطدم بأوامر وتوجيهات صارمة، اعتمدت أكثر على خلفية عسكرية، كان من شأنها أن تساعد على الحفاظ على القوة، لكنها فشلت في تحقيق أي تقدم في معارك أتسمت أكثر بحروب العصابات.   

كان الحديث حينها يدور حول خلافات داخلية بدأت تضرب تماسك الجبهة الغربية، كأحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إضعافها واتسامها بالبطء الشديد في الحركة والإنجاز. بل وخسارة بعض المواقع الإستراتيجية الهامة. في النهاية يُعتقد أن تلك الخلافات أفضت إلى انسحاب قائدها الشراجي تدريجيا، ليتسلم زميله العميد ركن عدنان الحمادي، عضو المجلس العسكري، زمام القيادة بدلا عنه. 

لقد أصبح التساؤل: ما الذي يحدث في الجبهة الغربية؟ أكثر 

على مدى الأشهر التالية، حدثت معارك عنيفة وسط المدينة وأطرافها الجنوبية والجنوبية الشرقية، تم خلالها دحر الميليشيات من مواقع إستراتيجية هامة، بينها قلعة القاهرة، والمربع الأمني، ومحافظة تعز. لكن الجبهة الغربية بالضباب كانت قد فقدت الحركة نهائيا، وربما أصابها الركود. 

بعدها بأشهر قليلة، تحركت الجبهة الغربية للمدينة (الحصب)، الموازية لنظيرتها بالمحافظة (الضباب). حققت هي الأخرى بعض التقدم، فيما ظلت جبهة الضباب على جمودها..!

أرتفع منسوب القلق أكثر: ما الذي يحدث في جبهة الضباب؟ 

في المنطقة المقابلة لها، وسط الجهة الغربية، ألتفت الميليشيات وسيطرت على مديرية المسراخ وتقدمت نحو نجد قسيم، المحادد لجبهة الضباب، ومع ذلك ظلت الأخيرة محافظة على هدوئها ومواقعها السابقة..!!

تحرك رجال المقاومة في المسراخ ونجد قسيم لتطهير منطقتهم، ليبرز في هذه الأثناء ضابط عسكري آخر هو العميد ركن عبدالرحمن الشمساني، عضو قيادة المجلس العسكري، الذي تحرك بمفرده مع قواته القليلة لمساندة جبهة المسراخ من الجهة الشرقية بالضباب، وحقق نجاحا في تكبيد الميليشيات خسائر فادحة، وحجمهم عن التقدم أكثر نحو جبهة الضباب. 

وصل الشيخ حمود المخلافي، قائد المقاومة الشعبية، إلى منطقة التربة، أقصى الجنوب الغربي للمحافظة، قادما من عدن، بعد أكثر من شهر من لقاءات عقدتها قيادة مقاومة تعز مع الرئيس هادي وقيادة التحالف بغية الاتفاق لرسم خطة نهائية لتحرير تعز. في النهاية، باء كل ذلك بالفشل، مع وعود لم تنفذ لاحقا بالدعم العسكري واللوجستي.  

عند عودته أقسم قائد المقاومة بالدخول إلى تعز عبر الطريق الرئيسي. ولأكثر من شهر، ظل يتنقل بين منطقة التربة ومحيطها لترتيب وتنظيم المقاومة الشعبية هناك، لتتمكن لاحقا من تطهير منطقة المسراخ وطرد الميليشيات منها. في الوقت ذاته كانت أنظاره تتجه صوب معركة تحرير تعز المدينة. بعلاقاته الواسعة جمع الدعم العسكري، أشترى الذخائر والأسلحة الثقيلة والخفيفة من تجار سلاح جنوبيين، وظل يرسلها تباعا صوب مدينة تعز، مع المقاتلين.  

حدث كل ذلك، فيما كانت جبهة الضباب تتلقى الدعم الشهري مباشرة من قيادة التحالف، استعدادا لمعركة، بدى أن ساعتها لم تحِن بعد، وتحديدها لم يكن بيد المجلس العسكري بالتأكيد. 

ما زال الضباب، يبعث بالتساؤل السابق: ما الذي يحدث هناك؟ 

بسرية تامة، رسمت خطة فك الحصار عن تعز من جبهتها الغربية. وفي اليوم الموعود (11 مارس الماضي) بدأت الخطة بالتنفيذ. تحركت مجاميع المقاومة من الأطراف الغربية للمدينة نحو الحصب والدحي وبيرباشا. وفي غضون ثلاثة أيام فقط التحمت جبهة الشيخ القادمة من الضباب مع جبهة المقاومة المتجهة صوب الضباب. أعلنت المقاومة عن نجاحها في فك الحصار عن تعز من جهتها الغربية.

سلمت المقاومة المناطق المحررة بالكامل للتشكيلة العسكرية التابعة للمجلس العسكري هناك بقيادة العميد الحمادي، قائد اللواء 35. 

لم تكتمل أيام الأسبوع الأول، حتى بدأت جبهة الضباب بالاهتزاز مرة أخرى. وبينما كانت مجاميع المقاومة الشعبية تتقدم في الجبهتين الغربية (خط المخأ) والشمالية (خط الستين)، لمواصلة تحرير ما تبقى من مناطق، كانت الميليشيات قد شكلت تهديدا جديدا على الجبهة الغربية بالضباب. بدى وكأنها مصره على إعادة الجدار الخرساني لمحاصرة المدينة مجددا. 

لم تتحرك الرئاسة والحكومة والتحالف العربي لإسناد مقاومة تعز ودعمها بالسلاح النوعي لمواصلة خطة تحرير المدينة وفك الحصار من بقية المنافذ (شرقا وشمالا وجنوبا). أنصب تركيز المتابعين حول البحث عن إجابة: ما الذي يحدث لتعز؟

في الضباب، تناوبت السيطرة على التباب الرئيسية بين قوات المجلس العسكري بمساندة تعزيزات من المقاومة الشعبية، والميليشيات الانقلابية. في الصباح تتمكن المقاومة من مسك زمام المبادرة، وفي المساء تستعيد الميليشيات بعض المواقع. 

مع مطلع هذا الأسبوع، أرسلت المقاومة تعزيزات إضافية من المدينة، وتمكنت من تطهير مناطق: حدائق الصالح، والمقهاية، بعد معارك شديدة استمرت منذ صباح الأحد وحتى المساء. وفي صباح اليوم التالي (الاثنين) تفاجئ الجميع بقطع الطريق الرئيسية من الضباب إلى المدينة، وكان الغرباء يتوزعون هناك على نقاط التفتيش..!!

هنا، أصبح من غير المجدي مواصلة الغرق في البحث عن أسباب الموقف المتخاذل من الدولة أو قيادة التحالف العربي، فيما يتعلق بوعود دعم معركة تحرير تعز. استدعت الأحداث الأخيرة العودة الإجبارية نحو تجديد التساؤل الأقرب: ما الذي يحدث مجددا في جبهة الضباب؟!

مع ظهر يوم الاثنين، توجه قائد المقاومة الشعبية الشيخ حمود المخلافي على رأس تعزيزات جديدة نحو الضباب، لتدارك المسألة، ومحاولة تصحيح الموقف. وعلى قناة الجزيرة أكد:"أتينا لنصلح ما أفسده العسكر". لم يحل ظلام هذا اليوم إلا وقد تطهرت المنطقة ومحيطها من الميليشيات. سقط بعض الرجال، بين شهداء وجرحى، وكانت قد سفكت دماء عدد من الصحفيين الذين حضروا لشهود عملية التصحيح، سقط بينهم شهيد. 

أصبحت المعادلة الجديدة كالتالي: جبهة الضباب، التي أريد من تشكيلها أن تكون قوة ضاربة لإسناد المقاومة الشعبية في معارك تحرير المدينة، بدى وكأنها قد تحولت تدريجيا إلى بؤرة استنزاف كبيرة لإمكانيات وقدرات المقاومة الشعبية وشبابها..!!  

هاهي قد قطعت زخم الانتصارات الأخيرة، وأوقفت المقاومة الشعبية من مواصلة المضي قدما نحو استكمال خطة تحرير ما تبقى من أجزاء المحافظة، في الجبهتين الشمالية والشرقية، لتنشغل إضطراريا بإنقاذ هذه الجبهة مجددا..!!   

يبقى السؤال الأهم: هل ستظل قيادة المقاومة الشعبية بتعز تتصرف كهيئة مطافي، أم أنها ستتجاوز مرحلة الإنقاذ نحو مرحلة التأمين الكلي لهذه الجبهة؟  

إن البحث في إجابة نهائية للسؤال المزمن: ما الذي يحدث في الضباب؟ أصبح الآن ملحا أكثر من أي وقت مضى. وسيتوجب على قيادة المجلس العسكري والمقاومة الشعبية بتعز، التوقف هنا، عند هذه النقطة الفاصلة، والعمل – على نحو حاسم ودون مواربة – على تصحيح الأوضاع الخاطئة.

قال الشيخ حمود لمراسلة الجزيرة بتعز "أتينا لنصلح ما أفسده العسكر". فهل تم إدراك أن هذا الإصلاح لا يجب أن يقتصر فقط – كالسابق - على إرسال التعزيزات واستعادة المواقع المتساقطة، لتصبح مهددة بالسقوط مجددا. بل قد يستدعي ذلك اتخاذ قرارات مصيرية، ربما ظلت قيادة المجلس العسكري والمقاومة الشعبية، تخشى اتخاذها طوال الفترة الماضية، تجنبا للانقسامات الداخلية. 

اليوم، وبعد أن تأكد أن تعز تُركت لتقرر مصيرها لوحدها بدون دعم أو إسناد حكومي أو خارجي، لم يعد ثمة مجالا لمواصلة العمل وفق السياسة السابقة القائمة على التغاضي عن الأخطاء المريبة، تحت مبرر الحفاظ على تماسك الصف الداخلي، أو عدم إغضاب دول في التحالف. 

فتعز لم تعد تحتمل المزيد من الإنتكاسات والخذلان.


التعليقات