نطق رشاد البريهي بكلمتين، والموت يقترب منه، قالهما بصوت خفيض (أنا مديون)، لكنها كانت صرخة مثلت تعز بأكملها.
أكد " رشاد" بأن المقاومة الشعبية في تعز، التي يقاتل الآلاف في صفوفها، ليسوا مرتزقة كما يصفهم الانقلابيين، ولم يكونوا سوى شباب يتوقون للحرية، ويرفضون الظلم، ويدافعون عن كرامة دولتهم ومدينتهم.
من هو رشاد؟
رشاد عبدالكريم البريهي، مواليد 2 يونيو 1989، ينتمي إلى منطقة" المحشاء" في بني عيسى بجبل حبشي، بمحافظة" تعز"، تخرج من الثانوية العامة، القسم العلمي عام 2009، بعد تخرجه درس اللغة الإنجليزية في بعض المعاهد، ثم عمل مع أخيه" مصطفى" في محل اتصالات وإكسسوارات.
" رشاد" كما روى لـ( الموقع) أحد أقربائه عبدالسلام السميعي، أنه تقدم للالتحاق بجامعة" ذمار" لدراسة الحاسوب، لكنه لم يدرس غير فصل دراسي واحد، ولم يتمكن من مواصلة الدراسة لظروفه الشخصية.
أثناء دراسته في جامعة" ذمار" كان لديه صديق من مدينة" ذمار" وهو ابن مدير شركة النفط هناك، ووعده بأن يلتحقوا معا في السنة المقبلة بكلية الطيران، لكن صديقه توفي بحادث سير، فلم يتمكن" رشاد" من بلوغ طموحه وحلمه، فترك الدراسة، والتحق بالحرس الجمهوري، واستمر هناك حوالي ستة أشهر، وعند توزيع المجندين، كان نصيب" رشاد" أن يلتحق بمعسكر" العرقوب" شرقي صنعاء، لكنه رفض.
وعاد مع بداية ثورة 2011م إلى مدينة تعز، وانضم لساحة" الحرية" في المدينة.
ثم أصبح أحد منظمي المسيرات في تعز، وتم تعيينه مسئول أمن في مستشفى" الكرامة" بالمدينة، والذي يتواجد فيه العشرات من جرحى ثورة فبراير.
تزوج" رشاد" عام 2013، ومن ثم حاول العودة إلى مقر عمله بعد أن تزوج، قوبل طلبه بالرفض بحجة أنه تجاوز أيام إجازته المحددة، وانتقل عقبها إلى مرافق لأحد الضباط لمدة عام.
وعند دخول الحوثيين إلى تعز مطلع العام الماضي، ومع البدايات الأولى لتشكيل المقاومة في تعز، انضم" رشاد" إلى المقاومة الشعبية، دفاعا عن مدينته، واستمر بالنضال والمقاومة حتى استشهد يوم الجمعة 18 مارس.
كيف استشهد ؟
تنقل" رشاد" بين عدة جبهات للقتال، ومؤخرا قاتل في جبهة" الدحي" غربي المدينة، أثناء كسر الحصار هناك، وأصيب يوم الأربعاء 16 مارس، بطلقة قناص في البطن والبنكرياس والكبد، وخضع للعلاج لمدة يومين، لكنه ارتقى شهيدا.
وخلف زوجه وابنته" جنا"، ومدينة ما تزال تدافع عن كرامتها، بسواعد أبنائها.
الديون التي لم تسدد
تبلغ الديون التي أصرّ" رشاد" أن يتحدث عنها وهو معلق بروح ضعيفة بين الموت والحياة، 12.100 ريال سعودي، حوالي 800 ألف ريال يمني.
وتلك الديون هي عبارة عن تغذية له ولأصدقائه، فلقد كان قائدا لإحدى المجموعات في المقاومة الشعبية.
وبشأن تسديد ديون" رشاد" أكد" السميعي" لـ( الموقع) أن هناك من تواصل مع أخويه" مصطفى" و" مشتاق"، لكن ديون" رشاد" لم تسدد بعد.
شجاعة رشاد
كان" رشاد" حسب " السميعي" شجاعا مقداما، فهو أحد الذين تقدموا تحت وابل الرصاص، لسحب المصور أحمد الشيباني، الذي اغتالته رصاص القناصة قبل أسابيع في تعز.
ويحكي أن" رشاد" كان يخرج في المسيرات، وينزع صور المخلوع صالح، على الرغم من الخطورة التي يمكن أن يشكلها ذلك عليه، خاصة مع وجود تلك الصور في أماكن حكومية.
ويضيف:" ولأكثر من مرة كان العديد من الأشخاص يسألون أخاه، ألا تخافون على" رشاد" الذي يتصدر دوما المسيرات؟
ولقيت صرخته" أنا مديون" تفاعلا داخل وخارج البلد، إذ تم تداول الفيديو الذي يظهر فيه" رشاد" وهو يحاول أن يبلغ من حوله بأنه عليه ديون، على نطاق واسع، وتفاعل آلاف الناشطين مع قضية" رشاد" وأطلقوا هاشتاق" أنا مديون"، وكتبوا العشرات من التدوينات على صفحاتهم في موقع التواصل الاجتماعي" الفيسبوك".
مرتزقة
الناشط حمزة المقالح كتب في تدوينه بموقع" الفيسبوك":" أنا مديون .. وتسمع حوثي يقلك هؤلاء مرتزقة".
وأضاف:" احنا المديونين لروحك التي لا تساويها كنوز الأرض، والمدينين لهذه التضحيات النقية والصادقة مدى العمر وكل الحياة".
من جهته الناشط فهمي الأصور كتب:" يموت رجالنا مدينون جائعون في الخنادق، بينما يتسكع الحثالة في الفنادق، يتجشأون الثورة، ويتبرزون ما يسمونه الفداء"
وتابع:" مات" رشاد" مدينا، بينما المتمردون يملأون الدنيا صراخا بأن أمثال رشاد عملاء ومرتزقة، لا يعرف هؤلاء الأوباش شيئا سمه الوطنية، ولم يسمعوا من قبل بلفظ اسمه الكرامة".
وخاطب الرئيس عبد ربه منصور هادي، مات" رشاد" وهو يدافع عن شرعيتك، وخاطب نائبه خالد بحاح، مات رشاد وهو يقاوم من اعتقلوك في بيتك".
بقية الشهداء
أما الناشط عبدالمجيد حسان فذكّره ما حدث لـ" رشاد" بعشرات الشهداء الذين عليهم ديون، واستغل الفرصة ليطالب بتكاتف الجميع لقضاء ديون كل أولئك.
لست أنت المديون
الناشط عبدالرحمن الشوافي فيؤكد:" لست أنت المديون يا شهيد، الكل مدين لك، الحكومة، ووزراء الفنادق، وهادي، والوطن، والأرض التي ارتوت بدمك، والقابعون في البيوت، وليتنا نستطيع سداد دينك، فدين الدم غالٍ، ولا شيء يوازيه، فقط الجنة الثمن والسداد ليدنك، ولديون كل الشهداء".
وطن لم يحقق أحلامه
وعلق الناشط علي اليافعي من جهته قائلا:" أي وفاء هذا، وأي تضحية تلك، رحل إلى الله وهو يذود عن سيادة وطن مغتصب، لم يستطع فيه تحقيق أحلامه، ولا حتى قضاء دينه".
عبدالغني المجيدي هو الآخر كتب:" تعز علمت العالم كيف يكون إجرام الحوثيين ضد الطفولة في "لا تقبروناش"، وعلمت العالم كله كيف يكون الشوق للجنة، والخوف من الدين أن يحول دونها في" أنا مديون".