أحيا اليمنيون اليوم جمعة الكرامة في ذكراها الخامسة مطالبين بتقديم من ارتكبوها الى العدالة, وعدم السماح بإفلاتهم من العقاب.
وتحل هذه المناسبة في اجواء مغايرة بعد انقلاب مليشيا الحوثي وحليفهم المخلوع صالح على الحكم في اليمن منذ عامين.
وارتكب نظام المخلوع صالح تلك الجريمة التي ارتقى فيها 57 شهيدا و200 جريحا، في مجزرة بشعة، لايزال مرتكبيها بعيدا عن العدالة.
وتعد تلك المجزرة الاهم في مسيرة الثورة اليمنية التي انطلقت في فبراير من العام 2011م، وادت الى تهاوي نظام المخلوع صالح بعد انشقاق عددا من القادة العسكريين والسياسيين والدبلوماسيين وانضمامهم للثورة.
وكشفت تلك المجزرة عن الوجه القبيح لحاكم تربع على كرسي الحكم طوال أكثر من ثلاثة عقود، ومع ذلك قاتل لأجل بقائه في الحكم بتلك الصورة البشعة، حين لم يتوقع أن يهزمه الشباب العزل، ولأنه لا يؤمن بغير القوة، جابههم بها.
كنا في الساحة طرائد
كامل القصة أوجزها لـ( الموقع) حاتم المجاهد، أحد الشباب الذين كانوا شاهدين على تلك المجزرة، وذاكرته لا تغفل تفاصيل ذلك المشهد المروع.
بمرارة وألم يتذكر " المجاهد" ما حدث ذلك اليوم ويصفه بإيجاز:" جمود من الداخل، لم ينزع التصميم الذي بالخارج، رصاصات تتهافت بحجم صرخات الهتافات، وأنّات المصابين".
من هول الصدمة لا يتذكر هل نزل من منصة ساحة التغيير، أم كان مع جموع المصلين، وكل ما رآه مع الآخرين جدار من اللهب والدخان الأسود، الناتج من انبعاث دخان الإطارات التي تم إحراقها، من قبل عناصر تابعة لعلي عبدالله صالح للتمويه.
ويقول:" طلقات متقطعة ومتواصلة، لا تدري من أين تأتيك أو تأتيها، وذاك هو ما وعدنا الحاكم، وصدق القناصون".
كان الأمر بالنسبة للمجاهد أشبه بكرنفال صنعوه- حد تعبيره- احتفالا بما لديهم من مقدرة على صيد الطرائد، فللحظة شعر بأنه وجموع المصلين مجرد طرائد في غابة، بالنسبة للقتلة.
شعر المجاهد بالصدمة بعد أن شاهد العشرات يسقطون ما بين قتيل وجريح أمام عينيه، فوجد نفسه يتساءل:" هل قذفتنا صرخات أمهاتنا يوم الولادة، لننتهي في هذا المكان"، وكان مندهشا ينتظر نهاية ذلك المشهد أو نهايته هو.
وحدث حينها أن ارتقى أحد الشباب بين يدي" المجاهد" شهيدا، وهو يحكي لنا ما حدث قائلا:" رأيته مشلولا من هول ما أنا فيه، وينظر إليّ مشيرا إلى صدره مبتسما، كانت دماؤه تتدفق بغزارة دون توقف، ولم أشعر بدمائه التي تدفقت عليّ، كان كل همي أن أسمعه ينطق( الشهادتين)، سمعته ينطقها وارتقى شهيدا".
لحظتها بدأ يستفيق" المجاهد" من هول الصدمة، ليدرك أن ما هو فيه هو الطريق إلى الجنة، فمن يموت في سبيل وطنه شهيد لا محالة. حسب قوله
ويتابع حديثه:" اندفعت مع جموع الشباب نحو الجدار، لم يعد يغير اتجاهي صوت الرصاص"، وتحطم الجدار الذي بناه القتلة للحيلولة دون وصول المصلين إلى الساحة والتوسع أكثر.
أما شعيب القديمي وهو أحد شباب ثورة فبراير، فيقول في منشور على صفحته بالفيس بوك:" لأول مرة في حياتي أرى مثل تلك الجريمة وتلك الدماء وكل ذلك العدد من الشهداء، كنت أحد أولئك الشباب الذين شاهد طابور الشهداء، ودموع أهاليهم وصرخات محبيهم".
" القديمي" الذي كان أحد الذين كسروا باب منزل كان يعتليه أحد القناصة، أثبتوا للقاتل أن الكرامة لا تموت بالرصاص.
التغيير
بعد تلك المجزرة البشعة التي استنكرها الجميع، وبعد يومين فقط، نتج عنها انضمام العديد من القيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام للثورة، وبعض القيادات العسكرية، وفي 21 مارس انضم لهم الذارع الأيمن لعلي عبدالله صالح الجنرال علي محسن الأحمر، ثم توالت العديد من الانشقاقات، وآمن المئات من المواطنين بقضية الثوار، وانضموا إليهم في مختلف الساحات، وجميع أولئك هتفوا:" يحيا الشعب".
ويؤكد عبدالكريم ثعيل:" أن الانضمامات التي حدثت بعد مجزرة المخلوع بجمعة الكرامة بحق الشعب، هي تعبيرا عن إجماع وطني ضد عصابات المخلوع الإجرامية، وقد زادت من قوة ثورة الشباب، بل حققت الإجماع الوطني عليها، لتصبح بعد 18 مارس ثورة شعبية عارمة، ذات شرعية معترف بها دوليا على كل الأصعدة.
اما عبدالغني الماروي امين عام مجلس شباب الثورة السلمية فقال بأن جمعة الكرامة كشفت قبح النظام وتسلطه واستهتاره بالدماء وهو الأمر الذي دفع ثمنه غاليا.. باعتقادي أن يوم 18 مارس هو اليوم الذي سقط فيه النظام سياسيا واخلاقيا، فقد اكتسبت الثورة زخما كبيرا في الوقت فيما تداعت أركان النظام نتيجة حدوث انشقاقات كبيرة سيكون لها دور في خروج صالح من السلطة.