[ ميدي ]
تواصل قوات الجيش الوطني في اليمن بدعم من قوات التحالف العربي خوض مواجهات حاسمة لاستكمال تحرير بقية المناطق الاستراتيجية التي يتألف منها الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر والممتد من ميدي شمالاً إلى باب المندب جنوباً.
ومثّل استعادة القوات المشتركة لميناء «ميدي» وتمكنها من تحرير مدينة «ميدي» في 4 فبراير/شباط 2016، ووصولها مؤخراً إلى منطقة «الخوخة» الساحلية بتهامة، نقطة تحول نوعية في مسار المواجهات والمعارك المحتدمة ضد الانقلابيين.
واعتبر الخبير العسكري لطف عبد السلام حنيش في حديث ل«الخليج»، أن استعادة ميناء ميدي مثل ضربة قاصمة ومؤثرة للحوثيين، كونه أغلق أهم المنافذ التي كان يعتمدون عليها للحصول على الأسلحة المهربة من إيران و«حزب الله» اللبناني، إلى جانب أن الكثير من المقاتلين والخبراء الذين تم إرسالهم من هاتين الجهتين تسللوا إلى اليمن عبر هذا الميناء المتاخم لمحافظة حجة التي تعد إحدى المناطق التي ترتبط بحدود مشتركة مع محافظة صعدة المعقل الرئيسي للحوثيين.
أشار حنيش إلى أن تحرير ميناء ومدينة «ميدي» من الانقلابيين فتح الطريق أمام قوات الجيش الوطني لاستعادة السيطرة على منطقة «حرض» الحدودية التي تمثل بامتياز نقطة انطلاق لتحرير محافظات حجة وصعدة وصنعاء وعمران وصولاً إلى محافظة الحديدة التي تقع على الخط الساحلي جنوباً. ولفت إلى أن الانقلابيين حشدوا أعداداً كبرى من قواتهم لمنع سقوط منطقة «حرض» بهدف إعاقة تقدم قوات الجيش والمقاومة صوب العاصمة صنعاء، وأنهم عمدوا إلى نشر أعداد كبرى من القناصين وزرع عبوات ناسفة وألغام أرضية في مواقع ومنشآت عدة.
أهمية الساحل الغربي
يكتسب الشريط الساحلي المطل على البحر الأحمر أهمية بالغة نظراً لاشتماله على موانئ ومنافذ بحرية عدة ابتداء من ميدي وحتى باب المندب، الأمر الذي يمكن معه تفهم الحيثيات للانقلابيين للاستماتة ومحاولة التشبث بالسيطرة على الشريط الساحلي الذي تمكنت القوات المشتركة من تفكيك حلقاته واستعادة السيطرة على معظم المناطق والموانئ، وهو ما تسبب في تضييق الخناق على المتمردين الذين ينحسر حضورهم بشكل مضطرد.
وأكد الخبير في الشؤون العسكرية العميد إسماعيل عبد الكريم الترب ل«الخليج»، أن استعادة قوات الشرعية بدعم من قوات التحالف العربي السيطرة على منطقة باب المندب، وهو المضيق البحري الذي يمثل أهمية جيواستراتيجية كأهم المنافذ العالمية الذي يمر عبره يومياً 3 ملايين برميل نفطي مثّل بداية نوعية لانتصارات تعاقبت وخلصت في مجملها إلى تحرير معظم المواقع والموانئ والمنافذ البحرية الاستراتيجية من قبضة الانقلابيين.
ولفت إلى أن فقد المتمردين سيطرتهم على المنافذ والموانئ البحرية الواقعة على الشريط الساحلي الغربي قلص وإلى حد كبير من مصادر تسليحهم التي كانت تعتمد على عمليات تهريب منتظمة عبر هذه المنافذ البحرية، منوهاً إلى أن إيران و«حزب الله» اللبناني فشلا في تسريب شحنات أسلحة عدة لدعم الحوثيين، حيث تم ضبطها من قبل قوات التحالف العربي.
ويعرف الساحل الغربي لليمن باسم «تهامة»، ويبلغ طوله نحو 440 كيلومتراً، ويتوزع في ثلاث محافظات هي تعز، والحديدة، وحجة. ويتمتع هذا الساحل بأهمية استراتيجية في البعدين الدولي والمحلي، تنطلق من أهمية البحر الأحمر بالنسبة للتجارة العالمية، ولكونه يشرف على الممر الدولي بباب المندب، إضافة إلى وجود عشرات الجزر اليمنية، أربع منها من أهم الجزر، كما يعد من أهم نقاط الاتصال مع القرن الإفريقي، ويقصده الكثير من المهاجرين الأفارقة.
وبالنسبة إلى أهميته على الصعيد الداخلي، يعد الساحل الغربي الشريط البحري الوحيد الذي تتنفس من خلاله مناطق الشمال من صعدة إلى تعز، ومعظم هذه المناطق لا تزال تحت سيطرة الحوثيين وقوات صالح. ويضم الساحل ميناء الحديدة، وهو ثاني أكبر موانئ اليمن والمزوِّد الرئيسي للعاصمة صنعاء بمختلف المؤن.
وأكد الأكاديمي العسكري العقيد حسن عبد الكريم الحسيني ل«الخليج»، أن استعادة الجيش الوطني اليمني السيطرة على مواقع استراتيجية عدة تقع في الساحل الغربي لليمن بدءاً بباب المندب وجزيرة ميون مروراً بميناء ومنطقة ميدي ومؤخراً منطقة الخوخة مثّل انتصارات نوعية أسهمت في إضعاف القدرات للانقلابيين، معتبراً أن تحرير الموانئ والمنافذ البحرية يعد جزءاً من خطة عسكرية بدأت بتحرير عدن ثم التوجه لتحرير باب المندب وجزيرة ميون وأن هذه الخطة نفذت حتى الآن بنجاح.
الحديدة.. محطة التحرير القادمة
تمكنت قوات الجيش الوطني بدعم من قوات التحالف من تحرير ما يقدر ب120 كيلومتراً من الساحل الغربي بعد استعادتها السيطرة على باب المندب والمخا التابعتين إدارياً لتعز، الأمر الذي جعل من محافظة الحديدة الساحلية المحطة التالية لمعركة التحرير المرتقبة، كون الأخيرة تضم الميناء الأهم الذي تصله مختلف الشحنات التجارية، لكونه الأقرب إلى العاصمة صنعاء، ويبعد عنها نحو 226 كيلومتراً.
وتعد الحديدة ثاني أكبر المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة، وترتبط المحافظة بأكثر من 250 كيلومتراً مع الساحل، من خلال تسع مديريات متفاوتة في مساحتها، أبرزها، الخوخة، والتحيتا، وبيت الفقيه، والدريهمي، وباجل، والمنبرة، واللحية، إضافة إلى جزيرة كمران التي تعتبر من أهم جزر البحر الأحمر.
واعتبر الناشط في المقاومة الشعبية بالحديدة أحمد عثمان علي المقشر في تصريح ل«الخليج»، أن الانقلابيين سارعوا بالتمدد إلى محافظة الحديدة بعد اجتياحهم العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 لاعتبارات تتعلق بأهميتها في تأمين شحنات الأسلحة التي كانت تصل إلى الميناء من إيران عبر سفن أجنبية، ويتم تفريغها والتوجه بها إلى صعدة.
وأشار إلى أهمية التسريع بتحرير الحديدة كون ذلك سيسهم في فتح جبهة تقدم مؤثرة في اتجاه العاصمة صنعاء، كما يمكن من خلال السيطرة عليها فرض حصار على الانقلابيين لإجبارهم على التسليم والانصياع للإرادة الشعبية، وتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بإنهاء الانقلاب المسلح على الشرعية الدستورية.
«الخوخة» خطوة متقدمة
مثّل وصول قوات الجيش الوطني وبحرية التحالف إلى ساحل منطقة «الخوخة» الساحلية، خطوة متقدمة توجت الانتصارات التي تحققت على صعيد تحرير الساحل الغربي لليمن، حيث تقع الخوخة في أقصى جنوبي محافظة الحديدة على الحدود مع محافظة تعز. ويقع مركزها مدينة الخوخة على بعد 163 كم إلى الجنوب من مدينة الحديدة، ويربطها بمدينة «حيس» طريق أسفلتي طوله 28 كم، حيث تتوسط مصبي وادي زبيد من الشمال ووادي رسيان من الجنوب.
واعتبر الخبير العسكري بالأكاديمية العسكرية اليمنية بصنعاء لطف أحمد علي المفلحي في تصريح ل«الخليج»، أن سيطرة قوات الجيش الوطني والمقاومة على مديرية «الخوخة» سيمكنها من التحكم بمفترق طرق حيوي واستراتيجي، كون الخوخة تربط محافظتي الحديدة بتعز، وهو ما يعني توفير خط إمدادات نوعي لدعم العمليات العسكرية الهادفة إلى إنهاء سيطرة الانقلابيين بشكل تام على الساحل الغربي.
«حجة» منفذ صعدة
تقع محافظة حجة إلى الشمال الغربي للعاصمة صنعاء، وتبعد عنها بحدود 123 كيلومتراً، ويشكل سكان المحافظة ما نسبته «7.5%» من إجمالي سكان اليمن، وتحتل المرتبة الخامسة بين محافظات اليمن، من حيث عدد السكان، وعدد مديرياتها 31 مديرية، ومدينة حجة مركز المحافظة، وأهم مدنها حرض وعبس كما تحاذي محافظة حجة الحدود السعودية، لذا فهي تشهد نشاطاً تجارياً متميزاً، يتمثل بحركة النقل والتجارة من خلال منفذ مدينة حرض الذي يعد من أهم المنافذ الجمركية لليمن.
وتكتسب محافظة حجة أهمية خاصة كونها تعد المنفذ البحري الأقرب إلى معاقل الحوثيين في صعدة. كما تضم ميناء ميدي، الذي سعى الحوثيون إلى السيطرة عليه في سنوات سابقة، كذلك كان الميناء من أبرز منافذ تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، وسعوا إلى ضم المحافظة، ضمن ما يُعرف ب«إقليم آزال»، لتكون حجة منفذها البحري.
وتصدرت حجة قائمة المناطق التي تعرضت لغارات مكثفة من قبل قوات التحالف لاعتبارات تتعلق بكونها تمثل منطقة حدودية محاذية لمنطقة جيزان السعودية، وهو ما دفع بالانقلابيين إلى استغلال الحدود المشتركة لتنفيذ هجمات بقذائف مدفعية وصواريخ كاتيوشا.
وأكد الأكاديمي اليمني المتخصص في العلوم العسكرية العميد محمد عبده سلام المقطري في تصريح ل«الخليج»، أن سيطرة الجيش الوطني على مدينة وميناء ميدي وتقدمه حالياً في اتجاه مديرية حرض أبرز مديريات محافظة حجة مثّل التطور الأبرز في مسار تنفيذ الخطة العسكرية الهادفة إلى تطويق الانقلابيين، مشيراً إلى أن حجة تمثّل المنفذ البحري الأقرب لمحافظة صعدة والسيطرة عليها سيسهل وإلى حد كبير تنفيذ العمليات العسكرية الهادفة إلى تحرير محافظة صعدة، التي تعد المعقل الرئيسي للحوثيين وبخاصة مع تقدم قوات الجيش من جبهة الجوف والتوغل في صعدة عبر المناطق الحدودية المشتركة. وأشار إلى أن محاصرة المعقل الرئيسي للحوثيين وإنهاء سيطرتهم على صعدة يستدعي بالضرورة استغلال الحدود المشتركة التي تربط الأخيرة بحجه للتوغل داخلها، بالتوازي مع توغل مماثل لقوات الجيش من جهة منطقة «النقعة» التي تربط محافظة الجوف بصعدة.
تهامة تنتفض
تسبب تصاعد أنشطة المقاومة الشعبية بمنطقة «تهامة»، في تعزيز جهود القوات المشتركة الهادفة إلى تحرير الساحل الغربي واستعادة السيطرة على الموانئ والمنافذ البحرية، حيث أسهمت المقاومة بدور محوري في توجيه ضربات مؤثرة للانقلابيين وإجبارهم على الانسحاب من عدد من المواقع التي كانت تشكل خطوط دعم خلفية لمجاميعهم المكلفة بإحكام السيطرة على منطقة «ميناء الحديدة».
وأكد عبده أحمد سالم عطا الناشط في المقاومة الشعبية بإقليم تهامة في تصريح ل«الخليج»، أن تحرير الساحل الغربي يمثل أولوية لدى المقاومة الشعبية في إقليم تهامة، وأن وصول قوات الجيش الوطني إلى منطقة «الخوخة» يمثل خطوة متقدمة في مسار الحرب الهادفة إلى إنهاء تواجد الانقلابيين في المواقع الحيوية كافة بالساحل الغربي.
واعتبر العميد ناصر عبد الكريم الملصي أحد القيادات الميدانية البارزة في قوات الجيش الوطني في تصريح ل«الخليج»، أن تحرير الساحل الغربي لليمن بدأ بتحرير مدينة عدن والانتقال إلى باب المندب وجزيرة ميون وتحرير جزيرة كمران وفي الطريق لتحرير ميناء المخا الاستراتيجي بتعز، الذي بات في مرمى نيران القوات المشتركة، منوهاً إلى أن قوات الجيش الوطني بدعم من قوات التحالف ماضية في تنفيذ خطة تحرير شاملة للمنافذ والموانئ البحرية كافة التي تسمح للانقلابيين من السيطرة عليها عقب تمددهم في العاصمة صنعاء، وأنه سيتم خلال الفترة القليلة القادمة استكمال هذه المهمة.
وأشار العميد الملصي إلى أن الجيش والمقاومة حققا انتصارات نوعية خلال الفترة الماضية لتنفيذ خطة تحرير الساحل الغربي، مؤكداً أن الانقلابيين فقدوا أهم منافذ لتهريب السلاح الذي كان يصلهم من إيران و«حزب الله» اللبناني بعد إحكام قوات الشرعية سيطرتها على أهم المنافذ البحرية.
ولفت إلى أن ضعف الرقابة على الساحل الغربي سهل عمليات التهريب عبر البحر للأسلحة وأن قوات التحالف العربي تمكنت بفضل التقنيات المتقدمة من إخضاع الساحل الغربي والسواحل اليمنية كافة لرقابة مشددة وهو ما انعكس إيجاباً في ضبط العديد من شحنات السلاح التي تم احتجاز بعضها قبل وصولها للانقلابيين وتدمير بعضها الآخر بعد وصولها إلى أيديهم.