[ أفرج عن بعض الصحفيين ضمن صفقة لتبادل الأسرى ]
"ذهبت لأجيب الطارق لباب شقتي وعدت لكم بعد غياب خمس سنوات ونصف"، هكذا عبر الصحفي المفرج عنه حسن عناب بعد أن خرج من سجون الحوثيين وقد تغيرت أحوال حياته خلال خمس سنوات من الدهر، ليقول: "معذرة ها أنا عدت وكأن شيئا لم يكن"، ليبدأ من أول السطر بخط قلمه الحر من جديد لمقارعة الظلم والظلام.
في فجر يوم الثلاثاء، يوم التاسع من يونيو 2015، في تمام الساعة الثالثة فجرا، سمع الصحفيون طرقات باب شقتهم، استجاب عناب للطارق متفاجئا بمسلحين يبلغ عددهم ما يقارب 20 مسلحا جميعهم ينتمون لجماعة الحوثي، ويرتدون لباسا مدنيا، اقتحموا الشقة وانتشروا في جميع الغرف يصرخون في وجوه الصحفيين بعدم الحركة، وموجهين أسلحتهم الرشاشة من كلاشنكوف، وأحدهم يحمل صاروخ "لو"، وآخر يحمل معدل رشاش يتدلى عليه شريط ذخيرة.
قاد المسلحون جميع الصحفيين على متن ثلاث مركبات، نقلت كل واحدة منهن عددا منهم، برفقة عدد أكبر من المسلحين إلى جوارهم، حيث كانوا يحرسون الصحفيين، ويوجهون الأسلحة إلى رؤوسهم خشية محاولتهم الهرب من على متن المركبات ذي الدفع الرباعي، التي انطلقت مسرعة في الظلام نحو سجن قسم منطقة الحصبة شرقي المدينة، بينما ذهبت المركبة الثالثة التي تحمل أربعة صحفيين آخرين باتجاه قسم الأحمر في منطقة الحصبة أيضا.
تنقل الصحفيون على مدى خمس سنوات ونصف من سجنهم في ستة سجون، وأكثر من 25 زنزانة فردية وجماعية مظلمة ومتسخة، وكل منهم تحكي قصتة قتامتها وسوءها في جوانب مختلفة، وهي سجون في قسم الحصبة والأمن السياسي وسجن البحث الجنائي وسجن مكافحة الإرهاب، وسجن الثورة وسجن هبرة وسجن الأمن المركزي.
في سجن النساء
وتلقت أجساد الصحفيين التسعة صنوف العذاب الجسدي والنفسي بالعقوبات القاسية واللاإنسانية الحاطة من الكرامة، وفق حديثهم، كما أسيء معاملتهم، ومنعوا من الطعام لأيام، والتهديد بالقتل، ووضعهم في مخازن السلاح المهددة بقصف التحالف.
ويقول الصحفي المفرج عنه هيثم الشهاب إن الصحفيين كانوا يتعرضون للضرب بالعصي والهراوات والأسلاك الكهربائية بشكل دائم ومستمر، مع كل تحقيق يتم في غرف التحقيق في مختلف السجون التي وضعوا فيها.
وأضاف أنه قبل كل عملية تحقيق مع الصحفيين أو نقلهم من سجن إلى آخر كانت تتم معاملتهم بطرق مهينة، حيث يتم تقييد أياديهم بشكل مؤلم إلى خلف ظهورهم، وتغطية أعينهم وتقييد أقدامهم، وكانت تتم معاملتهم بشكل قاس في تلك الزنازين من شتم وصفع وركل، وأفاد الشهاب أنه في سجن البحث الجنائي تم الزج بهم في زنازين النساء التي كانت فارغة وقذرة وتتكدس فيها القمامة.
أول وجبة شفوت
يقول الصحفي المفرج عنه هشام اليوسفي إنه تعرض لصنوف التعذيب في معظم السجون، ووضع في شهر رمضان الذي وافق عام 2019 في زنزانة انفرادية، وكان بجواره على بعد ثلاث زنازين زميله حارث حميد، وكانا يتحدثان عن بعد في الليل أثناء خطاب عبد الملك الحوثي زعيم جماعة الحوثيين، وقد لاحظ ذلك حارس الزنزانة المستلم حينها، وبمجرد انتهاء كلمة الحوثي قام الحارس بإخراجهم من الزنازين وتعذيبهم، وكانت آثار التعذيب واضحة بعد إجبارهم على الدحرجة على مكان صلب وقاسي، وكان الحارس يجبرهم على التدحرج ثم يأمرهم بالنهوض، وهم مصابون بالدوار حتى سقط اليوسفي على الأرض، وأصيب في رأسه وقدمه ومرفق يده، وظلت آثار التعذيب ظاهرة قرابة الأسبوعين، ومنع حينها من الزيارات.
وكان الصحفيون بعد مرور عام على اعتقالهم أعلنوا الإضراب عن الطعام احتجاجا على معاملتهم القاسية والتمييزية بينهم وبقية السجناء، لكنهم أوقفوه بسبب عدم الاكتراث لأمرهم من قبل جماعة الحوثي، يقول اليوسفي إن زميله صلاح القاعدي كتب في جدار الزنزانة أنه في 15 رمضان تناول أول وجبة شفوت في السجن.
وأضاف اليوسفي: "تعرضنا للتعذيب من قبل مدير سجن البحث الجنائي بتاريخ الثاني من يوليو 2019 ليلا عندما قام بتعذيبنا بشكل وحشي ومهين باستخدام العصي والهراوات والركل بالأقدام وإجبارنا على الدحرجة، وتعرضت حينها لركلة في الوجه والصدر وذلك بعنف، وضربنا بالرأس والعمود الفقري، وتم منع الزيارات عنا بعدها لكي لا تظهر آثار التعذيب على أجسادنا".
وتابع: "تعرضنا حينها للشتم والسب، وجرى صب الماء على أجسادنا أثناء الدحرجة، وكان الجو باردا، وكذا كنا ثلاثة نعاني من روماتيز وأنا منهم، ومع ذلك كانت وحشية السجان متجردة من كل القيم الإنسانية والأخلاقية"، مؤكدا أن من أبرز من شارك في حفلات التعذيب تلك أشخاص يدعون: أبو نصر وأبو يمن وهمام ويحيى سريع.
وأوضح اليوسفي أن من أبرز الانتهاكات كانت في سجن البحث الجنائي الذي استمر احتجاز الصحفيين فيه مدة 32 يوما تقريبا، وتم تهديده بشكل مباشر بالتصفية الجسدية والقتل، حيث تم شحن المسدس من قبل المحقق بغرض تصفيته داخل غرفة التحقيق، وتعرض بقية الصحفيين الأربعة الذين لا زالوا محتجزين لنفس ظروف هذا التحقيق من الضرب والتعذيب والتهديد.
إهانات أمام أسرهم
وتعرض الصحفيون بشكل متكرر للإهانة والضرب أمام أسرهم أثناء زياراتهم، مما أثر بشكل مباشر على نفسيات الأسر من الأمهات والآباء، حيث تعرض كل صحفي للإهانة والضرب أمام أسرته أثناء الزيارات من مرتين إلى ست مرات خلال مدة سجنهم في سجون الحوثيين بصنعاء.
وتعرضت أسرة الصحفي حارث حميد للاعتقال داخل السجن وتوقيفها أثناء زيارتها له، وهو أيضا ما تعرض له الصحفيون الآخرون في السجن أثناء الزيارات الأسرية، حيث تعمد حارس السجن إهانتهم أمام أسرهم بنفس الطريقة التي تعرض لها هيثم.
وفي تاريخ 21 سبتمبر 2015، ألقى زعيم جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي خطابا قال فيه إن "الصحفيين أخطر من المقاتلين في الجبهات"، فكانت تلك الكلمة بمثابة ضوء أخضر للقائمين على السجون بالتعامل القاسي مع الصحفيين المختطفين، وكانت مبررا للحوثيين للقتل والتعذيب بشتى أنواعه للصحفيين، وكذلك أثرت بشكل كبير على وضع الصحفيين المختطفين في سجون الحوثيين، فكان الجميع من الجنود وحراس السجون يرددون تلك الكلمة على الصحفيين داخل السجون وأثناء التحقيقات معهم، فكانت وكأنها أمر لكل الحوثيين بالتعامل مع الصحفيين بأي طريقة، فهو أمر مسموح.
وحسب وصف الصحفيين المفرج عنهم، فإن الحراس ومشرفي السجون تحولوا إلى وحوش معبئين بالتحريض ضد الصحفيين، واستمر الصحفيون في سجن الثورة من 13 يوليو 2015 وحتى 24 مارس 2016، أي حوالي 8 أشهر.
ليلة القلم والألم
يقول حسن عناب إن ليلة ألم القلم التي سماها هي حفلة تعذيب تعرض لها الصحفيون جميعهم، بسبب "أنبوب القلم" الذي كان بحوزته، معتذرا من زملائه الذين تسبب بجلدهم، حيث أوصل خبر أنبوب القلم سجين يتبع حارس السجن كان سجينا في ذات الزنزانة، حيث قام مدير السجن المسمى يحيى سريع بالتفتيش في الزنزانة وأخرج أنبوب القلم من حسن عناب الذي كان يحمله بعد أن ركل الصحفي في بطنه حتى صرخ بصوت عال جدا أرعب كل السجناء، ولم يكتفِ السجان بذلك بل قام سريع بإخراج جميع الصحفيين من الزنزانة ليلا إلى غرفة تسمى الشماسية التي تتوسط غرف السجن، ثم تعذيبهم بالضرب المبرح بشكل جماعي، ثم تعذيبهم بشكل فردي، حيث تعرض الصحفي حسن عناب للتعذيب الفردي بالضرب بالعصي المتعددة حتى كسرت على ظهره عدة عصي وأغمي عليه مرتين خلال التعذيب الذي استمر حتى الفجر، وتناوب عليه أربعة من السجانين والحراس، ثم تم سجنه في زنزانة انفرادية مدة 25 يوما حتى اختفت أعراض التعذيب الذي جعل الدم يقطر من جلده.
وتم الزج بجميع الصحفيين وإدخالهم في الزنازين الانفرادية، حيث دخل هيثم الشهاب مرة واحدة في الزنزانة الانفرادية، وعصام بالغيث مرة، وأكرم الوليدي أربع مرات، وعبد الخالق عمران مرتين، وتوفيق المنصوري مرات كثيرة لا تحصى.
مخالفة للقوانين الدولية
وتعرض الصحفيون المختطفون للإخفاء القسري في عدد من السجون، والذي بدأ منذ اعتقالهم واستمر لمدة 6 أشهر تقريبا من 9 يونيو 2016 وحتى 3 ديسمبر 2015، كما كان يتم إخفاؤهم عند نقلهم من سجن إلى آخر، ويعد الإخفاء القسري من أخطر الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون وتدخل في إطار الجرائم ضد الإنسانية.
ويقول الصحفي حسن عناب إنه رغم حريتهم اليوم في الحركة والقول بعد خروجهم من سجون الحوثيين وباتوا بأمان في محافظة مأرب، إلا أن فرحتهم منقوصة ولم تكتمل وهم يرون أبناء الصحفيين الذين لا زالوا في سجون الحوثيين ويرون دموعهم ومعاناتهم، ويتذكرون ما يلاقيه آباؤهم في سجون الحوثيين، مضيفا أن الفرحة لن تكتمل إلا بخروج جميع الصحفيين من مختلف سجون الحوثيين.
وأفرجت جماعة الحوثي عن خمسة صحفيين في صفقة تبادل أسرى بمختطفين، بينما أبقت على أربعة صحفيين آخرين رغم واحدية قضيتهم التي ألصقت بهم ولا فرق بينهم، لكن جماعة الحوثي تستخدم القضاء بطرق ملتوية لصالح قضايا سياسية وتوظيفه بشكل علني ينتهك سلطة القضاء لخدمة مصالحها وتوجهاتها السياسية.
* ملاحظة المحرر:
تعذر التواصل مع جماعة الحوثي للتعليق على ما جاء في شهادات الصحفيين.