[ مقتل صحفي بقذيفة حوثية بمحافظة البيضاء ]
يتعرض الصحفيون في اليمن منذ بداية الحرب عام 2015 لمختلف أشكال الانتهاكات دون أن تتحرك أي جهة لإيقاف ذلك، وتكتفي أغلبها بإصدار بيانات التنديد والاستنكار لما يحدث فقط.
قتل منذ 2010 وحتى 2020 الجاري 44 صحفيا، وفق الاتحاد الدولي للصحفيين، بعضهم بسبب القتال المستمر في البلاد وآخرين من قِبل تنظيم القاعدة، دون أن يتم تقديم أي من الجناة إلى العدالة.
تصدرت جماعة الحوثي قائمة مرتكبي الانتهاكات بحق الصحفيين، فهي التي اعتقلت في ذلك العام 15 صحفيا، خرج منهم مؤخرا خمسة في صفقة تبادل الأسرى والمعتقلين التي تمت مؤخرا، بينهم هشام طرموم الذي يعيش أوضاعا صحية صعبة.
من بين الذي خرجوا أيضا من معتقلات الحوثيين، هو هيثم الشهاب الذي ذكر في منشور على صفحته بموقع فيسبوك أنه ظل خمس سنوات ونصف معتقلا، عانى خلالها من العنف والظلم والقساوة ما يكفي، مؤكدا تعرضه للتعذيب بالهراوات والأسلاك الشائكة لتعطيل قدراتهم الحية وقواهم هو وزملائه.
أما الصحفي أحمد حوذان الذي ظل معتقلا لدى الحوثيين لمدة سنة، فقد تعرض للتعذيب النفسي والجسدي كالصفع والركل والضرب والتعليق، مطالبا من خلال صفحته على فيسبوك بمحاسبة كل من انتهك حقا من حقوقه كصحفي.
معاناة في مختلف الظروف
كما هو معروف فوضع الحريات الصحفية لم يكن أحسن حالا قبل الحرب، ولذلك يؤكد الصحفي والحقوقي همدان العليي أن الوضع الذي يعمل فيه الصحفي صعب دوما في اليمن، ولا توجد وسائل لحمايته.
وأوضح لـ"الموقع بوست" أنه يفتقر الصحفي في اليمن -خاصة في العمل الاستقصائي- للحماية رغم أنه يقوم أحيانا بمهام مشابهة لما يقوم به من يعمل في البحث الجنائي وغيره.
إضافة إلى ذلك، يستغرب العليي من أن الصحفي يقول ما يقوله القائد السياسي، وبرغم ذلك فالثاني لديه حماية خاصة ووسائل أخرى تضمن له حياة كريمة، أما الأول فلا يملك شيئا.
وخلال فترة الحرب زاد وضع الصحفي بؤسا سواء كان داخل البلاد وتحديدا في مناطق سيطرة الحوثي أو خارج البلاد، فهو -وفق العليي- محروم من العمل والكلام ويتعرض للتحريض والتشويه، والقتل، والتعذيب، والاختطاف، ويعد أكبر عدو للحوثيين وغيرهم من الجماعات.
وأضاف "تم تهجير كثير من الصحفيين إلى خارج بلادهم بعدما تعرضوا لانتهاكات كثيرة، وأغلبهم ليس لديهم دخل، ومحرومون من العودة إلى اليمن واللقاء بأهلهم"، مؤكدا أن كل المعاناة ناتجة عن ممارسات يقوم بها أشخاص وجماعات أفلتوا من العقاب، وذلك ناتج أيضا عن عدم وجود قانون ودولة، ولن يتم معاقبة المنتهكين بحسب قوله إلا بعد استعادة الدولة.
تجاهل ولا مبالاة
ويبدو كذلك الصحفي عبد الرزاق العزعزي فاقدا للأمل بشأن تحسن أوضاع الصحفيين، فهو لا يعتقد أن الصحفي بإمكانه أن يأخذ حقه، "فلا مؤشرات لدينا بقيام دولة تقوم بمنح كافة المواطنين حقوقهم".
وتساءل في معرض حديثه مع "الموقع بوست": كيف يمكن للصحفي إذن أن يأخذ حقه ممن انتهك حقه وقد تكون الدولة ذاتها مسؤولة عن ذلك؟
ويرى العزعزي أن ما يشجع على الإفلات من العقاب، هو التجاهل واللامبالاة من المعنيين بإنفاذ القانون.
هموم مختلفة
ويشكو الصحفي خليل المليكي من تردي أوضاع الصحفيين خاصة مع استمرار الحرب، سواء من الناحية الأمنية والملاحقة أو الاقتصادية.
وشرح ذلك لـ"الموقع بوست" قائلا: "الصحفي تتم ملاحقته، وكثير من المؤسسات الإعلامية لا تمنح الصحفي حقوقه كاملة، بل إن بعضها تمنعه حقه تماماً".
وفي ظل هذا الوضع، يستبعد المليكي أن يتمكن الصحفي من أخذ حقه، أو يحظى به، بسبب غياب الدولة.
وتابع "مشكلة الصحافة وحقوق الصحفي اليمني أنه لم يحظَ بها يوما من الأيام ولن تحقق في المستقبل القريب إلا إذا كان هناك كيان جامع للصحفيين ككل وبأطيافهم المختلفة هذا الكيان يعمل على تبني قضاياهم، أما بوضعهم الحالي وشتاتهم فلن يحصل الصحفي على حقه".
ولفت إلى اهتمام باقي دول العالم بالصحافة والصحفيين وحمايتها لهم، بعكس اليمن التي يعد فيها من يعمل في هذا الحقل، هو الحلقة الأضعف، وخاصة إذا كان صحفيا مجردا لا يستند على قبيلة أو حزب أو ما شابه.
وقال المليكي إن الصحفي كانت تطاله وما تزال الانتهاكات لكن كثيرا ممن يقوموا بمثل تلك الممارسات يفلتون من العقاب لكونهم وزراء أو وجاهات وغيره، وخلال سنوات الحرب يتم ارتكاب أفظع الجرائم بحق الإعلاميين، دون وقفة من المنظمات الدولية أو الحقوقية، وهو ما شجع على استمرار تلك الجرائم.
إضافة إلى ذلك، يُبدى المليكي مخاوفه من أن يكون هناك تسوية سياسية يوما ما، تُمحى معها كل الملفات ويضيع حق عشرات الصحفيين الذين عانوا من تلك الانتهاكات.
أخذ الاحتياطات اللازمة
وبسبب الوضع الحالي الصعب في اليمن، يذكر الصحفي محمد السامعي أن بلادنا تمر بمرحلة صعبة وبائسة فيما يتعلق بحرية الصحافة والصحفيين، سنوات هي الأسوأ في تاريخها فيما يتصل بحرية الرأي والتعبير وحياة الصحفيين والإعلاميين.
وتطرق في حديثه لـ"الموقع بوست" إلى واقع العمل الصحفي الذي قال إنه أصبح بعيدا عن الأمن والاستقرار، فهناك عشرات لقوا حتفهم خلال سنوات الحرب، فيما مئات الإعلاميين تعرضوا لانتهاكات بينها الاعتقال التعسفي والاعتداء والتهديد بالقتل وفقدان الوظيفة وغيرها من المآسي.
ومن وجهة نظر السامعي فمن الصعوبة أن يأمن الصحفي على حياته بشكل مطلق في ظل استمرار الحرب، فهو معرض لقذيفة هنا أو نيران هناك أو أي انتهاك، لكن من المهم جدا الحرص على السلامة الجسدية والنفسية، وذلك عن طريق البعد عن أماكن المواجهات، وأخذ الحيطة والحذر في التحركات والسفر، مع ضمان استمرار العمل المهني ليتم مواصلة الأمان المعيشي والنفسي.
وتتنوع الانتهاكات بحق الصحفيين حتى اللحظة، أما نقابة الصحفيين اليمنيين، فتذكر أن هناك عوائق كثيرة أمام محاكمة مقترفي الجرائم ضد الصحافة، منها أن الجهات المتورطة في الانتهاكات إما تتبع الدولة أو السلطات المتعددة للأطراف المتصارعة في اليمن، إضافة إلى حصول النظام السابق على حصانة قضائية بموجب المبادرة الخليجية، وهي في الوقت ذاته تؤكد أن ملاحقة مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين لن تسقط بالتقادم.