[ ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ]
تمضي الأحداث في اليمن بشكل بطيء، لكن التغييرات التي تحدث طوال أكثر من خمس سنوات، تكشف عن الخطوط العريضة لمستقبل البلاد التي باتت مفككة أكثر من أي وقت مضى.
في الشمال، تسيطر جماعة الحوثي على أغلب المحافظات فيه ما عدا بعض المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة اليمنية، وفيها تندلع معارك متقطعة من حين لآخر، لم تكن تغير كثيرا من المشهد سابقا، لكنها أصبحت مؤثرة خاصة بعد إسقاط الجوف.
أما في الجنوب، فمنذ تحرير المحافظات التي كانت خاضعة لسيطرة الحوثيين، تلاشى فيها كثيرا تواجد الحكومة، وحضر بدلا منها وكلاء دولة الإمارات العربية المتحدة التي تتقاسم النفوذ هناك مع المملكة العربية السعودية.
وبين كل هذا وذاك، تنعقد العديد من جلسات التفاوض برعاية إقليمية أو دولية، وجميعها زادت ملف اليمن تعقيدا، وجعلت أطرافا ثانوية لاعبا رئيسيا في المشهد، وبرزت مواقف دول كبرى داعمة للحوثيين.
فيما تستمر الرياض بالعمل على تحقيق أجندتها بمد أنابيب النفط لتتمكن من تصديره ذهبها الأسود عبرها، أما أبوظبي فهي تمضي بوتيرة عالية على تحقيق أطماعها بعد سيطرتها على أغلب المواقع الساحلية والجزر والموانئ، بينما يقوم الحوثيون بتعزيز تواجدهم وتعميقه في محافظات الشمال.
أهداف التحالف الخفية
يبدو ما يحدث في اليمن مثيرا للتساؤل، خاصة مع تراجع السعودية عن أهداف "عاصفة الحزم" التي أعلنت عنها، فلم تعد تكرس كل قوتها لحرب الحوثيين، وهمشت دور الحكومة اليمنية بشكل لافت، خاصة في الجنوب الذي رعت فيه الرياض اتفاق الرياض أواخر 2019، والذي لم يتم تنفيذه حتى اليوم.
ويقول المحلل السياسي ياسين التميمي تعليقا على ذلك، إن السعودية يبدو أنها ليست في عجلة من أمرها لتنفيذ اتفاق الرياض وآلية التسريع التي أعلنت عنها.
أما سبب ذلك فيرى في تصريحه لـ"الموقع بوست" أنها كانت حريصة على تثبيت ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" لاعبا أساسيا في الساحة الجنوبية، وقادرا على التحكم بالقرار السياسي والأمني، ولديه القدرة على أن يواجه نفوذ الشرعية ويتغلب عليها.
وتم ذلك -وفق التميمي- بدعم إماراتي سعودي واضح، والهدف هو أن تمضي الأمور باتجاه خلق شرعية جديدة، يكون الانتقالي هو المتحكم فيها.
ولذلك، تتعرض الشرعية لمزيد من الضغط والإضعاف كما نلاحظ اليوم، كما يشير المحلل السياسي اليمني.
وبخصوص طريقة تعامل السعودية مع الحوثيين الذين تقدموا سابقا في بعض الجبهات الحساسة كالجوف برغم ما يشكله ذلك من خطر حقيقي يهدد أمن الرياض، يعتقد التميمي أن المملكة تركت لهم الفرصة لممارسة الضغط على الشرعية في الشمال للوصول إلى الهدف ذاته.
ويتمثل الهدف بإنهاء الشرعية التي بررت التدخل العسكري السعودي، بما يمهد لإنجاز تسوية تحقق المصالح الإستراتيجية للمملكة، وتعفيها من التزامات كبيرة تجاه خسائر الحرب التي منيت بها اليمن، بحسب التميمي.
صمت حكومي
وبرغم الأحداث المصيرية التي حدثت في اليمن طوال سنوات الحرب، لم تتحرك الحكومة بشكل جدي لإيقاف كثير من العبث الحاصل، برغم أنها الطرف الذي يجب أن يكون مؤثرا بشدة في المشهد اليمني.
ويفيد الصحافي كمال السلامي في تفسيره لذلك، بأنه ومنذ البداية كانت ولا تزال مشكلة اليمن في عدم وجود حكومة وطنية تلبي طموحات الناس، وتعالج قضاياهم بتجرد، بعيدا عن الإملاءات والاستقطابات الداخلية والخارجية.
وقال في حديث لـ"الموقع بوست": "اليوم تتكرر نفس المشكلة التي تسببت في سقوط الدولة بيد الحوثيين قبل ستة أعوام، وحكومة اليوم هي الأسوأ في تاريخ اليمن، سواء من حيث فسادها وعجزها، أو خضوعها لإملاءات السعودية والإمارات".
وأضاف السلامي: "نحن أمام حكومة تم تفصيلها على مقاس الأطماع الإماراتية والسعودية، وهي تنصاع لتوجيهات سفير الرياض لدى اليمن محمد آل جابر ومندوب الإمارات، وهي حكومة تصريف أطماع، لا ينتظر منها أن تدافع عن سيادة أو تخوض حربا لاستعادة مؤسسات الدولة".
وإذا لم يكن هناك حكومة معبرة عن طموحات الشعب، ولديها استعداد لخوض معركة استعادة الدولة شمالا وجنوبا، فإن مشروع التقسيم هو البديل، وفق السلامي الذي أشار إلى العمل حاليا على ملشنة اليمن لتحل المليشيات محل الدولة، وبذلك تضمن الأطراف الفاعلة خارجيا عدم قيام دولة قوية في هذه الجغرافيا الهامة.
وإلى جانب تعقيدات المشهد السياسي، يدفع المواطن اليمني ثمن ما يجري، خاصة مع انهيار الوضع الاقتصادي وتراجع قيمة العملة المحلية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى أكثر من الضعف خلال الأيام الماضية.