[ مليشيات الانتقالي المدعوم من الإمارات تسيطر على مقر السلطة المحلية بسقطرى ]
بالتزامن مع الكشف عن مساعٍ سعودية لرأب الصدع بين الحكومة اليمنية ومليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، وتسريبات عن خطة جديدة لتنفيذ اتفاق الرياض المتعثر، نفذت مليشيا الانتقالي انقلابا جديدا لبسط سيطرتها على محافظة أرخبيل سقطرى.
فما دلالات التوقيت وتداعياته؟
ضغط سعودي جديد
يرى سياسيون استطلع "الموقع بوست" آراءهم أن توقيت انقلاب الانتقالي المدعوم إماراتيا في أرخبيل سقطرى أتى باتفاق بين الرياض وأبو ظبي وبإيعاز منهما لممارسة ضغوط جديدة على الرئاسة والحكومة اليمنية للقبول بتسوية يجري طبخها سيتم من خلالها تشكيل حكومة بالمناصفة والبدء بتنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض دون الشق الأمني والعسكري.
ويدلل السياسيون على ذلك بوضوح الموقف السعودي من تحرك الانتقالي المسلح والذي بلغ حد التواطؤ، إذ تخلت قوات الواجب السعودية عن التزاماتها وأخلت معظم مواقعها ونقاطها العسكرية وأفسحت الطريق لمليشيا الانتقالي للسيطرة على النقاط والإدارات الحكومية واستكمال سيطرتها على مدينة حديبو عاصمة أرخبيل سقطرى.
وقبل ذلك فقد عملت الرياض كجندي إطفاء للحرائق التي كانت تشعلها مليشيا الانتقالي بدعم إماراتي والتي بلغت حد انشقاق قوات اللواء الأول مشاة بحري التابع للحكومة، وأوقفت القوات الحكومية عن حسم وإنهاء التمردات في صفوف كتائب اللواء ولم تقم بواجبها برغم تنصل مليشيا الانتقالي عن معظم الاتفاقات مع السلطة المحلية والتي تعهدت بها برعاية سعودية.
ورغم بلوغ ممارسات وعبث مليشيا الانتقالي حد الإضرار بأهالي الأرخبيل وتهديد أمنه واستقراره،الأمر الذي سيقود لإخراجه من قائمة التراث العالمي، إذ أقدمت أمس الجمعة مليشيا الانتقالي على شن قصف عنيف بالأسلحة الثقيلة على مدينة حديبو للمرة الأولى في تاريخ الأرخبيل، وبرغم ذلك فإن الرياض لم تقم بإيقاف القصف أو حماية الأهالي كما هي مهمتها التي تزعم انها جاءت من أجلها.
تفاهم إماراتي إيراني
يرى كثير من المراقبين والمحللين السياسيين أن انقلاب سقطرى وقبلها عدن، يأتي في إطار تفاهمات إماراتية إيرانية لتقسيم اليمن إلى شطرين.
وفي هذا السياق، أكد المحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي أن التهاون في مواجهة مخططات تقسيم اليمن واستكمال مخطط إيران بتعزيز الحوثي بالشمال وقوى أخرى بالجنوب مشابه لما حصل من غزو للعراق الذي أدى إلى الإخلال بموازين القوى بالمنطقة ومحاصرة السعودية.
في حين يقول المغرد السعودي عبد الله الشهراني إن ذلك يأتي وفقا لتخطيط إيراني إماراتي لتقسيم اليمن، مشيرا إلى أن الهدف من ذلك أن تجد إيران لها موضع قدم في اليمن وبدعم إماراتي.
وأكد أن ذلك يمثل خطرا على السعودية إذ يجعلها بين كماشتين من الشمال والجنوب.
واختتم الشهراني تغريدته بالقول إن السؤال المحير: ما هي الصفقة التي عقدتها الإمارات مع إيران لتقسيم اليمن؟ هل هي بتسليم الجزر أو تقاسم اليمن عن طريق داعش الجنوب وحوثيين الشمال؟.
دلالات أخرى
وعلى الصعيد ذاته، الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبد الغني الماوري يقول إن تحركات المجلس الجنوبي الانتقالي في سقطرى حظيت بدعم إماراتي كامل، وبتغطية سعودية، وهو الأمر الذي قال إنه يطرح تساؤلا حول جدوى وجود قوات سعودية في الجزيرة، إذ يتمثل دورها في حماية الشرعية والنظام العام هناك إثر الأزمة التي نشبت بين الإماراتيين والشرعية اليمنية في أبريل ومايو 2018.
تعويض خسارة
وعن دلالات السيطرة على سقطرى، قال المحلل السياسي اليمني عبد الغني الماوري لـ"الموقع بوست" إن الإمارات تريد تعويض خسارتها في ليبيا بنصر في أي مكان، وقد وجدت أن اليمن هو المكان المناسب، بالإضافة إلى أن السيطرة على سقطرى سوف يرفع من منسوب معنويات أتباعها في الداخل اليمني بعد مجموعة من الإخفاقات السياسية والعسكرية.
ويشير الماوري إلى دلالة أخرى ممثلة بوجود ثأر شخصي لدى محمد بن زايد مع محافظ محافظة سقطرى رمزي محروس الذي قاوم الهيمنة الإماراتية على الجزيرة.
تداعيات أخرى
ويؤكد الماوري أن السيطرة على سقطرى وقبلها السيطرة على الأموال التي كان من المفترض أن تودع في البنك المركزي سوف يدفع المجلس الانتقالي لمزيد من الخطوات باتجاه السيطرة على شبوة وحضرموت، خصوصا في ضوء وجود محافظ محافظة حضرموت فرج البحسني في أبوظبي راعية المجلس الانتقالي.
ويضيف الماوري أن خروج سقطرى من يد الشرعية وعدم قيام السلطة الشرعية بواجباتها تجاه ما حدث، سوف يسهم في إحباط الشخصيات والقبائل الموالية للشرعية.
مؤامرة
في حين اعتبر رئيس الوزراء اليمني السابق ومستشار الرئيس هادي أحمد عبيد بن دغر أن الهدف مما يجري هو تقسيم اليمن. وقال إن الأمر لم يعد خافياً على أحد، مؤكدا أن أهداف التحالف في اليمن قد تغيرت وتبدلت.
وبين بن دغر أن الحوثيين لم يعودوا في هذه المواجهة في اليمن سوى تكتيك يتم به خلط الأوراق وتمرير مشروع التقسيم.
وخاطب المملكة السعودية بالقول "لم تعد مواجهة مخططات إيران للسيطرة والهيمنة على المنطقة عبر السيطرة على أجزاء من اليمن أمراً يهمكم، رغم ارتباطها الوثيق بأمنكم وأمن المنطقة".
وكشف بن دغر عن وجود مؤامرة تعصف باليمن، وتمس بصورة وثيقة وحادة أمن الأمة. وقال إن الحوثيين بدؤوها بجريمة لا تغتفر، ويكمل مخططها بعضاً منّا.
وعن نتائج المؤامرة قال بن دغر إن "أولى نتائجها دولة إيرانية الولاء والنهج والهدف في شمال اليمن، ودولة أو دويلات هزيلة ضعيفة مسلوبة الإرادة والكرامة في جنوب اليمن".
خذلان آخر
وكشف انقلاب سقطرى عن خذلان جديد للسلطة الشرعية والسلطة المحلية وأبناء الأرخبيل، فالسلطة المحلية تخوض منذ عامين صراعا مستمرا مع مليشيا الانتقالي المدعوم إماراتيا دون أن تحرك الشرعية ساكنا لدعم السلطة المحلية.
كما أن الحكومة اكتفت ببيان وصف بالهزيل، بينما التزمت الرئاسة اليمنية الصمت وكأن الأمر لا يعنيها.
وقال محافظ سقطرى رمزي محروس إن "السلطة المحلية وأبناء الأرخبيل تعرضوا للخذلان والصمت المريب ممن كنا ننتظر منهم النصرة"، في إشارة إلى السعودية.
بينما أكد شيخ مشايخ الأرخبيل عيسى السقطري عن تواطؤ سعودي واضح مع مليشيا الانتقالي، مطالبا الرئاسة والحكومة بالاستغناء عن التحالف العربي الذي قال إنه اتضح أنه لم يأتي لدعم الشرعية بل لتنفيذ مخططات أخرى.
تداعيات
طوال العقود الماضية ظل أرخبيل سقطرى بعيدا عن أي صراعات مسلحة، كما هو حال أهالي سقطرى المسالمين، فهي المحافظة الوحيدة التي لا يمتلك أبناؤها أي قطع سلاح ونظرا لما يمثله الأرخبيل من أهمية إستراتيجية وما يحتويه فقد أصبح ضمن قائمة التراث العالمي.
ومع تصعيد مليشيا الانتقالي فإن الأرخبيل بات مهددا بالدخول في دوامة الصراع المسلح وأحداث عنف ستؤثر بالتأكيد على أبناء الأرخبيل المسالمين وسيحدث شرخا اجتماعيا في أوساط المجتمع السقطري الذي عرف بالتعايش عبر مئات السنين، إذ يتوقع أن تقوم مليشيات الانتقالي بحملات تصفية واختطاف للمعارضين لها من أبناء الأرخبيل، كما حدث في معظم المحافظات الجنوبية التي سيطرت عليها بقوة السلاح وبدعم إماراتي.
والأخطر من ذلك أن الصراع المسلح وأحداث العنف تهدد بخروج الأرخبيل من قائمة التراث العالمي.