[ هل يدفع الرفض الإقليمي "الانتقالي" إلى التراجع عن إعلان "الحكم الذاتي" ]
قوبلت الخطوة الأخيرة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا والمتمثلة بإعلان حالة الطوارئ وتفعيل الحكم الذاتي للمحافظات الجنوبية التي يسيطر عليها، قوبلت برفض وتنديد محلي وإقليمي واسعين.
على المستوى المحلي أعلنت السلطات المحلية في ست محافظات جنوبية هي شبوة وسقطرى وحضرموت والمهرة وأبين ولحج رفضها لخطوات الانتقالي وتأييدها لشرعية الرئيس عبدرربه منصور هادي.
وجوبه إعلان "الانتقالي" برفض من قبل الحكومة الشرعية التي قالت إن إعلان "الإدارة الذاتية" لجنوب اليمن نسف للجهود المبذولة لتطبيق اتفاق الرياض ومعالجة تداعيات التمرد المسلح الذي وقع مطلع أغسطس/آب الماضي.
وحمّلت الحكومة -في بيان لها- "الانتقالي" وقادته الموجودين في أبو ظبي المسؤولية الكاملة عن عدم تنفيذ اتفاق الرياض، ودعت التحالف العربي إلى تحمُّل مسؤولياته التاريخية تجاه وحدة اليمن وسلامة أراضيه.
بالتزامن، أعلنت عدد من المكونات الجنوبية رفضها لإعلان "الانتقالي" أبرزها: الائتلاف الوطني الجنوبي ومكونات أخرى في الحراك السلمي الجنوبي.
رفض إقليمي
وعلى المستوى الإقليمي، أعلن التحالف العربي في بيان له ضرورة إلغاء أي خطوة تخالف اتفاق الرياض، مشيراً إلى اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ الاتفاق الذي يمثل الإطار الذي أجمع عليه الطرفان (الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي) لتوحيد الصفوف وعودة مؤسسات الدولة والتصدي لخطر الإرهاب.
وقال التحالف إن المسؤولية تقع على الأطراف الموقعة على الاتفاق لاتخاذ خطوات واضحة باتجاه تنفيذ بنود الاتفاق، ووقف أي تحركات تصعيدية.
من جانبه، دعا مجلس التعاون الخليجي للعودة إلى الوضع السابق وتنفيذ اتفاق الرياض.
بدوره، أعرب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث عن قلقه بسبب إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا تفعيل الإدارة الذاتية وحالة الطوارئ في المناطق التي يسيطر عليها في جنوب اليمن.
وقال غريفيث -في بيان صحفي- إن تحول الأحداث الأخير في عدن مخيّب للآمال خاصة أن المدينة ومناطق أخرى في الجنوب لم تتعافَ بعدُ من السيول الأخيرة وتواجه خطر جائحة كورونا.
ودعا غريفيث إلى الإسراع في تنفيذ اتفاق الرياض الذي ينص على مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في المشاورات بشأن الحل السياسي النهائي لإنهاء الصراع في اليمن، داعيا جميع الفاعلين السياسيين للتعاون بحسن نية والامتناع عن اتخاذ إجراءات تصعيدية.
فهل سيفضي هذا الرفض المحلي والإقليمي إلى تراجع المجلس الانتقالي عن خطواته والعودة لتنفيذ اتفاق الرياض الموقع مع الحكومة الشرعية في الرياض قبل خمسة أشهر أم أن سيناريوهات أخرى تنتظر المحافظات الجنوبية؟
يؤكد سياسيون استطلع "الموقع بوست" آراءهم أن المجلس الانتقالي لم يعلن خطواته إلا بعد إيعاز إماراتي ورضى سعودي وبالتالي يُتوقع أن يمضي الانتقالي في تطبيق خطواته.
عودة لاتفاق الرياض
قوبلت دعوة الانتقالي للمملكة العربية السعودية بتأييد إعلانه الأخير بالرفض من قبل المملكة التي أكدت -وفقا لبيان التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن- أن الخطوة غيرر مبررة ومستغربة.
ودعت المجلس الانتقالي والحكومة إلى الشروع في التنفيذ الفوري لاتفاق الرياض وعودة الوضع في عدن إلى ما كان عليه سابقاً.
وبالنظر إلى توتر العلاقة بين الرياض و"الانتقالي" خلال المدة الماضية، فإن الرياض تبدو غير راضية عن أداء وتصرفات المجلس الانتقالي، فقد سبق أن واجه الانتقالي -الذي يستند على دعم أبو ظبي- بعض خطوات الرياض بالرفض كما هو الحال في رفضه لدخول قوة جديدة لمطار عدن وتسليمه لها ورفض دخول قوات حكومية بمعية مندوب سعودي إلى عدن، إلى جانب التصعيد الإعلامي للانتقالي ضد الرياض.
وبالنظر إلى تحكم الرياض بكل قدرات الانتقالي بعد انسحاب أبو ظبي من عدن وخشية الإمارات من مواجهة الرياض نظرا لما يربط البلدين من مصالح، فإن المتوقع أن تمارس أبوظبي ضغطا على الانتقالي بإيعاز من الرياض التي بدورها ستقوم بالضغط على المجلس الانتقالي للعودة إلى تنفيذ اتفاق الرياض.
يعاضد هذا السيناريو سماح الرياض وخشيتها على مكانتها وسمعتها التي أصبحت على المحك في حال فشل الاتفاق الذي قامت برعايته بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي.
جموح الانتقالي
وعلى العكس من ذلك، يواصل المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا خطواته بتنفيذ ما أعلن عنه من حالة الطوارئ والحكم الذاتي، فقد أقدم على السيطرة على عدد من مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن، وأغلق محلات الصرافة فيها حتى ينظر فيما سماه بالإجراءات التي سيتم اتخاذها في هذا الجانب.
وعلى صعيد التحرك العسكري لا يزال الانتقالي بدعم إماراتي يخوض حربا مع السلطة المحلية للسيطرة على أرخبيل سقطرى.
ويتوقع أن يستمر الانتقالي في تنفيذ خطواته التي أعلن عنها على الأرض، في حين يراوغ بإعلان تأييده للرئيس هادي والتزامه باتفاق الرياض.
تراجع شكلي
يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبد الغني الماوري وجود سببين لقرار الانتقالي إعلان حالة الطوارئ والإدارة الذاتية، يتمثل الأول في الرغبة بالالتفاف على الاحتجاجات الشعبية التي تصاعدت في عدن بسبب تردي الخدمات العامة التي تفاقمت نتيجة السيول التي اجتاحت المدينة قبل أسبوع.
أما السبب الثاني -فيؤكد الماوري في حديث خاص لـ"الموقع بوست"- أنه يكمن في رغبة "الانتقالي" بتصعيد الموقف أملا في تنفيذ الجزء السياسي من اتفاق الرياض، وتجاهل تنفيذ الملحق الأمني في محاولة لتكرار سيناريو السلم والشراكة.
وأضاف الماوري أن "الانتقالي" يعتقد -وهو محق في ذلك- أنه سيكون في حال أفضل عندما يقوم بانقلاب عسكري مستندا على شرعية سياسية.
وعن السيناريوهات المتوقعة، توقع الماوري تراجعا شكليا لـ"الانتقالي" تمهيدا لمحاولة انقلاب جديدة.
ضعف حكومي
من جانبه، يقول المحلل السياسي اليمني عبد العزيز المجيدي أن موقف الحكومة اليمنية لم يكن بمستوى الخطر الذي تشهده البلاد، وجاء كتعبير عن حالة إذعان وخضوع للإملاءات السعودية.
وأبدى المجيدي استغرابه من موقف الشرعية اليمنية التي قال إنها -بعد كل ما جرى- لا تزال تمنح الدور الإماراتي التخرببي غطاء من المشروعية، ولا تزال تحتفظ بما وصفه بـ"العدو" في جلباب الحليف وكأنها مجبرة على تمرير هذه الأعمال التخريبة والعدوانية التي يتحمل تكلفتها الباهضة الشعب اليمني والبلد عموما وتواصل تهديد وجوده.
وقال المجيدي -في حديث خاص لـ"الموقع بوست"- إن الإمارات حتى اللحظة لا تزال تمول وتدعم الانقلابات والاضطرابات، مشيراً إلى أن المجزرة التي ارتكبتها بحق الجيش لا تزال طازجة بينما هي تصنع كل يوم مشكلة، وبغطاء من الرئيس الشرعي.
وتابع "يبدو أن الرئيس وطاقمه وكأنهم مجبرون على السماح بكل هذا العبث أو أنهم متواطئون مقابل فقط الاستمرار في سلطة اسمية تتمزق كل يوم وتوشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة".
وعن موقف التحالف العربي، قال المجيدي إن التحالف لن يدين نفسه، وعن بيانه الذي وصفه بـ"الهزيل" أكد أن التحالف يسخر من اليمنيين في بيانه الذي يمثل الإمارات العضو فيه، في حين أنها هي التي أدارت تحركات الانتقالي منذ 10 أغسطس 2019 وحتى اللحظة.
وأوضح المجيدي أن إعلان الانتقالي جاء من أبوظبي وأحاطته الإمارات بحملة إعلامية كبيرة مرافقة ثم بعد ذلك يأتي بيان التحالف ليعرب عن استغرابه من الخطوة ويطالب بتنفيذ اتفاق الرياض.
وعن الدعوة لتنفيذ الاتفاق، يرى المجيدي أن الشق الذي تهتم له الرياض وأبوظبي من الاتفاق هو ذلك الذي يتعلق بشرعنة انقلاب الانتقالي، لافتاً إلى وجود إشارات واضحة من خلال الحديث عن ضرورة صدور قرارات رئاسية بتعيينات لتمكين أبوظبي من حصتها في المحافظات الجنوب بشكل رسمي وتمرير انقلاب 10 أغسطس.
تكرار سيناريو صنعاء
وعن السيناريوهات المتوقعة، يرى المحللل السياسي المجيدي أن معطيات 5 سنوات من أداء الشرعية وتجاربها تقول إن اليمن بصدد تكرار ذات الكوارث التي أنتجتها سلطة هادي، مشيراً إلى أن البلد بات في مأزق حقيقي الآن، حيث يبدو الرجل الأول في الشرعية في حالة تبلد تام وغير قادر على الاستجابة للتحديات والمخاطر التي يغرق فيها البلد يوميا، بل إنه أضحى شريكا في صناعتها.
ويعتقد المجيدي أن التحالف العربي يسعى الآن لشرعنة تلك الإجراءات بالضغط على الرئيس لإصدار قرارات تعيين تمكن الإمارات من السيطرة، وهو الشق السياسي من اتفاق الرياض بعد تعطيل كل البنود المتصلة بالترتيبات العسكرية والأمنية.
وأكد أن الأمر سيجري كما حدث في صنعاء في 2014، حيث يجري حالياً استنساخ انقلاب جماعة الحوثي الذي جرى شرعنته بواسطة اتفاق السلم والشراكة وكان بوابة التهام كل شيء.