في نهاية مارس/آذار 2015، شنت قوات تحالف خليجي بقيادة السعودية، حربها على قوات الحوثيين باليمن، الذين سيطروا على معظم مقدرات الدولة اليمنية، وتولوا إدارة مؤسساتها، مما شكل تهديداً لأمن الخليج من وجهة نظر السعودية وحلفائها.
ولا يغيب عن أحد، أن الحرب على الأرض اليمنية، تمثل صراعاً واضحاً بين تحالف الخليج من جهة بقيادة السعودية، وإيران من جهة أخرى.
ويمتلك الطرفان ثروة نفطية، تتجدد عوائدها -بغض النظر عن انهيار أسعار النفط- بينما يدفع اليمن ثمناً غالياً من ثروته البشرية، ما بين قتيل ومصاب ونازح، أو خسارة موارده الاقتصادية الضئيلة، وكذلك خسارة رهان الثورة اليمنية التي اندلعت في مطلع عام 2011، وكانت ترجو تقدماً اقتصادياً ينتشل شعبها من التخلف والفقر، ويصنع لشبابها الأمل.
تشير بيانات الأمم المتحدة، بفقدان 32.2 ألف فرد لأرواحهم منذ اندلاع الحرب باليمن في مارس/آذار 2015.
ولكن بعد مضي ما يزيد عن 10 أشهر من بدء هذه الحرب، لم تحسم الآلة العسكرية المعركة، لصالح أحد الطرفين، فما زالت قوات الحوثيين موجودة رغم تقهقرها في مناطق عدة، وبخاصة في عدن، مما مثل فرصة لعودة رئيس الدولة هادي منصور –الذي عزله الحوثيون بعد استيلائهم على السلطة-.
المزيد من المشردين
وتضرر الاقتصاد اليمني بشكل كبير نتيجة هذه الحرب، التي أثرت على مقدراته الاقتصادية المتواضعة، ويصنف اليمن ضمن الاقتصاديات الأشد فقراً في العالم، حتى قبل الثورة اليمنية في فبراير 2011.
ومن شأن استمرار حالة الحرب خلال المرحلة المقبلة، أن تشهد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزيد من السوء، فبيانات مركز المعلومات للأمم المتحدة، توضح أن هناك نحو 21.2 مليون شخص في اليمن، أي 82% من السكان، بحاجة إلى نوع من المساعدات لسد متطلباتهم الأساسية في عام 2016. وأن عدد النازحين يزداد في ظل عدم الحسم العسكري، إذ تقدر الأمم المتحدة أعداد النازحين في نوفمبر/تشرين 2015، بنحو 2.3 مليون شخص، استطاع منهم 121 ألفاً النزوح خارج الحدود اليمنية.
وسيستمر نزوح اليمنيين بسبب استمرار الحرب المفتوحة هناك، دون حسم من الطرفين، أو اللجوء للحلول السياسية، سواء للداخل أو الخارج، ومما يساعد على قلة النزوح للخارج، نقص الأموال لدى اليمنيين، الذين ينتشر بينهم الفقر بشكل غير طبيعي، وقد عمقت من فجوته الحرب.
أما النازحون في الداخل، فإنهم يسايرون أمور حياتهم بشكل تنقصه الكثير من متطلبات الحياة الكريمة، من رعاية صحية، أو مياه صالحة للشرب، فضلاً عن السكن والتعليم، لأن النازحين ينصب اهتمامهم الأول على الفرار من الموت، الذي يحيط بهم من كل جانب.
تراجع كبير
رصدت توقعات صندوق النقد الدولي، في تقريرها "آفاق الاقتصاد الإقليمي .. منطقة الشرق الأوسط وآىسيا الوسطى" أن الناتج المحلي الإجمالي باليمن سوف يتراجع بنسبة 28.1% خلال عام 2015. وسبب هذا التراجع عدة أمور، أبرزها استمرار الحرب المسلحة، وتدميرها للعديد من منشآت البنية الأساسية في اليمن.
وكذلك نقص إنتاج اليمن من النفط، والذي قدرته منظمة "الأسكوا" في تقرير لها بعنوان "مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية 2014/2015" بنحو 70 ألف برميل يومياً في عام 2015، بعد أن كان 111 ألف برميل في عام 2014، ونحو 190 ألف برميل في 2011.
ومما يزيد من أزمة إنتاج النفط في اليمن، توقف الإنتاج في بعض المناطق بسبب تداعيات الحرب، وقد رجحت وسائل الإعلام توقف إنتاج النفط في اليمن في النصف الثاني من عام 2015.
وتوضح أرقام "الأسكوا" أن عوائد الصادرات النفطية باليمن تراجعت إلى نحو 700 مليون دولار فقط في عام 2015، بينما كانت هذه الحصيلة في عام 2014 نحو 4.5 مليار دولار، وفي عام 2011 كانت بحدود 7.7 مليار دولار. وتظهر هذه الأرقام مدى الضرر الذي لحق بالاقتصاد اليمني نتيجة الحرب.
فكون الاقتصاد اليمني يفقد نحو 4 مليارات دولار من صادراته، التي تعتمد على النفط بشكل كبير، في عام واحد، فمن الطبيعي أن يكون هناك عجز كبير في موازين التعاملات الخارجية لليمن، لذلك ارتفع العجز بالحساب الجاري اليمني كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 5.3% في عام 2015، بعد أن كان 1.7% في عام 2014، وذلك حسب بيانات صندوق النقد الدولي.
وإذا ما استمرت آلة الحرب في اليمن، فيتوقع ألا تكون هناك أية عوائد لصادرات النفط، بسبب غياب الاستثمارات في قطاع النفط، وكذلك تعرض آبار الإنتاج لسيطرة القبائل، والقوى العسكرية المتناحرة هناك.
وفي ظل هذه الأرقام، يصبح الحديث عن معدلات البطالة والفقر، غير ذي جدوى، حيث إن مبعث هذه المؤشرات وهو تراجع الناتج المحلي، طبيعي في ظل انقسام مؤسسات الدولة بين الفريقين المتنازعين، وهي مؤسسات معطلة رغم استحوذ كل طرف على جزء منها.
اقتصاد الخوف
حتى المناطق التي تقع تحت سيطرة كل طرف، لا ينعم فيها المواطن اليمني بحياة اقتصادية طبيعية، فارتفاع الأسعار هو الأصل في كافة السلع القليلة المتداولة في السوق اليمني، ويقدر صندوق النقد الدولي معدل التضخم بنحو 30% باليمن في عام 2015.
ولم يقم أياً من الطرفين المتنازعين باليمن، بإعادة تأهيل المناطق التي يسيطر عليها، أو يعيد لمؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية دورها، مما يخفف عن مواطني اليمن أعباء العيش تحت قصف المدافع والطائرات.
وبعد انهيار العملة اليمنية لتصل نحو 270 ريال للدولار، وتهاوي احتياطي النقد الأجنبي بنهاية 2015، ليصل نحو 1.5 مليار دولار، سيكون معدل التضخم خلال عام 2016 أضعاف ما هو عليه الآن.
ومن الوارد في ظل غياب المسئولية الاجتماعية والاقتصادية، أن يتبخر احتياطي النقد الأجنبي، وتزداد الأمور سوءًا في اليمن، قد تفلح مساهمات إيران أو السعودية في ضخ مليارًا أو اثنين من الدولارات لدعم احتياطي النقد، ولكن هذا التصرف لا يليق باقتصاد دولة، وشعب يعاني من أزمات اقتصادية.
ونفاد احتياطي النقد الأجنبي في اليمن وارد بصورة كبيرة خلال عام 2016، ولنا أن نتخيل ما يلقيه هذا الأمر من تبعات على انخفاض قيمة العملة الوطنية، وما يتسبب فيه من ارتفاع معدلات التضخم.
ومن يعيش باليمن الآن، من تقعد بهم امكانياتهم الاقتصادية عن الفرار للخارج، أو المستفيدون من هذه الحرب اقتصادياً، أو السواد الأعظم الذي يدفع ثمناً غالياً من العيش في ظروف اقتصادية شديدة السوء.