[ التاريخ يعيد نفسه.. الحديث عن الإقصاء والهيمنة في عدن ]
قال الصحافي شفيع العبد إن رفض الآخر والنضال لشطبه من الخارطة السياسية نمط سلوكي لدى البعض في جنوب اليمن، انتجته تراكمات تاريخية لها علاقة بالاستحواذ والهيمنة المستندة لحالة نقص مركب، في إشارة منه إلى السياسة الإقصائية التي ينتهجها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً.
وأضاف العبد -في منشور بصفحته على فيسبوك- أنه "عند توقيع اتفاقية الوحدة كان هاجس حكام الجنوب وقتها إخوانهم من الطرف الخاسر حرب 86 المنفيين في صنعاء، واشترطوا إخراجهم من اليمن قاطبة وحرمانهم من ممارسة حقوقهم كمواطنين باعتبارهم خطر على الوحدة والديمقراطية".
وتابع "لم يكتفوا باشتراط إخراج الرئيس الأسبق علي ناصر، وأحمد مساعد، ومحمد علي أحمد، بل أضافوا إليهم الدكتور ناصر العولقي الوزير في حكومة الشمال، وأصروا على حرمانه من التواجد في حكومة الوحدة، رغم أنه (محسوب) على حصة الشمال لا الجنوب".
وأردف شفيع وهو وكيل وزارة الشباب والرياضة "هي ثقافة متراكمة أساسها نزوات الاستحواذ والهيمنة وفق لون جغرافي أكثر منه سياسي"، لافتا إلى أن المشهد يتكرر اليوم بطلب إخراج نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري ووزير النقل الجبواني من أي تشكيل وزاري قادم.
واستطرد قائلا "لا علاقة للأمر إذن بالقضية الوطنية جنوبا رغم بريق الشعارات والعناوين العريضة التي تدعي كل شيء، لكنها في حقيقتها ومضامينها لا تؤدي إلا إلى وادٍ واحد لا يقبل الشراكة ولا يغذي إلا نزوات الذات الأنانية المسكونة بعداء مطلق للآخر، لاحظوا أنه في كل مرة يتم التركيز على الأسماء للانتقام منها أكثر من التمسك بالأهداف والشعارات المرفوعة".
وختم شفيع منشوره بالقول "ليس للأمر هنا علاقة بالنبش في الماضي الأليم للتشفي بقدر ما هو للتذكير من منطلق أن التاريخ يمنحنا العبرة والعظة بصورة مجانية تحتاج قليلا من العقل حتى لا نعيده بصورة أكثر مأساوية".
رفض الآخر والنضال لشطبه من الخارطة السياسية نمط سلوكي لدى البعض انتجته تراكمات تاريخية لها علاقة بالاستحواذ والهيمنة...
Posted by شفيع العبد on Sunday, December 15, 2019
وأثارت تصريحات شفيع العبد ردود فعل متباينة بين أوساط السياسيين اليمنيين، حول تلك الوقائع ومقارنتها بما يدور اليوم في جنوب اليمن.
اعترف بالحقيقة
لكن الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، بنفسه أكد ما جاء به شفيع، وتحدث لأول مرة عن اشتراطات خروجه من العاصمة اليمنية صنعاء في العام 1990.
وأكد ناصر اشتراط القيادات الاشتراكية إخراجه والقيادات الأخرى من صنعاء مقابل إتمام الوحدة اليمنية.
وجاء الرد من علي ناصر موضحا بالقول: "العزيز شفيع.. ما ذكرته عن خروجي وخروج القادة الآخرين مؤكد تماما، بالنسبة لي فقد خرجت في يناير 1990 بعد الصفقة التي تمت بين العليين (علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض)".
وأضاف "أما الأخوة أحمد مساعد ومحمد علي أحمد وعبد ربه منصور هادي وعبد الله علي عليوة وأحمد عبد الله الحسني فقد استدعاهم الرئيس صالح إلى الرئاسة قبل إعلان الوحدة، وقال لهم إن الأخوة في عدن لن يدخلوا صنعاء وأنتم موجودين فيها ودفع لكل منهم 30 ألف دولار ليتوجهوا إلى الهند أو إلى مصر أو إلى أي بلد آخر، وبعدها سيقدم لهم المساعدة طالما هم في الخارج أو أنهم سيعودون بعد أن يرتب لهم الأمور في وقت لاحق".
وذكر أن محمد علي أحمد قال لصالح حينها: أنت تآمرت وفرطت بالرئيس علي ناصر وتخلصت منه وتريد الآن التخلص منا، فرد صالح بالقول: "أنت كاذب فأنا لم أتخلص من علي ناصر"، ليرد عليه محمد علي أحمد: بل أنت الكاذب، وكاد أن يؤدي ذلك إلى اشتباك لولا تدخل بعض العقلاء، حسب قوله.
واستطرد ناصر بالقول "عندما علمت بالمشكلة تواصلت من دمشق مع العميد علي محسن الأحمر وأخبرته أن يبلغ صالح بأنه إذا أصرّ على خروج الأخوة القياديين فإنني سوف أتخذ موقفا ضد هذا القرار الذي يهدد الوحدة الوطنية واليمنية، لأننا -وفق تعبيره- كنا شريكا أساسيا سياسيا وعسكريا وجماهيريا، وأن ذلك يتعارض مع الاتفاق الذي تم مع الرئيس علي عبد الله صالح قبل مغادرتي لصنعاء في يناير من عام 1990م".
واستدرك "أما محمد علي أحمد رفض الخروج من صنعاء واتصل بي في الساعة 12 ظهرا يوم رفع علم الوحدة 22 مايو 1990 وقال لي: إن كان هناك من يستحق التهنئة اليوم بالوحدة ورفع علمها فهو أنت وليس الآخرين، لأن اسمك ارتبط بالوحدة واتفاقياتها ودستورها وبأمن واستقرار اليمن".
وقال "أتذكر في ليلة 30 ديسمبر 1989 حينما كلف علي عبد الله صالح أحد الأصدقاء بإبلاغي بأن عليّ أن أغادر صنعاء، وبأن علي عبد الله صالح اتفق مع البيض على إخراجي من اليمن وإن علي أن أحزم أمتعتي وأرحل من صنعاء لأنهم لن يدخلوا صنعاء وأنا فيها".
يضيف ناصر "أحسست حينها أن علي اتخاذ قرار متوازن وغير متسرع لإخراج الموقف أمام عشرات الآلاف من الناس الذين كانوا ملتحقين بالقيادة الشرعية وأمام الملايين من أبناء شعبنا والأصدقاء والأشقاء والتاريخ". "وكتبت بيانين في الأول أعلنت تنحيّ عن العمل السياسي والثاني تشكيل حزب جديد بدلا عن الحزب الاشتراكي- القيادة الشرعية".
وختم علي ناصر رسالته بالقول "في الصباح التقيت بالرئيس علي عبد الله صالح في مقر القيادة العامة، وقلت له بأن رسالتك وصلت بشأن الصفقة التي تمت على حسابنا بخروجي من صنعاء. وإذا كان ذلك سيخدم الأمن والاستقرار في اليمن بعد الحروب التي مرينا بها فلا مانع"، مشيرا إلى أنه اشترط أربعة مطالب منها "إصدار بيان وتشكيل حزب سياسي جديد".
نكران وإقصاء
وفي السياق ذاته اعتبر أمين عام الحزب الاشتراكي السابق ياسين سعيد نعمان ما أورده شفيع بأنه غير صحيح، معللا أن تلك المعلومات سربها الرئيس السابق علي عبد الله صالح حينها بشكل مقصود للإساءة فقط وحينما بلغته أخبار من أن هناك تواصلا مع بعض قيادات 86.
في حين قال البرلماني اليمني علي عشال "أعتقد أن الصورة قد وضحت بعد التعليق الذي أرسله الرئيس الأسبق علي ناصر محمد حول حقيقة ما جرى".
وأضاف عشال "إذا كان من شيء يستحق أن نأخذ العبرة منه عندما نتذكر الماضي لنتعلم الدرس لا لننكئ الجراح".
وأردف البرلماني اليمني أن "أول درس هو أن عقلية الإقصاء والرغبة في الاستحواذ على تمثيل الجنوب وإنكار حالة التنوع السياسي وللأسف استحضار البعد المناطقي في كل محطة خلاف، فتلك الأمور كلها لعبت دوراً سلبياً في إجهاض مشروعنا الوطني في الجنوب من بعد الاستقلال إن لم يكن من قبله".
ولفت عشال إلى أن الأوضاع اليوم تسير على نفس المنوال والعقليات لدى كثير من الطبقة السياسية الجنوبية، لا زالت محكومة بنفس مفردات هذا الخطاب الذي أثبتت الأيام فشله ومدى كارثيته على المشهد الجنوبي.
تصحيح وقائع
وحول وجهة نظر البرلماني عشال واعترف ناصر -أحد المعنيين بحقيقة ما جرى- إلا أن نعمان يشير أن هناك فرقا بين النكران وتصحيح الوقائع، وقال إن "المسؤولية التي يحلو الحديث عنها تتطلب مسؤولية مقابلة في تصحيح الحقائق التي ترتبها سنوات من الخصومة والعزلة واستنفار كل أدوات التشويه التي يمارسها الناس ضد بعضهم".
اعترافات
بدوره أكد القيادي في الحزب الاشتراكي محمد علي أحمد، حقيقة ما كشفه الصحفي الجنوبي من معلومات حول اشتراطات الحزب مغادرتهم صنعاء لتنفيذ اتفاق الوحدة الموقع بين العليين.
وقال أحمد "ما تم قبل الوحدة بهدف طردنا من صنعاء بناء على طلب السلطة بما تسمى "الطغمة" حينها ونحن "الزمرة" وهي من مصطلحات الانقلابات بين الكتل السياسية للحزب الاشتراكي في الماضي مع الأسف، كل ما حدث صراع بين الأخوة في الحزب وهزم جزء منه سمي بمصطلحات سياسية كما يحلو للمنتصر".
وأضاف "لقد تحدث علي ناصر بما كان وفيه الكفاية، ولكن للدقة والتوضيح سأقول لك الحقيقة وشهودها على قيد الحياة عدا رمزها رحمه الله".
وتوالت ردود الفعل حول ما طرحه شفيع العبد ورد نعمان، بالحقيقة ومحاولة الأخير الهروب منها، إذ اعتبر الكثير أن الإصرار على الإنكار من قبل الكبار هو محاولة للتذاكي والتنصل من كوارث اقترفها المسؤولون والسياسيون في تلك المرحلة.
وذهب الغالبية من المعلقين للتأكيد على ما جاء به شفيع، خاصة بعد رسالة الرئيس الأسبق ناصر واعترافه بحقيقة ذلك، داعين ياسين سعيد نعمان للاعتراف بالحقيقة.