[ من اجتماعات مشاورات جنيف2 ]
لم تعقد الجولة الثالثة من المشاورات بين الأطراف اليمنية في الموعد الذي حددته نهاية الجولة السابقة بسويسرا (15-21 ديسمبر/كانون الأول)، بمنتصف يناير/كانون الثاني. فقبل أيام قليلة من بلوغ الموعد أعلن عن التأجيل حتى نهاية الشهر ذاته، إلا أن التطورات اللاحقة عقدت من إمكانية تحديد الموعد القادم قبل نهاية الشهر الجاري، بل وربما من فرصة أجرائها على المدى القريب..!
خلال الأسبوعين اللذين سبقا الموعد المحدد، نشط المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد في محاولة لتسهيل انعقاد الجولة في موعدها..وخاض في سبيل ذلك مباحثات مسبقة مع الأطراف المعنية (داخلية وخارجية): من طهران إلى أبو ظبي إلى الرياض إلى صنعاء.
وفي اليوم الذي قرر فيه مغادرة الرياض إلى صنعاء، في 9 يناير/كانون الثاني، عقد لقاءا مع جانب الحكومة اليمنية الشرعية في الرياض، انتهى إلى إعلان الحكومة اليمنية تأجيل جولة المفاوضات القادمة حتى نهاية الشهر، بسبب ما قالت أنه "تعنت طرف الانقلابيين".
وصل المبعوث الأممي صنعاء وظل فيها خمسة أيام، ليعود إلى الرياض مجددا دون إنجاز شيء يذكر، سوى المزيد من الاشتراطات الجديدة. الأمر الذي جعل البعض، بضمنهم مسئولون حكوميون، يتشككون حتى من إمكانية أن تنعقد المفاوضات القادمة ليس قبل نهاية الشهر الجاري فحسب، بل والشهر أو الأشهر القادمة، في ظل توسع الخلافات نتيجة عدم تنفيذ ميليشيات الانقلاب التابعة للمخلوع صالح والمتمرد الحوثي ما يسمى بـ"إجراءات بناء الثقة" المتفق بشأنها في الجولة السابقة، ونتيجة التطورات العسكرية الميدانية، وأيضا التطورات السياسية الإقليمية.
خلفية تفاوضية سيئة
كجولة المفاوضات الأولى (جنيف1)- يونيو/حزيران الماضي- انتهت الجولة الثانية بسويسرا (جنيف2) بالفشل. إلا أن المبعوث الأممي – كعادته - حاول تجنب تلك الحقيقة. وبدلا من ذلك، ذهب للحديث عن التوصل إلى اتفاقات وتفاهمات تمهد الطريق لإنجاح المفاوضات القادمة، كما جاء في بيانه الختامي (21 ديسمبر/كانون الأول)، والذي أكد فيه أن المشاركون أحرزوا "تقدما جديا من خلال تفعيل إطارا للمفاوضات من أجل تسوية شاملة، بالإضافة إلى مجموعة من التدابير ذات الصلة لبناء الثقة فيما يتعلق بإطلاق سراح السجناء والأسرى وتحسين الخدمات الاجتماعية وتحسين تدفق المساعدات الإنسانية إلى تعز والمحافظات اليمنية الأخرى".
وذكر البيان أيضا الاتفاق على إنشاء لجنة للتنسيق والتهدئة، تتألف من مستشارين عسكريين من كلا الجانبين وتشرف عليها الأمم المتحدة.
وفي اليوم التالي، أبلغ المبعوث الأممي مجلس الأمن إن مناقشات سويسرا "أفضت إلى تفاهم مشترك حول إطار تفاوضي من أجل إبرام اتفاق شامل لإنهاء النزاع واستئناف حوار سياسي يشمل الجميع"، مؤكدا أن الوفود اتفقت على "الاجتماع مرة أخرى في الشهر المقبل، باستخدام إطار مشترك سيساعدها على رسم إطار واضح وفعال نحو السلام وانتقال سياسي متفاوض عليه وشامل".
من أفشل اتفاقات الجولة الثانية؟
بعثت تلك التصريحات اطمئنانا كبيرا إذ أوحت أن الأمور باتت أسهل ما كان يعتقد، بحيث لم يتبقى سوى إجراءات تنفيذية بسيطة، وقد تم الاتفاق مسبقا على تنفيذها خلال الفترة المحددة بأقل من شهر، حتى منتصف يناير/كانون الثاني، موعد الجولة القادمة، التي هي الأخرى – بحسب المبعوث الأممي - قد تم الاتفاق على إطارها التفاوضي (جدول الأعمال) نحو اتفاق نهائي شامل لإنهاء النزاع.
لكن الأمور لم تسر على ذلك النحو التطميني، ومرت الأسابيع الثلاثة بشكل مغاير لما أعلنه المبعوث الأممي: لم يتقدم الانقلابيون خطوة واحدة نحو تنفيذ "إجراءات بناء الثقة" المتفق بشأنها: لم يطلقوا سراح المختطفين السياسيين والنشطاء؛ لم يرفعوا الحصار عن المدن المحاصرة (تعز بشكل خاص)؛ لم يسمحوا بتدفق المساعدات الإنسانية؛ حتى لجنة التنسيق والتهدئة، التي أعلن عن إنشائها في "جنيف2"، لم يعرف من هم أعضائها، ولا مصيرها؟.
بل أكثر من ذلك، لم تصمد تلك الاتفاقات المزعومة أكثر من يومين بعد إعلانها: فزعيم جماعة الحوثي نصح أنصاره، في خطاب له بمناسبة المولد النبوي، في 23 ديسمبر/ كانون الأول، بعدم الرهان على أحد بما في ذلك الأمم المتحدة، التي أتهم مبعوثها إلى اليمن بإيقاف مفاوضات سويسرا على أثر تلقيه اتصالا من السفير الأمريكي باليمن، ودعا الحوثي أنصاره إلى مواصلة التحرك الجاد والمسئول في التصدي للعدوان والمعتدين. في إشارة واضحة إلى رفض المفاوضات ومواصلة الحرب.
الرئيس المخلوع (صالح)، هو الأخر، ألقى خطابين متقاربين نسف فيهما تلك الاتفاقات المزعومة، الأول في 27 ديسمبر/كانون الأول، وطالب فيه أن يكون الحوار مباشرة مع السعودية، لا مع "المرتزقة" و "الفارين" (يقصد الرئيس هادي ومؤيديه)، وهدد السعودية بان معركته معها "لم تبدأ بعد"، إذا لم تنصاع للسلم والقبول بالحوار معها مباشرة.
والخطاب الأخر في 8 يناير/كانون الثاني، وتقدم فيه باشتراطات جديدة لمواصلة المفاوضات السياسية، تبدأ بإيقاف التحالف للقصف الجوي والحرب البرية؛ وفك الحصار عن اليمن؛ وانسحاب قوات التحالف، وتلك التي دربها، من الأراضي اليمنية؛ كما جدد شرطه السابق بأن يكون الحوار مباشرة مع النظام السعودي.
في الحقيقة، يمكن بسهولة اكتشاف أن ما أفضت إليه محادثات سويسرا الأخيرة، لم تكن سوى إجراءات تمهيدية توصل في النهاية إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن رقم (2216)، في الوقت الذي يمكن فيه التأكيد بسهولة – أيضا - أن تلك المطالب (الاشتراطات) الجديدة للانقلابيين، تعد التفافا واضحا على القرار الدولي، وهي في واقع الأمر لم تكن سوى مطالب إيران نفسها، الحليف الاستراتيجي للحوثيين، وصالح بعد تحالفه معهم. فقد حدد مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الخطوط العريضة لها، حين أكد - خلال الاتصال الهاتفي مع المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ احمد، في 25 ديسمبر/كانون الأول: "إن وقف دائم لإطلاق النار ورفع الحصار الإنساني المفروض على اليمن يعدان عاملان مهمان للتوصل إلى اتفاق شامل وكامل بين الفصائل اليمنية". طبقا لما نقلته وكالة أنباء فارس الإيرانية في حينه.
مصير الجولة القادمة
عقب عودة المبعوث الأممي من صنعاء إلى الرياض، التقى بالوفد اليمني للمفاوضات ليعرض عليه المطالب الجديدة للميليشيات الانقلابية. وخلال اللقاء حمل رئيس الوفد عبدالملك المخلافي، وهو أيضا وزير الخارجية اليمني، الميليشيات الانقلابية مسؤولية تأجيل استئناف المشاورات عن الموعد المتفق عليه، وعدم تحديد موعد جديد بسبب عدم التزام وفد الانقلابيين بتنفيذ ما تعهدوا به في الجولة السابقة واعتمادهم خطاباً تصعيدياً غير مسئول.
وتقول المعلومات إن الجانب الحكومي أبلغ المبعوث الدولي بأن وفده لن يذهب إلى المشاورات ما لم يلتزم الطرف الآخر باتفاق الإطار التفاوضي المتفق عليه بجولة سويسرا الأخيرة، والمتضمنة القيام بـ"إجراءات بناء الثقة"، وأن تكون المحادثات من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الأخير حول اليمن رقم (2216).
المبعوث الأممي، الذي يٌعتقد أنه تلقى "الصفعة" الثانية من طرف الانقلابيين، لمخالفتهم الاتفاقات الأخيرة التي تم التوصل إليها في سويسرا (الصفعة الأولى كانت بنكثهم الاتفاق المسبق معه الذي تم التوصل إليه خلال المشاورات التمهيدية بسلطنة عمان حول جدول أعمال الجولة الثانية بسويسرا)، برر فشله هذه المرة بنسف ما كان قد أعتبرها إنجازات وتقدما في جنيف2. حيث طالب التريث في الإعداد للجولة القادمة، مقرا بأن الجولة الماضية (جنيف2) "لفها التسرع، ونتج عنها بعض الأخطاء"، مضيفًا أنه يريد أن "يتفادى هذه الأخطاء في الجولة المقبلة".
وأكد: "لا نريد أن نتسرع في الجولة المقبلة..قد تسرعنا في الجولة الماضية، مما أدى إلى بعض الأخطاء، ونريد أن نحضر لجولة جديدة بطريقة مغايرة". وعلى ما يبدو أنه حرص أيضا على عدم تحديد موعدها إلا بعد التوصل إلى حلحلة كافة القضايا المستحدثة.
تحديات داخلية واقليمية
إن التخلص من تلك التحديات المستحدثة لن يكون سهلا، فيما قد يعقد أكثر من فرص الحلول السياسية، تلك التطورات العسكرية الميدانية، حيث تحقق القوات الداعمة للشرعية تقدما مطردا على كافة الجبهات، أهمها الجبهات الشرقية والشمالية والغربية (مارب- الجوف- صعدة- حجة – صنعاء)، كما أن معركة تحرير "تعز" – وسط جنوب البلاد، تقترب كثيرا بعد الإعلانات المتكررة عن قرب الانتهاء من الإعدادات والتجهيزات اللوجيستية والقتالية البشرية والخطط اللازمة.
ويندرج في هذا السياق أيضا، بروز تلك التصدعات التي ضربت التحالف الميليشوي بصنعاء (صالح-الحوثي) مؤخرا، على نحو لم يعد معه إمكانية تفادي نتائجها المؤثرة بسهولة، الأمر الذي قد يؤشر - عمليا - إلى اقتراب الحسم الميداني لمصلحة الشرعية والتحالف على حساب المفاوضات والحلول السياسية، التي يُعتقد أنها شكلت فرصة أخيرة لم تنتهزها الميليشيات على النحو المطلوب، وبدلا من ذلك تسبب بدرجة رئيسية بإفشالها على النحو الذي تم تفصيله أعلاه.
كما أن التطورات الإقليمية الأخيرة، قد تعقد هي الأخرى من إمكانية اعتبار الحل السياسي ما يزال هو الخيار الممكن والمتاح، كما ظل يُردد طوال الفترة الماضية. لاسيما بعد أن زاد التوتر بين إيران والمملكة السعودية، التي تقود التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، في الوقت الذي تم فيه مؤخرا رفع العقوبات الدولية عن إيران، الأمر الذي يعتقد أنه سيساعد على استعادتها لقوتها الاقتصادية، وبالتالي يرجح أنها ستسعى إلى استعادة تأثيرها مجددا في المنطقة.
يأتي ذلك في مقابل تلك التحركات الدبلوماسية الخليجية، وبشكل أكثر وضوحا السعودية، بطريقة أكثر فاعلية من ذي قبل. والتي بفضلها، يبدو أن السعودية تمكنت من نسج تحالفات إقليمية ودولية جديدة، ربما استعدادا للمرحلة القادمة التي تبدو وكأنها تتجه نحو التحدي والتصعيد أكثر من معركة "كسر العظم".