لليوم الثالث على التوالي، واصلت قوات الحزام الأمني المدعومة إماراتيا، ترحيل المواطنين الذين ينتمون لمحافظات شمالية، واحتجازهم ونهب مقتنياتهم الشخصية.

وأثارت تلك الممارسات ردود أفعال غاضبة من قِبل مختلف اليمنيين في شمال وجنوب البلاد، الذين اعتبروا تلك التصرفات غير مقبولة، وتعمق الشرخ الاجتماعي ولا تعبر عن واقع العاصمة المؤقتة عدن التي تعد حاضنة لكل اليمنيين.

وكان الائتلاف الوطني الجنوبي قد أكد في بيان له أن العدو الحقيقي الذي أجرم في حق أبناء الجنوب هي تلك المليشيات الحوثية الإرهابية التي أوغلت في القتل والتنكيل والدمار والظلم والإجرام بحق جميع أبناء الوطن شمالاً وجنوباً.

واستنكر التصرفات الظالمة واللامسؤولة بحق عدد من أبناء المحافظات الشمالية، والتي تتنافى -حد قوله- مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا والدستور والقانون اليمني.

انتقاد الحكومة

ووجه ناشطون انتقادات واسعة للحكومة اليمنية، لعدم اتخاذها إجراءات على أرض الواقع للحد من مثل تلك الممارسات، خاصة أن الرئيس عبد ربه منصور هادي اكتفى بتوجيه السلطات المحلية والأجهزة الأمنية في محافظات عدن ولحج والضالع بإيقاف أي ممارسات خارجة عن النظام والقانون ضد المواطنين والممتلكات الخاصة.

وبرغم ذلك استمر ترحيل المواطنين الشماليين. وفي صعيد ذلك طالب رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر الجهات المعنية بالقول: "لا تتركوا مصائر الناس والوطن لردود الفعل العمياء، لا تتركوها بيد الجهلة".

من جهته استغرب الصحفي عدنان هاشم من تعاطي الرئيس هادي ونائبه مع تهجير أبناء الشعب من الجنوب.

وتابع "أدوات الاستعمار وحدها تتحرك وتفرز المجتمع على أساس الهوية، هذا الفرز يبدأ بـ"صاحب تعز وإب" ولن ينتهي بصاحب أبين".

أما الناشط الحقوقي سليم علاو فتساءل ساخرا "هل سمعتم مسؤولا جنوبيا قام بالتنديد أو الاستنكار لما يحصل للشماليين في عدن غير الناشط عبد ربه منصور هادي والناشط ياسر اليماني".

نهج الإمارات

واتهم الصحفي مصطفى راجح الإمارات بالوقوف وراء تلك الممارسات العنصرية ضد اليمنيين القادمين من الشمال، واعتبرها نهجا إماراتيا مستمرا منذ خمس سنوات وبأدوات محلية.

فيما تساءل الناشط محمد الأحمدي: هل كان المجلس الانتقالي (ومن ورائه الإمارات) مضطرين لتصفية أبو اليمامة وتسهيل ارتكاب مجزرة مروعة بمعسكر الجلاء من أجل خلق ذريعة لهذا البطش بحق البسطاء من أبناء المحافظات الشمالية في عدن؟!

جرائم لن تسقط بالتقادم

‏من جانبه، أكد مستشار وزارة الإعلام مختار الرحبي أن ما يحدث في عدن اليوم من جرائم وانتهاكات بحق أبناء الشمال، هو ما تم التحذير منه منذ تحرير مدينة عدن وتسليمها لمليشيات مناطقية عنصرية قروية لن يأتي الخير منها، بل الدمار والجرائم والانتهاكات.

وتوقع أن تطال تلك الممارسات العنصرية أبناء الجنوب أيضا، مؤكدا أن ما يحدث جرائم لن تسقط بالتقادم، وسوف يتم ملاحقة كل القيادات التي شاركت فيها من قبل القضاء المحلي والدولي.

وهو ما اتفق معه كذلك الإعلامي عبد الغني الماوري الذي قال إن الترحيل القسري للمواطنين على أساس مناطقي هي جرائم حرب، ولا تسقط بالتقادم.

وحمَّل الرئيس هادي ونائبه ورئيس الوزراء مسؤولية حماية المواطنين من أي انتهاك.

استغراب

الناشط عبد الجبار نعمان بدوره خاطب الجنوبيين بالقول: "الانتصار للقضية الجنوبية وتحقيق الاستقلال، لن يأتي بطرد عاملي البسطات والباعة المتجولين".

صمت الأحزاب

بينما استنكر الصحفي عامر الدميني صمت الأحزاب السياسية اليمنية مما يجري، وعدم إصدارها حتى بيان يدين ما يجري بعدن.

ووصف الأحزاب بـ"الخائرة" قائلا إنها أشبه بدكاكين، ثم رهنت نفسها للتحالف الرخيص الذي يوجهها كيفما يريد.

انحطاط

أما الإعلامي محمد المهدي فوصف ما يجري بالمنظر المخزي للإنسانية المنعدمة للذين قاموا بتلك الممارسات.

وتابع "فعلا أمر يدعو للقرف.. مستوى انحطاطكم تجاوز المألوف بل انحطاط من يؤيدكم أو يسكت على ظلمكم، نحن في زمن لم يبق الرحمة فيه مكان يا أسفاه أين وصل بنا الحال، ثقوا أن العواقب وخيمة فهذا الظلم لا تمرره عدالة السماء".

قرار سياسي

ويعتقد الإعلامي عدنان الراجحي أن عدن بحاجة إلى إعادة صياغة للمشهد فيها يرافق ذلك قرار سياسي جاد يصنع منها عاصمة مؤقتة ونموذجا أمثل للمناطق المحررة، وهذا هو جوهر المشكلة التي لم تنجح فيها الحكومة الشرعية وتتغلب عليها.

وتوقع استمرار القوى المسيطرة على الأرض، والتي تتلقى دعما سخيا تحرص على تفريخ ذلك العدو، وتصنع معه عداءات كثيرة نتيجة ما تمارسه بحق الذي قذفتهم مليشيات الحوثي إلى المحافظات الجنوبية بحثا عن الأمان ولقمة العيش.

وأشار إلى وجود أصوات عقلانية كثيرة في عدن لم يسمح لها بأن ترتفع وتقول القول الفصل إزاء ما يحدث هناك.

واستطرد "عدن تكتوي بتعبات الحرب التي شنتها مليشيات الحوثي وما تزال، وهذا يتطلب جهودا مشتركة من الجميع للنأي بها بعيدا عن هذه الفوضى والممارسات اللامسؤولة".

وبحسب الراجحي، فإن ما يؤرق عدن بالدرجة الأولى هو الملف الأمني وغياب الدور الفاعل للحكومة وأجهزتها المختلفة، وهذه مسألة متعلقة بالرئيس وبطانته من جهة، والتحالف العربي من جهة أخرى.

صوت العقلاء

أما الصحفي فخر العزب فأكد أن الجنوبيين يحتاجون إلى أن يصير صوت عقلائهم هو الصوت السائد.

وأفاد بأن الممارسات العنصرية من قبل البعض من أبناء الجنوب ضد البسطاء من أبناء الشمال هي بلاشك تصرفات فردية حين يستنكرها صوت العقلاء باستنكارها وفعلهم بإيقافها ومحاسبة مرتكبيها، أما في ظل صمت صوت العقلاء فإن هذه السلوكيات للأسف الشديد ستتحول لثقافة مرتبطة بالجنوبيين ككل.

وأضاف "للجنوب قضية عادلة لكن يبدو أنه نصب محاميا بعقلية ”حوثي” للدفاع عن قضيته".

رفض جنوبي

من جانبه حيا الصحفي فاروق السامعي من وصفهم بـ"أبطال الجنوب" في الشيخ عثمان والتواهي بعدن، الذين وقفوا إلى جانب الضعفاء وصدوا هجوم العصابات المسلحة التي حاولت التنكيل بالهوية ونهب الممتلكات الخاصة بهم .

وشهدت عدن منذ تحريرها منتصف 2015 عمليات ترحيل واسعة لمواطنين شماليين، لكن الوضع سرعان ما يعود إلى ما كان عليه، وقد أدى ذلك التضييق إلى عودة بعض المواطنين إلى محافظاتهم الأصلية.