[ طقوس عديدة للاحتفال بعيد الفطر لدى اليمنيين المقيمين في ماليزيا ]
يحل عيد الفطر هذا العام على المئات من اليمنيين المقيمين في ماليزيا بمشاعر مزدوجة ومتباينة ما بين الفرح والحزن والاغتراب، ومعظمهم لا يملكون خيار العودة إلى بلدهم الذي تسوده الحرب منذ أربعة أعوام وأكثر.
هذه المناسبة يستقبلها اليمنيون هناك بالعديد من الطقوس والفعاليات، سواء على المستوى الجماعي أو الشخصي، ووفقا للإمكانيات الذاتية، لكن الجميع يحتفون كل على طريقته الخاصة.
عادات ثقافية
يعد التسوق الظاهرة الأبرز في طقوس الحفاوة التي يستقبل بها اليمنيون العيد، سواء في اليمن أو خارجه، والأمر لا يختلف كثيراً في ماليزيا، لكن عادة التسوق لدى المغتربين اليمنيين وشراء ملابس جديدة تأخذ بعدا ثقافيا مميزا هنا، فهم يحرصون على ارتداء الزي اليمني يوم العيد، في محاولة لاستحضار الوطن الذي أبعدوا عنه، بحسب إفادة الدكتور عبدالقوي القدسي.
يرى القدسي، وهو رئيس المجلس التعليمي اليمني في ماليزيا، أن عادات التسوق وشراء الملابس الجديدة واحدة من نقاط الالتقاء بين الشعوب الإسلامية التي تحتفي بهذه المناسبة.
ويقول في تصريح لـ"الموقع بوست": "في البلدان التي تشهد تنوعاً في الجاليات يتحول العيد إلى كرنفال ثقافي متنوع، واليمنيون هنا يحاولون إظهار عاداتهم وثقافتهم في العيد، ويعود ذلك إلى كونهم يلتقون هنا في ماليزيا بمختلف الجاليات أثناء تأدية شعائر العيد صباحًا"، منوهاً إلى أن العيد في المهجر يصبح مناسبة وفرصة لإظهار التنوع الثقافي بين الشعوب، وتحضر الثقافة اليمنية كبقية الجاليات، ولكن باعتزاز أكبر لدى أبنائها.
ويشير إلى أن اليمنيين يستقبلون العيد بفرحة أقل هنا، ذلك أنه يوقظ لديهم الشعور بالاغتراب، فالوطن بالنسبة لهم بات ذكرى مؤلمة، لكنهم يحتفون رغم ذلك.
مظاهر مختلفة للفرح
ورغم تناغم المغتربين اليمنيين في المظهر، إلا أنه لكل منهم طريقة خاصة للاحتفال، ويختلف برنامج الطلاب عن العائلات وعن العمال أيضاً، فكل فئة تقضي العيد بشكل مختلف عن الأخرى.
يقضي الطلاب اليمنيون هذه المناسبة مع بعضهم البعض، حيث يقومون بتنظيم رحلات جماعية إلى بعض المنتزهات والأماكن السياحية في البلد.
يقول أديب التميمي، وهو طالب في مرحلة الماجستير، إن العيد عند الطلاب اليمنيين في ماليزيا يعد فرصة للتعارف ولقاء أصدقاء جدد، إذ يلتقي كافة الطلاب اليمنيين القاطنين في ولايات مختلفة.
ويضيف: "يتضاءل الإحساس بالغربة حين نجتمع"، ويشير التميمي إلى أنهم يقومون بتنظيم فعاليات ترفيهية مختلفة، منها الرحلات السياحية التي ينظمونها إلى الريف الماليزي، ويوضح أن بعض المقيمين اليمنيين من غير الطلاب يشاركونهم هذه الرحلات.
حضور المنتجات اليمنية
أما التجار اليمنيون فيحتشدون لاستعراض بضائعهم ذات الطابع اليمني هنا قبل العيد بعشرة أيام. يقول هاشم الحرازي، وهو أحد العمال في محل لبيع المنتجات اليمنية، إن فترة ما قبل العيد لها هوية خاصة عند التجار اليمنيين، وتحضر في متاجرهم بشكل خاص المنتجات العربية واليمنية بشكل خاص، كالحلويات والبخور، إضافة إلى المكسرات.
ويشير الحرازي إلى أن نسبة الإقبال على هذه المنتجات تزداد أثناء فترة العيد، سيما الملبوسات الشعبية التي يقبل عليها أبناء الجالية اليمنية هنا.
تنوع ثقافي
يواصل حديثه: "لا نهدف إلى تحقيق الربح المادي فقط من وراء تلك المنتجات، فنحن إضافة إلى ذلك نسهم في إبراز الثقافة اليمنية والعربية في إطار التنوع العام الذي تشهده البلد".
ويوضح أن التجار اليمنيين نجحوا في إثارة اهتمام المستهلك الماليزي، فخلال السنوات الخمس الأخيرة تحولت تفضيلات المستهلك الماليزي إلى العطور والحلويات ذات الطابع العربي أكثر من المنتجات المحلية، ويرجع السبب في ذلك إلى أن العطور العربية تحتوي نسبة كبيرة من العود، وهو أمر يفضله الماليزيون.
أما الأطعمة الشعبية العربية فتجد إقبالاً كبيراً هنا في مواسم العيد، وتقدمها العديد من المطاعم اليمنية والعربية.
يعلق حمود الشرعبي، أحد القائمين على إدارة سلسلة مطاعم بلقيس اليمنية في العاصمة الماليزية كوالالمبور، بالقول: "يحضر إلينا الكثير من الماليزيين لتناول الوجبات العربية في فترة العيد، ونحرص على تبادل التهاني معهم باللغة العربية".
ويؤكد على أنهم يحرصون على ارتداء الأزياء الشعبية اليمنية خلال أيام العيد، إذ يرى أنها تعكس صورة إيجابية لهم عن ثقافة البلد الذي قدموا منه أمام الزبائن الماليزيين.
بهجة إضافية
وتعد فترة العيد هنا فرصة للعمال لمضاعفة دخلهم، حيث تمنحهم الإدارات المنوطة بالإشراف عليهم رواتب إضافية مقابل عملهم خلال هذه الفترة، ثم إعطاؤهم الفرصة للراحة بعد انقضائها.
أما بالنسبة للأسر التي تعمل في صناعة الحلويات التقليدية والعربية، فتستقبل العيد ببهجة خاصة، وترى فيه فرصة سانحة لمضاعفة دخلها المادي، إذ يزداد الطلب على منتجاتها التي تقوم بتوزيعها على مختلف نقاط البيع، ويقبل عليها العرب والماليزيون على حد سواء.
الأعراس حاضرة
تكثر أثناء العيد مناسبات الزفاف بين اليمنيين المقيمين هنا، وتتهيأ المطاعم باكراً لاستقبال حجوزات الأعراس وتنظيمها وتهيئة مناخات حميمية، وتشهد تلك المطاعم ازدحاما في طلبات الحجز لاستقبال مثل هذه الفعاليات، بحسب إفادة حمود الشرعبي.
ويعتبر الشرعبي هذه المناسبات واحدة من الركائز الأساسية خلال فترة العيد في ماليزيا، خصوصًا خلال السنوات الأخيرة والتي شهدت تواجد عدد كبير من اليمينين في ماليزيا.
ويصفها بالقول: "مناسبات زفاف اليمنيين هي التي تحافظ على توازن المغترب هنا، فهي تثبت إرادة الحياة وسط حتميات الاغتراب وعذابات المهجر".
اغتراب
يتقاسم اليمنيون هنا الشعور نفسه، ويفصحون عن ملامح تعبر عن تيههم الطويل والصبور، ومشاعرهم النافرة من كل شيء عدا العودة إلى الأهل والأحبة في بلدهم اليمن.
أما الأشياء التي يفتقدونها في مناسبة، فهي كثيرة، أبرزها افتقاد الأهل والأقارب الذين ألفوا وجودهم في مناسبات كهذه، بحسب عبد القوي القدسي.
يقول القدسي: "قلوبنا يملأها الأسى والحزن ونحن نقضي العيد هنا بعيدا عن الأهل في اليمن"، ويردف: "لكننا نجد العوض في اجتماع أبناء الجالية اليمنية هنا في تكتلات، وذلك يخفف من الشعور بالاغتراب والحزن".
من جانبه يعلق صدام الحجري، الذي يقضي عامه الثاني متنقلا بين محطات مختلفة من جيبوتي إلى السودان فالسعودية ثم إلى ماليزيا، قائلاً: "أن يأتي العيد وأنت بعيدًا عن دارك ووطنك فهو شكل من أشكال الحظ القاسي في الحياة، ذلك أن العيد محطة للاستقرار النفسي والأسري قبل أن يكون زمنا يمضي".