[ رمضان بحضرموت.. نكهة روحانية خاصة وطقوس متوارثة ]
"وجدت خصوصية مميزة لرمضان بحضرموت لم ألاحظها بين القاهرة وصنعاء "، هكذا همس لي صديق زار حضرموت مؤخرا، مشددا على الحضارم الحفاظ على هذه الخصوصية التي قال إنها تنوعت بين الروحانية للشهر الفضيل والطقوس والعادات والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
ففي ليالي شهر رمضان قديما، كانت النساء والأطفال وسط الأهازيج الشعبية يقومون بجولة على البيوت التي رزقت بمولود جديد، خلال العام، أو تم خطبة إحدى فتياتها، ويبادل أهل البيت تلك المجموعة من النساء والأطفال بهدايا من حلويات ومكسرات.
وفي الوقت الحالي بقيت مدينة شبام تحافظ على جزء من هذه العادة والمعروفة بـ"الخوتام" وتتمثل في طلب مجموعة من الأهالي بحارة محددة رزقت بمواليد بعد رمضان الماضي من أشخاص معروفين للقيام بها عبر استخدام الطبول والجولة وسط تلك الحارة مع الأطفال، وإنشاد عدد من الأهازيج الشعبية، وتقديم الأهالي الحلويات والهدايا الرمزية للأطفال المشاركين بتلك الجولة بهدف إدخال الفرحة والسرور والبهجة على الأطفال.
وخلال العام الحالي قدم شباب من تريم، أطلقوا على أنفسهم جيش الفرقان، لوحات للجيش الإسلامي من خلال المبارزة في المعارك وأنماط صلاة الخوف.
وشهدت الأعوام الأخيرة تنفيذ عدد من الحارات خلال الليالي الوترية برمضان ابتداء من الليلة السابعة من رمضان احتفالات شعبية وتقديم لوحات تراثية وفكاهية عبر مجموعة من المهرجين، وذلك في ساحة المسجد الذي فيه ختم القرآن بتلك الليالي الوترية.
كما تنتشر حول المسجد المفارش الشعبية التي تبيع الحلويات والألعاب، ويعمل كل طفل على تجميع تلك الحلويات من كل ختم لأحد مساجد حارته والمعروفة بـ"المصر" والتزود منها عند الحاجة بعد حفظها في مكان يحدده الطفل لنفسه أو بمساعدة أسرته في عملية تقنين استخدامها.
الروحانية الدينية
وتشهد بعض مساجد حضرموت الخاصة بأتباع "الصوفية" قراءة أذكار وأدعية بين ركعات التراويح وكذا قبل صلاة العشاء وبعد التراويح، تتطرق جميعها إلى الابتهال إلى الله بالمغفرة والرحمة وتقبل الصيام والأعمال الصالحة، يتخللها توزيع قهوة البن على المصلين، إضافة إلى تذكير الإمام للمصلين بتجديد نية الصوم لليوم التالي.
وتقرأ معظم تلك المساجد في ركعات صلاة التراويح الـ23 ركعة جزء الضحى "والذي يبدأ من سورة الضحى حتى سورة الناس من جزء عم".
وتتفاوت أوقات إقامة الصلوات بمساجد حضرموت لإعطاء الناس فرصة حضورها من أولها وعدم تفويت أجرها وخصوصا أصحاب بعض المهن التي تتطلب مناوبة في عملها أو من يغفل بسبب النوم.
وفي سيئون وعلى مدار الثلاثة الأعوام الأخيرة عمل شباب على تصميم جدول لمواقيت إقامة الصلاة بجميع أحياء سيئون وطباعته على شكل ملصقات كبيرة وصغيرة يسهل حملها أو على لوحات قماشية توزع على الأماكن العامة.
تكافل اجتماعي
ويلاحظ ازدحام بعض المساجد في ليالي محددة لصلاة المغرب نتيجة اجتماع عدد من الأسر في بيوت الأقارب الواقع منزلها بالقرب من المسجد الذي يكون به ختم القرآن في الليالي الوترية لتناول الإفطار ووجبة العشاء وتبادل التهاني بمناسبة رمضان وتعرف بالمشاهرة.
وتتوارث هذه العادة منذ فترات زمنية طويلة حتى إن بعض البيوت لا تزال إلى اليوم يتجمع أهلها وأقاربهم في ليالٍ محددة.
وبسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية للمواطنين ابتكر المواطنون أسلوب يساعد في استمرارية اللقاءات العائلية وبأقل التكاليف من خلال إحضار كل أسرة ما تجود بها نفسها لتقديمه على سفرة الإفطار والعشاء.
ويقول مواطنون إنهم يهدفون من ذلك إلى إقامة اللقاء العائلي بشكل أساسي بغض النظر عن ما يدخل بطونهم. كما يقوم رب الأسرة بدعوة بناته وأزواجهن للإفطار والعشاء بالمنزل في أجواء عائلية فرائحية.
أطباء يتبرعون
وخلال رمضان الحالي انتشرت بحضرموت العيادات الخيرية المجانية برمضان تنظمها مكونات مجتمعية وفرق تطوعية شبابية من خلال دعوة أطباء اختصاصيين في اختيار ليلة أو أكثر لمعاينة الحالات المرضية وتقديم المشورة لها بشكل مجاني.
ويسعى القائمون على هذه العيادات إلى تخفيف معاناة المرضى المعسرين في الحصول على خدمة طبية من أطباء الاختصاص، وكذا استغلال فرصة القادمين منهم من خارج حضرموت أو اليمن لقضاء الإجازة مع أقاربهم.
وتشهد هذه العيادات تنافسا كبيرا من الأطباء والاستشاريين وصلت إلى حد تواصل البعض منهم ومخاطبتهم للمنظمين: "لماذا تمنعونا من تقديم صدقة أوقاتنا؟"، بحسب أحاديث متفرقة لمراسل "الموقع بوست" من عدد من الجهات المنظمة.
وتتميز تلك العيادات بتقديم خدمة المختبر وصرف العلاج بشكل مجاني للمرضى.