انتهت مشاورات “جنيف 2” بين وفدي الحكومة الشرعية والحوثيين والرئيس السابق، الأحد الماضي، دون نتائج ملموسة على الأرض تكفي لوقف الحرب الدائرة منذ عدة شهور.
وفي ما كانت المفاوضات تجري في بال السويسرية على أمل توصل الطرفين إلى حل يمكن من وقف القتال الدائر في اليمن منذ أشهر، كانت طبول الحرب لا تزال تقرع في أنحاء متفرقة من الأراضي اليمنية، في مشهد يشي بتدرج الوضع الميداني وتحوله لفائدة الرئيس الشرعي عبدربه منصور وحلفائه من الدول العربية المشاركة في قوات التحالف.
كما تعي الميليشيات تماما أنه لم يتبق لديها من أوراق للضغط على الحكومة سوى حصارها لمحافظة تعز المستمر منذ حوالي 7 أشهر والمعتقلين لديها وأهمهم اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع والعميد فيصل رجب وشقيق الرئيس اليمني، ورفضت الميليشيات إطلاق سراحهم بالرغم من الآمال التي عقدها المبعوث الأممي على ذلك، كبادرة لحسن نية أو فك الحصار عن تعز وإدخال المساعدات الغذائية والطبية.
فشل المفاوضات
وفي حال الإقرار بوجود مكاسب من وراء المشاورات التي عقدت على مدى ستة أيام، فهي تلك التي حصدها وفد الحكومة الشرعية واستطاع أن يثبت للمراقبين مدى تنصل الطرف الآخر المتمثل في (الحوثي- صالح) من التزاماته تجاه المجتمع الدولي، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 2216، القاضي بسحب المسلحين من المدن وتسليم سلاح الدولة وإطلاق المعتقلين وعودة الحكومة الشرعية.
ويبدو أن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن، كان مفرطا في التفاؤل إزاء إمكانية التوصل إلى تقدم حقيقي لحل الأزمة أو حتى إيجاد إجراءات لبناء الثقة بين الطرفين، إذ أن كل طرف دخل المشاورات لديه أهداف يريد تحقيقها.
فمن جانبها تريد الحكومة الشرعية انسحاب الميليشيات من المحافظات التي تسيطر عليها وعودة الحكومة إلى صنعاء والإفراج عن المعتقلين وتسليم الأسلحة التي استولت عليها الميليشيات للدولة حسب بنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، فيما تهدف الميليشيات إلى إسقاط القرار الدولي عمليا ووقف العمليات العسكرية لالتقاط الأنفاس أملا في وقف الانتصارات التي يحققها الجيش اليمني والمقاومة المدعومين بقوات التحالف العربي والتي تزايدت في الفترة الأخيرة خاصة في ظل الهدنة الهشة التي أعلنها الرئيس اليمني قبل بدء المشاورات وتقدم القوات الحكومية في محافظات الجوف وحجة في الشمال ومأرب في الشرق والتي لم يتبق لها سوى جيب صغير في مديرية صرواح يتم الآن تطهيره، بالإضافة إلى أن القوات الحكومية أصبحت تبعد حوالي 40 كيلومترا عن صنعاء انطلاقا من مديرية مجزر إلى أن تم تحريرها في مأرب.
ويرى مراقبون أن التحالف العربي تمكن من استخدام المشاورات في امتصاص الغضب الدولي من الحرب الدائرة هناك، إذ يواجه ضغوطا بضرورة وقفها، لكن هذه المرة استطاع أن يقنع العالم بأن الحوثي هو من يخترق الهدنة، ويطلق الصواريخ تجاه مناطق نجران وجازان السعوديتين المحاذيتين للشريط الحدودي اليمني من جهة جنوب المملكة، وبهذا يكون التحالف في موقف ردة الفعل والدفاع عن سيادته وأراضيه.
وفي المقابل يرى آخرون، أن المشاورات فشلت في تحقيق أي من أهدافها وتعثرت عند النقاط التي لها علاقة ببناء الثقة، فضلا عن الوصول إلى اتفاق يقضي بوقف الحرب والتمدد المسلح، وأن المشاورات اليمنية ما هي إلا مجرد “حروب مؤجلة” أكثر منها منافذ للسلام والتهدئة.
ويرى المحلل والباحث السياسي، ياسين التميمي، أن “مشاورات بيال لم تنجز أكثر من أنها جمعت طرفي الصراع على أساس حكومة ومتمردين ولم تعط هذه المشاورات أي مؤشرات حقيقية على النجاح، لأنها تعثرت عند النقاط المتعلقة ببناء الثقة”. ويضيف التميمي “لم تقترب المشاورات من النقاط الأساسية، وأهمها تلك المتصلة بتنفيذ القرار رقم 2216، وقد تأثرت جدا بالتطورات الميدانية، وهذه المرة شعر ممثلو صالح والحوثيون بأنهم جاءوا إلى مشاورات لا تحقق مكاسب سياسية بقدر ما تغطي على المكاسب الحقيقية، التي يتم إحرازها في الميدان من قبل أنصار الحكومة، تحت مظلة الخروقات المستمرة للهدنة من قبل عناصرهم”.
وتابع، “أعتقد أن إجازة أعياد الميلاد هي التي أنهت هذه الجولة من المشاورات دون أن يضطر المبعوث الأممي إلى إعلان الفشل كما فعل في الجولة الماضية”.
وكان إسماعيل ولد الشيخ أحمد، المبعوث الدولي إلى اليمن قال في ختام المشاورات، إنها “أحرزت تقدما ملحوظا خلال الأيام القليلة الماضية، لكنه غير كاف”، مشيرا إلى “عقد مباحثات جديدة في 14 يناير المقبل، ستكون في أديس أبابا الإثيوبية”.
وأشار ولد الشيخ أحمد خلال مؤتمر صحفي إلى أن “الحل الوحيد في اليمن هو حل سياسي وسلمي”، موضحا أنهم “اتفقوا على مجموعة من التدابير لبناء الثقة تشمل الإفراج عن المعتقلين وإنشاء لجنة للاتصال والتهدئة تشرف عليها الأمم المتحدة”.
تواصل الخيار العسكري
رغم إعلان الحكومة الشرعية مد الهدنة لمدة أسبوع إضافي والإعلان عن جولة ثالثة من المشاورات في إثيوبيا منتصف الشهر المقبل، إلا أن كل المؤشرات الميدانية تفيد بأن الحسم العسكري على الأرض هو سيد الموقف في الفترة القادمة. ويقول المراقبون إن قوات التحالف والقوات الشرعية قد اتعظت من الهدنة الأولى بين الطرفين والتي التزمت بها فيما لم تلتزم بها الميليشيات بذلك وجعلت من القرارات التي تم التوصل إليها مجرد حبر على ورق بين الطرفين.
ويؤكد المراقبون لتطورات الأوضاع الميدانية باليمن أن الميليشيات تسعى إلى تحقيق انتصار ولو معنوي يمكنها من امتلاك أوراق في المشاورات القادمة بعد أن سقطت معظم الأوراق التي كانت تراهن عليها منذ يوليو الماضي بتحرير محافظات الجنوب والتقدم الحاصل الآن في المحافظات الشمالية. ورصدت التقارير الإعلامية جملة من المواجهات بين الجانبين في الأيام الأخيرة، علما وأن الأطراف المتحاربة في اليمن كانت قد اتفقت على وقف مؤقت لإطلاق النار مدته سبعة أيام خلال محادثات سلام ترعاها الأمم المتحدة بدأت يوم 15 ديسمبر وانتهت بعد ذلك بأسبوع دون الاتفاق على إنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ تسعة أشهر.
واستمر العنف في مناطق متفرقة من البلاد في الأيام الأخيرة، وكانت وسائل إعلام سعودية رسمية قد أعلنت أن أنظمة الدفاع في المملكة أسقطت صاروخا باليستيا قالت جماعة الحوثي إنه كان يستهدف منشآت نفطية في جنوب المملكة.