[ معلم ينتحر في صنعاء بسبب تراكم الديون جراء انقطاع راتبه ]
لم يجد أحد معلمي صنعاء أمامه سوى الانتحار، بعد أن أغلقت الدنيا أبوابها أمامه، فأصبح يعيش ظروفا مأساوية بالغة التعقيد.
رمى المعلم بنفسه من مبنى برج الأدوية بصنعاء، بعد أن عجز عن سداد ديونه المتراكمة بسبب توقف راتبه منذ ثلاث سنوات، وأقدم على الحادثة بعد تلقيه إحضارا من قسيم الشرطة، بموجب شكوى تقدم بها صاحب البقالة التي يستدين منها.
ويعيش قرابة 200 ألف معلم في مناطق سيطرة الحوثيين -تحديدا- ظروفا مأساوية، ونحو مليون موظف آخرين بسبب عدم حصولهم على الرواتب، فالانقلابيون حتى اليوم يرفضون تسليم إيرادات تلك المدن إلى البنك المركزي بالعاصمة المؤقتة عدن، وقاموا بنهب أموال الدولة والاحتياطي النقدي للبنك المركزي المقدر بنحو خمسة مليار دولار.
تشابه الوجع
تؤكد أروى الشرعبي وهي معلمة بصنعاء وأم لخمسة أطفال، أن ظروف أغلب الأساتذة تتشابه بسبب انقطاع رواتبهم منذ ثلاث سنوات.
وقالت لـ"الموقع بوست": "زوجي هو أيضا موظف لكن تم فصله من عمله، ونحن دون عائل، فقط نحصل على بعض المال من الأقرباء في الخارج".
وأضافت: "لدينا بالحي الذي نسكن به 3 بقالات نتعامل معها ونوفر من خلالها متطلباتنا الضرورية، وما إن نحصل على راتب أو نصف راتب نسلمه لهم".
وهي تشعر بالامتنان لهم كونهم صبروا حتى الآن عليهم وكانوا عونا لهم في تلك الظروف الحالكة، ويعود ذلك إلى علاقتهم الوطيدة بهم منذ أكثر من عشرة أعوام.
أوضاع صعبة
وفقا لآخر الإحصائيات فإن اليمن يعيش أزمة إنسانية في العالم بالغة السوء، فقد وصل عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية قرابة 22.2 مليون يمني، ويوجد أكثر من 12.9 مليون شخص يعيشون الآن دون الحصول على ما يكفي من المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك ستة ملايين يعانون من خطر المجاعة.
وأدت الحرب في اليمن إلى حرمان المعلمين من حقوقهم، وهو ما دفعهم للاحتجاج في العاصمة صنعاء، إلا أن الحوثيين لجؤوا إلى توظيف آخرين بدلا عن المدرسين المضربين بسبب توقف رواتبهم.
وسبق أن اعتدى الحوثيون على وقفة احتجاجية للمعلمين المطالبين بصرف رواتبهم، وهددوا من يقترب من مكان التجمع بالاختطاف كما فضوا الاعتصام بالقوة.
ووفقا لمركز الدراسات والإعلام التربوي، فإن الانتهاكات التي يتعرض لها المعلمون في اليمن تتجاوز إهمالهم وحرمانهم من حقوقهم وتعرضهم للمضايقات، إلى انتهاك كافة حقوقهم الإنسانية المختلفة.
فمنذ مارس/آذار 2015، قتل أكثر من 1.300معلم، وهجر ونزح حوالي 26% من المعلمين، فيما تعرض قرابة 3.600 للاعتقال والإخفاء القسري، وتحول نحو 20% من المعلمين إلى ممارسة أعمال قتالية، وآخرين إلى ممارسة أعمال أخرى، بحسب المركز.
نقابة المعلمين اليمنيين من جهتها، عبرت عن قلقها البالغ واستنكارها الشديد للحال المأساوي والانتهاكات الإنسانية بحق التربويين في البلاد، مؤكدة في بيان لها أن حرمان المعلم من تقاضي راتبه كل شهر جريمة إنسانية وتجويع متعمد لآلاف الأسر والأطفال.
وحمّلت النقابة جماعة الحوثي التي تسيطر على صنعاء وعدة محافظات، المسؤولية الكاملة عن عدم تسليم الأجور، وفقاً لما تنص عليه القوانين الدولية التي تلزم سلطات الأمر الواقع بصرف رواتب المدنيين وتوفير كافة متطلبات الحياة والمعيشة.
مسؤولية الحكومة
ووصف الصحفي حسن الفقي انتحار المعلم بـ"السابقة خطيرة"، وهي نتيجة طبيعية بسبب انقطاع رواتبهم، متوقعا أن تتضاعف مثل هكذا ظاهرة فيما يشبه الاحتجاج؛ في محاولة للفت انتباه المعنيين حول قضيتهم.
وقال لـ"الموقع بوست" إن رواتب العلمين لا تسقط عن كاهل الحكومة الشرعية بحال، حتى وإن كانوا يقعون ضمن سيطرة الحوثيين، مؤكدا أن حشر الحوثيين في تلك الزاوية ليس منطقيا ويزيد معاناة الموظفين.
واستطرد "من انقلب على كل شيء وكان سبب هذه الحرب، لا يهمه أن ينتحر حتى آلاف المعلمين".
وأكد الفقي أن على الحكومة أن تعمل على صرف رواتب المعملين، كونها المسؤولة عن كل المواطنين بالجمهورية. وطالبها بالمسارعة لوضع حل لمعاناتهم، لأنهم أكثر فئة صبرا وتسامحا ومثقفين، ووقف أغلبهم ضد رغبات الحوثيين في تمييع وتطييف التعليم وسلخ هوية النشء وشباب الغد.
وقدمت السعودية والإمارات منحة للمعلمين بمبلغ 70 مليون دولار، إلا أنها لم ترَ النور بعد، ولا تزال معاناة المعلمين مستمرة حتى اليوم.