[ شعارات تابعة للحوثيين ملصقة في مدخل جامعة صنعاء ]
تحاول جماعة الحوثي فرض فكرها على الوسط الأكاديمي داخل جامعة صنعاء، وذلك عبر توغلها المستمر في خصوصية الجامعة وهويتها، حيث عمدت منذ البداية إلى إقحام شعاراتها السياسية في أماكن متفرقة داخل الجامعة، مستهدفة بذلك أخص خصوصياتها؛ هوية الجامعة الثقافية والعلمية، متجاوزة بذلك كل الاعتبارات القانونية والأخلاقية التي عُنيت بها الجامعة طيلة عقودها السابقة.
إلى جانب شعارات الموت المُلصقة في كل أرجاء الجامعة، والأعلام الخضراء التي تتدلى من أماكن مختلفة داخل الكليات؛ عمدت الجماعة مؤخراً إلى وضع العلم الأمريكي في مداخل الجامعة، وقد وضعت رسومات لهذا العلم في أرضية البوابات، بحيث يضطر كل المارة الذين يقصدون الجامعة إلى العبور فوق العلم الأمريكي المرسوم على الأرض والدوس عليه بأقدامهم، وهي خطوة يراها الكثيرون مستفزة، وتشابه تلك التي تفعلها جماعات في إيران.
ويرى أكاديميون استطلع الموقع بوست أرائهم أن هذا الفعل هو خطوة خطيرة تقع ضمن معركة الشعارات التي تسعى الجماعة من خلالها إلى تضييق الخناق على معارضيها المحتملين داخل الجامعة، من أجل ترهيبهم، كما تهدف ضمن هذا إلى فرض فكرها الخاص على الجامعة وإلجام أي توجه مستقل داخل أروقتها، ويتسق هذا السلوك الاستفزازي مع إرادة الجماعة المتمردة في إقحام الجامعة ضمن دائرة التعبئة والحشد الفكري الذي يستهدف استمالة إراداة الناس من أجل كسب ولائهم لصالح توجه الجماعة.
"الموقع بوست" رصد آراء العديد من منتسبي جامعة صنعاء، دكاترة وطلاب حول هذا الفعل الذي أحدث جدلاً صامتاً داخل الجامعة، ويجري الحوار حوله بتحفظ شديد في الوسط الأكاديمي، خوفاً من بطش المتمردين.
سلوك مستفز
تقول الدكتورة سامية الأغبري، أستاذ الصحافة المساعد في كلية الإعلام: "أن وضع رسم للعلم الأمريكي على أرضيات مداخل الجامعة هو سلوك مستفز، ويستهدف استقلالية التعليم الذي يُفترض أن يتم النأي به بعيداً عن أتون الصراعات السياسية".
وتضيف: صحيح أننا نرفض سياسة النظام الأمريكي الامبريالي الذي يستغل ثروات الشعوب النامية، العربية على وجه الخصوص؛ لكن هذا لا يعني أن نبرر هذا الفعل الذي تقوم به سلطة الأمر الواقع في صنعاء، لأنه سلوك أرعن لا يُعبر إلا عن حماقة فاعليه.
العلم الأمريكي مرسوما أمام مدخل الجامعة
وعن الأهداف الخفية وراء هذا السلوك تقول: " أن الحوثيون يحاولون فرض رؤية أُحادية على ثقافة الجامعة، ويريدون أدلجة التعليم، حيث أنهم لا يؤمنون بالاختلاف ويعتبرونه عدواناً عليهم، لأنهم منغلقون وليس لديهم استعداد لتقبل ثقافة الاختلاف، وهذا أمر خطير"، وتضيف: "لأنهم يحاولون حشر الجميع في زاوية ضيقة داخل فكرهم المتطرف، وهو نوع من الابتزاز الثقافي الذي لا يقل خطورة عن الابتزاز السياسي الذي تمارسه الجماعة على الفئة المحايدة، إنهم يطلبون تأييد الجميع دون أي اعتبار للخصوصية الفكرية للفرد، ولا لحريته الشخصية في الميول والانتماءات".
ترويج مبتذل
من جهته يقول الدكتور محمد الخربي: "أن تضع علم دولة ما على الأرض ليتم المرور من فوقه بغرض الإهانة؛ لهو غاية الإسفاف، عوضاً عن أن يحدث هذا الفعل في صرح أكاديمي له رمزيته ومكانته كجامعة صنعاء، إنه سلوك غير حضاري وغير لائق بناء كموسسة تعلمية تحترم ذاتها".
ويرى الخربي: أن هذا الفعل رغم فجاجته لكنه لا يعدو عن كونه إحدى وسائل الدعاية الرخيصة المبتذلة التي تنتهجها الجماعة بهدف استقطاب الجماهير، وهم لا يعلمون أنهم بهذه الوسائل إنما يفلسون سياسياً واجتماعياً، لأنهم يتصرفون كمليشيات وليس كدولة وسلطة، عدا هذا فلست أخشى التأثير الجماهيري التي تريد ان تحدثه الجماعة، لأن المجتمع يرفض سلوكياتهم تلك، وأفعالهم هذه لا تثير حماس أحد سوى أنصارهم المعروفين.
فرض مواد جديدة
لا يتوقف سلوك المتمردين الحوثيين عند الشعارات فحسب، إذ أنهم عمدوا في خطوة أخرى بذات السياق؛ إلى فرض مادة متطلبة جديدة على معظم الكليات وسُميّت بـ " الصراع العربي الإسرائيلي"، قام بتأليفها مجموعة من الدكاترة الموالين للجماعة، بإيعاز من سلطة الحوثي، وتتحدث عن المراحل التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي، وقد تم إقحام المادة قسراً ضمن المنهج التعليمي لجامعة صنعاء.
المسئول في شئون المكتبات، الدكتورة رحاب الهمداني تقول: "إن الجماعة تسعى إلى فرض رؤيتها الخاصة على التعليم الجامعي دون أية اعتبارات للمعايير العلمية، وترى المليشيات أن أي اعتراض بهذا الخصوص هو استهداف مباشر لها، لهذا السبب لا أحد يجرؤ على الرفض أو إبداء الرأي لا تصريحاً ولا تلميحاً. وترى الهمداني: أن جامعة صنعاء باتت منتزعة السيادة ولم تعد لها سوى صلاحيات تنفيذية فقط، وسلطة الأمر الواقع هي من تحدد ما يجب وما لا يجب.
صفحة من المنهج الذي فرضته جماعة الحوثي على الطلاب في جامعة صنعاء وجامعات حكومية أخرى.
وعن وضع العلم الأمريكي على أرضية البوابات تعتقد الهمداني أن للفعل أبعاداً أخرى غير سلوك التعبئة العفوي، من ضمنها قياس ردة الفعل داخل الوسط الأكاديمي، وتقييم نسبة الولاء والرفض لدى الدكاترة والعاملين داخل الجامعة، وهي خطوة ليست بريئة كليا،ً وهي لا تعبر عن رفضهم لأمريكا بقدر ما هي فعل ابتزاز للدكاترة من أجل حصرهم وممارسة مزيد من الضغط عليهم.
أدلجة قسرية
أما محمد السامعي -معيد في كلية الحاسوب- فينظر للأمر من زاوية ثقافية، حيث يقول: إن رسم العلم الأمريكي على الأرض بتلك الطريقة هو أمر يتنافى مع الهوية الثقافية لجامعة صنعاء، ويتقاطع مع قيم الشعب اليمني الذي يحترم كافة شعوب الأرض على أساس الانتماء الإنساني المشترك لجميع الشعوب.
يتابع" الأمر خطير، أن تقوم مليشيات بإجبار الدكاترة والطلاب على المرور فوق علم بلد آخر، إنها إهانة بحق منتسبي الجامعة، لأنهم نخبة المجتمع، ثم ماذا سيكون انطباع الشعب الأمريكي عن نخبة اليمن، إذا كان هذا فعلهم فكيف سيكون فعل العامة، هذه صورة مشوهة لليمن كشعب له حضارة عريقة، الأمر يتعلق بسمعة وطن والمليشيات لا تدرك خطورة الأمر، لم تُبق لنا شيئاً نعتز به، لقد شوهوا كل جميل حتى صارت هوية اليمني تُقابل خارجياً بالازدراء والرفض.
رقابة على الطلاب
من جهته يبدي محفوظ الشامي -طالب في كلية الإعلام- تخوفاته من أن تتحول جامعة صنعاء مع مرور الوقت إلى ساحة مفتوحة للحشد والاستقطاب من أجل تجنيد الشباب والزج بهم إلى جبهات القتال، حيث يقول: " هذا سلوك غير مستبعد من قبل جماعة الحوثي، سيما أن نشاطهم يزداد داخل الجامعة، وبات توغلهم اليوم في الشئون الأكاديمية، وحياة الطلاب أكثر من أي وقت مضى".
ومن ناحية ثانية يقوم الحوثيون بمضايقة الشباب في أماكن اللقاءت العامة بجوار الكليات، وإذا ما وجِد شاباً وفتاة يجلسان ويتحدثان؛ فإنهما يتعرضان للمسائلة عن طبيعة علاقتهما من قِبل دوريات الحراسة، وقد يفضي الأمر إلى معاقبة الشاب بحجة الميوعة.
وتزعم المليشيات أنها تحارب الاختلاط والفساد الأخلاقي داخل الجامعة بهذا السلوك، وهو ما يراه الكثير تدخلاً سافراً في خصوصيات الطلاب، لكن لا يجد الشباب الجامعي بُداً من الامتثال للمليشيات خوفاً على أنفسهم رغم رفضهم لهذا السلوك واستنكارهم له.
وفي تعليقه على هذه النقطة يقول محفوظ : "يهدف الحوثيين عبر هذا السلوك إلى فرض ثقافتهم الدينية الخاصة على الطلاب، ويسعون إلى تغيير الهوية المدنية لجامعة صنعاء وتحويلها إلى مؤسسة دينية تابعة لفكرهم الطائفي الضيّق، وهو توجه خطير كون الجامعة تحوي نخبة المجتمع، الأمر الذي يفسر سلوكهم هذا، ذلك أنهم يستهدفون ثقافة ووعي الجيل الصاعد من الشباب الجامعي، لكنهم لن ينجحوا في مسعاهم هذا، كونه يتقاطع مع الهوية الثقافية للجامعة، ومع تطلعات الشباب التائق للحرية والمدنية وللمساواة، لأن هذه القيم راسخة في الخيال الجمعي للشباب، ومن المستحيل أن يُفرطوا بها.