[ غارات للتحالف استهدفت مدنيين باليمن ]
لا تزال قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي والاضطرابات التي تعيشها المملكة العربية السعودية جراء ذلك، إضافة إلى الأوضاع العامة هناك بسبب استعداد ولي العهد السعودي لتولي الحكم، تلقي بظلالها على الملف اليمني.
فمنذ الإعلان عن مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بدأت ردود الأفعال تتوالى سواء من بعض دول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، كما تم تسليط الضوء بشكل كبير في الوقت ذاته، على انتهاكات التحالف العربي في اليمن.
يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان احتواء الموقف مع تركيا، فهو اعتبر أن ما حدث لخاشقجي "بشع وغير مبرر"، مؤكدا أن التعاون بين السعودية واسطنبول في هذا الملف "مميز"، وأنه لن يكون هناك خلافات بين البلدين، في ظل وجود الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
لكن وبرغم ذلك، يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن السعودية لن تفلت من قضية مقتل جمال خاشقجي إذا لم تكشف عن الفاعل الحقيقي.
وأكد أن بلاده لديها معلومات ووثائق أخرى في القضية، مطالبا السلطات السعودية بأن تحدد إن كان المسؤول الحقيقي عن مقتل خاشقجي موجودا بين الأشخاص الذين اعتقلوا في المملكة.
ضغوط
تستمر حتى اليوم تداعيات تلك الحادثة على السعودية، فقد كشف عضو مجلس النواب الأمريكي جيمس مكغفرن عن قيام عدد من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين بطرح مشروع قانون في مجلس الأمن، من شأنه وقف معظم مبيعات الأسلحة للسعودية، ردا على مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ويشمل المشروع حظرا على المساعدة في مجالات الأمن والمخابرات والتدريب والعتاد، دون أن يمتد إلى أنشطة متعلقة بحماية المواقع الدبلوماسية التابعة للولايات المتحدة أو الدبلوماسيين الأميركيين، في الوقت ذاته يتيح للرئيس دونالد ترامب أن يطلب استثناءات من حظر بيع الأسلحة.
وقبل أيام قال وزير الاقتصاد الألماني، بيتر ألتماير، إن الحكومة الألمانية ترفض حاليا تصدير المزيد من السلاح للمملكة العربية السعودية على خلفية إعلان الأخيرة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول، داعيا لموقف أوروبي موحد حيال السعودية في هذه القضية. وهي ذات الدعوات الصادرة من دولتي إسبانيا وبلجيكا.
وفي هولندا، وعقب قبول مقترح إيقاف تجارة الأسلحة مع السعودية بأغلبية ساحقة في البرلمان الهولندي، دعا رئيس الوزراء مارك روته دول الاتحاد الأوروبي إلى تبني قرار بلاده فيما يتعلق بتقليص تجارة الأسلحة مع السعودية.
أما في بريطانيا فقد طالبت المعارضة هناك بإيقاف تجارة الأسلحة مع الرياض، حيث قال زعيم الحزب "جيريمي كوربين" "إدانة الحكومة لمقتل خاشقجي خطوة مهمة، ولكن غير كافية، فهل الحكومة ستوقف تجارة الأسلحة مع السعودية؟.
إيميلي ثورنبيري وزيرة الخارجية البريطانية في حكومة الظل عن حزب العمال، قالت: "ولي العهد يضع حلفاءه موضع الحمقى، ويظن بأنّهم سيصدقون أكاذيبه، ولذلك على الحكومة البريطانية أن توقف بيع الأسلحة للسعودية".
تبعية وارتهان
في هذا الصعيد يؤكد الكاتب الصحفي محمد اللطيفي أن مقتل خاشقجي أدى إلى أزمة دولية تجاوزت رياح تأثيراتها رمال السعودية إلى اليمن، مشيرا إلى أن الرياض اعتبرت تدخلها في بلادنا فرصة لابتلاع سيادتها والتحكم بثرواتها.
وأضاف فوبيا الربيع اليمني وعقدة "اليمن القوي" جعلت من الرياض تتجه لتنفيذ سياسات تنتج شرعية ضعيفة، لا تمتلك قرارها السياسي والاقتصادي والعسكري، مؤكدا أن ما ساهم في نجاح سياسيات السعودية المدمرة، قابلية رموز الشرعية للتبعية المطلقة والارتهان الكامل للرياض، فأصبحت البلاد بلا سيادة وكرامة.
وبيَّن اللطيفي -في مقال له- أن ذلك جعل من كل خطأ سياسي أو دبلوماسي ترتكتبه الإدارة السعودية، له تأثيراته السلبية على اليمن، التي أضحت تحت وصاية الرياض، وكذلك حلولها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
تأثيرات متوقعة
وفي خضم الأزمات التي تعيشها الرياض، يتوقع المحلل السياسي ناصر المودع أن لا تشهد جبهة الحديدة أي تصعيد كبير من قبل التحالف، كون العالم لن يسمح بأي كارثة إنسانية جديدة أو غارات خاطئة تطال الابرياء.
وتوقع أن يستغل الحوثيون عجز التحالف من القيام بعملية عسكرية جديدة في الحديدة، ويقوموا بشن هجمات كبيرة في الساحل الغربي.
بينما رأى اللطيفي أن ما يجري بالمملكة له تأثيرات سلبية كثيرة، أبرزها تأجيل مسألة انهاء الانقلاب الحوثي، وفرص تحرير بقية المناطق من مليشيا الانقلاب، وحتى فرص الحلول السياسية ستبقى بعيدة المنال.
في المقابل هناك توقعات باستمرار مد الإمارات نفوذها في اليمن، مستغلة الأوضاع غير المستقرة التي تعيشها المملكة، وهو يحدث على الأرض، فأبوظبي اتجهت قبل أيام لعمل حزام أمني بشكل فعلي بمحافظة أرخبيل سقطرى، فيما ما تزال تحكم سيطرتها على كثير من المناطق والمحافظات.
تصحيح العلاقة
أدت العلاقة المتوترة بين الشرعية وبعض دول التحالف العربي أبرزها الإمارات والسعودية، إلى دعوة الأحزاب اليمنية وقيادات في البلاد، تلك الدولتين إلى ضرورة تصحيح مسار العلاقة بينها والشرعية، وإعادة صياغة العلاقات بين الجانبين، نتيجة لأن تلك السياسة أدت إلى إضعافها بشكل كبير، وتهميش واضح للقرار الوطني.
في هذا الإطار حث الكاتب القطري محمد المسفر بلاده على تصحيح سياساتها في اليمن، متسائلا عن ما إذا كانت الرياض وأبوظبي قد نجحتا في تحقيق أهداف انطلاق عاصفة الحزم في مارس/آذار 2013.
وذكر في مقال له أنه بدلا من تحرير الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، راحت السعودية والإمارات توسعان نفوذهما في أراضي جنوب اليمن بعيدا عن ميدان المعركة الحقيقي في شمال اليمن، رغبة بالاستفادة من خيرات اليمن وثرواتها.
ويعتقد المسفر -في مقال له- أنه لكي تحقق السعودية أمنها جنوبا، فذلك لن يتأتى بالحرب أو معاداة اليمنيين، بل بإيقاف الحرب وتسليم الشرعية السلطة الفعلية وتأمين انتقالها إلى عدن
الجدير بالذكر أن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، حذر قبل أيام من "مجاعة كبرى وشيكة" في اليمن لم يشهدها العالم منذ عقود، موضحا أن 3.5 مليون يمني من المحتمل أن يعانوا من انعدام حاد في الأمن الغذائي، خلال الأشهر المقبلة، ليضاف ذلك إلى ثمانية ملايين نصل إليهم شهريًا بالمساعدات، ليصبح العدد 11 مليونًا.