[ 18 يوما من الإخفاء القسري للشيخ نضال باحويرث ]
يُكمل الداعية والأستاذ التربوي والقيادي بحزب الإصلاح نضال باحويرث يومه 18 خلف قضبان أحد السجون السرية، والتابعة لفريق مكافحة الإرهاب المدعوم إماراتياً، دون الإفصاح عن الأسباب أو حتى التهم الموجهة لإمام وخطيب جامع الذُهيبي بكريتر والمعروف باعتداله وأعماله الخيرية بالمنطقة؛ قد تختلف تفاصيل اختطاف باحويرث لكنها تتشابه في الخطوط العريضة مع قصة 22خطيباً وإماماً بعدن، حيث تعرض جميعهم للاستهداف إما بالاغتيال أو الاختطاف، حيث قضى 17 منهم ، فيما نجا 3 فقط، وسُجلت ثلاث حالات اختطاف وهي كالآتي اختطاف( يونس هرهرة/ إمام مسجد أبو بكر الصديق بحي ريمي بالمنصورة، محمد عبده سلام/ إمام وخطيب مسجد معاذ بن جبل بمنطقة السيلة في مديرية الشيخ عثمان، نضال باحويرث/ إمام وخطيب مسجد الذُهيبي بمديرية كريتر).
مسلسل استهداف الدعاة والأئمة والذي يراهُ مراقبون بأنه أشبه ما يكون بعملية تجريف فكري تأتي لتصفية من لهم صوت مسموع وتأثير بالغ على الرأي العام، وذلك لتمهيد الطريق أمام مراكز قوى جديدة، في إشارة لدولة الإمارات والتيار السلفي المدخلي الذي تموله وتدعمه.
وفي ذات السياق يقول خالد حيدان رئيس الدائرة الإعلامية للإصلاح بعدن "إن استهداف العلماء والأئمة والخطباء والدعاة سواء بالإغتيال أو الاعتقال هي سياسة فيها من الخبث والإجرام ما يكفي ليبين مدى الحقد والكراهية التي يحملها من قاموا بذلك الفعل.
ويضيف حيدان في حديثه لـ"الموقع بوست" الإصلاح ناله كغيره من ذلك الاستهداف بالتغتيال، إلا أن الاعتقال والاختطاف والإخفاء القسري لبعض الأئمة والدعاة هو أمر مستغرب خصوصاً حين يكون ذلك منطلقاً من جهات يعول عليها حمايتهم وليس اعتقالهم.
وأوضح "أنه تم التأكيد مراراً وتكراراً بأن الصمت عن القاتل المجهول وعدم التصدي له من قبل المؤسسة الأمنية قد أغرى بمزيد من القتل والاستهداف في وضح النهار؛ لكن مباشرة التعتقال والاختطاف والإخفاء من قبل المؤسسة الأمنية هو أمر مستخدم ومستغرب ويُعد سابقةً خطيرة".
ويتابع حيدان في سياق حديثه لـ"الموقع بوست" والأكثر استغراباً وريبة هو صمت الحكومة وعدم تدخلها المباشر لإيقاف هذا العبث المخالف للنظام والقانون ودون إذن من السلطات القضائية.
ويذكر "رسالتي إلى جميع الأطراف أن استهداف الأئمة والخطباء لن يوقف حركة التغيير في تعزيز قيم المجتمع، ولن يُحاصر منارات التنوير المضيئة، ولن ينجح بسياسة الإقصاء والتهميش للقيادات المجتمعية؛ فالتاريخ لن يعود إلى الوراء، والعقليات ضيقة الأفق لن تنجح في سياستها العقيمة حسبما يؤكد رئيس دائرة الإعلام بإصلاح عدن خالد حيدان.
وبالعودة إلى حوادث الاغتيال والبالغة 20 حادثة، بينها ثلاثٌ فشلت في سلب أرواح ثلاثة من الأئمة والدعاة، يتبين أن الفاعل مجهول فهم مسلحون مجهولون لم تستطع الأجهزة الأمنية ممثلةً بإدارة أمن عدن وقفها أو حتى كشف من يقف يخلفها، أو على أقل تقدير إصدار بيان يتحدث عن التحقيق في تلك الحوادث، حيث تُبدِ إدارة أمن عدن حالة من اللامبالاة تجاه تلك الحوادث وكأنها تجري في بقعة جغرافية خارج العاصمة المؤقتة عدن.
الداعية محمد عبده سلام، إمام وخطيب مسجد معاذ بن جبل بمنطقة السيلة في مديرية الشيخ عثمان، كان من أوائل المواطنين الذين تعرضوا للإخفاء القسري من قبل قوات الحزام الأمني التابعة لدولة الإمارات؛ فقد اختطف فجر 26 يوليو من العام 2016، حيث تم اقتحام منزله بقوة السلاح واقتياده لجهة مجهولة.
ولم تنتهِ قصة الإمام سلام عند اقتحام حرمة منزله فجراً ومن ثم إخفاءه، فقد عمدت قوات الحزام الأمني إلى تلفيق تهمة بحقه، وإظهاره في مقطع فيديو مسجل وهو يُدلي باعترافات وعلى وجهه تظهر علامات التعب والتعذيب.
وجاءت عملية اختطاف سلام وتلفيق تهمة كونه من أفتى بجواز العملية الإرهابية التي استهدفت دار العجزة والمسنين في الرابع من مارس/ آذار من العام 2016؛ لتُغلق ملف حادثة هزَّت أسماع الرأي العام المحلي والدولي، ولتظهر بذلك الأجهزة الأمنية والتي تُشرف عليها دولة الإمارات بموقف مشرف، فهي استطاعت القبض على منفذي الحادثة، ولو كان ذلك من باب التلفيق والتدليس، حسبما تبين لاحقاً.
واستمر إخفاء الداعية سلام، حتى منتصف نوفمبر من العام 2017، حيث قامت دولة الإمارات بإنشاء سجن جديد في مُحيط السجن القديم، ونتيجة للضغوطات التي نفذتها وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية، تم السماح لأهالي المخفيين بزيارة ذويهم، والذين كان سلاَّم من بينهم.
وتُفيد أسرة الداعية سلام في تصريح خاص لـ"الموقع بوست" بقينا لأكثر من عام ونحن نخرج في الوقفات الاحتجاجية لمطالبة التحالف العربي ممثلاً بدولة الإمارات بالكشف عن مصير سلاَّم وباقي المخفيين قسراً.
وتضيف "لم نكن نعلم هل كان محمد حياً أم لا، فلم يُسمح له ولو حتى باتصال هاتفي واحد، لنطمئن على حياته.
وما إن فُتح باب الزيارات في السجن الجديد، هرعنا كباقي أهالي المخفيين، وتمكنا من معرفة أنه هناك عبر كشوفات تم تسريبها؛ وتقريبا قمنا بزيارته خمس مرات فقط، وذلك قبل إخفاءه من جديد تذكر أسرته في سياق حديثها لـ"الموقع بوست".
وتشير إلى أنه وعقب قيام النيابة الجزائية بمتابعة ملفات المعتقلين في السجن الجديد ومن بينهم الداعية محمد، أصدرت مذكرة موجهة لإدارة السجن معنونه بأمر إفراج بحق محمد إلى جانب 9 معتقلين آخرين.
وبينت الأسرة "أنه وعقب صدور المذكرة، تم إخفاء محمد من جديد، ليدخل جولة أخرى من الانتهاك، تُضاف إلى عام كامل قضاهُ مخفياً قسراً في سجن بئر أحمد، وأربعة أشهر أخرى قضاها في السجن الجديد.
وأوضحت أن مدير السجن غسان العقربي رفض مذكرة النيابة الجزائية وطالب بمذكرة أخرى من مدير أمن عدن شلال شائع، وهي أشبه ما تكون بالحيلة لإطالة الوقت حسبما تقول الأسرة، لكون أمر الإفراج الذي أصدرته النيابة الجزائية كان واضحاً وشفافاً وينبغي تنفيذه فوراً.
وطالبت أسرة الداعية محمد عبده سلَّام الحكومة الشرعية ممثلة بوزاراتي الداخلية والأوقاف بمتابعة القضية لكون المذكور إمام وخطيب أحد مساجد مديرية الشيخ عثمان ولم تصدر بحقه أي أحكام قضائية، وعلى العكس من ذلك أُصدرت مذكرة إفراج إلا أن تلك المذكرة لم تكن مُلزمةً لقوات الحزام الأمني التابعة لدولة الإمارات.
وضع مأساوي
يقول الشيخ جمال السقاف، وعضو رابطة علماء ودعاة عدن،" إن الناظر للعاصمة المؤقتة عدن ينقلب إليه نظره، وهو حسير، مما يشهده في سوء إدارتها وتردي خدماتها وانفلات أمنها، وتركز فيها استهداف الدعاة والأئمة والمُصلحين.
ويتابع الشيخ السقاف حديثه لـ"الموقع بوست" بالقول،" فقد استحر القتل في الدعاة والعلماء فيها، وبلغ حداً يكاد الكل يكون شريكاً فيه، من خلال الصمت المطبق، والتجاهل عما يجري لهم، فلا المنظمات الحقوقية تحركت لأجلهم، ولا المحاكم انبرت لقضاياهم، ولا النيابات فتحت ملفاتهم، ولا ضجيج إعلامي صحب اغتيالهم، ولا الجهات الأمنية حوسبت عن التفريط بحقهم.
ويذكر"أن ما يجري في عدن يُشعرنا يقيناً بأن الأمر ممنهج ومخطط ومدروس وليس مجرد حوادث عابره. كيف لا يكون كذلك وقد بلغ العدد العشرين، ومن سلم منهم يتم اعتقاله، أو التضييق عليه حتى يخرج من البلد، وهذا منهج أعداء الدعوة قديما مع الرسل وأتباعهم من المصلحين. قال تعالى:(لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ? وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ? وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
ويُفيد الشيخ السقاف "أن ما يجعلنا نؤكد منهجية هذه الأفعال، هو استباقها من خلال شيطنة الدعاة والأئمة، والاتهام بالإرهاب أو تفريخه، عبر صحفيين أو ناشطين إعلاميين، أو خطباء محرضين ومغرضين، دون محاسبة لهم أو مطالبتهم ببراهين على دعواهم.
وفي رسالته للدعاة والأئمة في العاصمة المؤقتة عدن، ممن لم يقدروا على الهجرة، ومغادرة البلد، قال الشيخ السقاف،" عليهم أن يأخذوا الحيطة والحذر أكثر من أي وقت مضى، وعلى المجتمع ألا ينسَ دورهم في الحرب والدعوة، وأن يبادلهم الوفاء بالوفاء، من خلال المطالبة بتوفير الحماية لهم، وجعل قضيتهم حديث المجالس، ورفع الصوت بها، للوصول بها لكل من يهمه الأمر.
ويُذكر أن آخر حوادث الاختطاف، كانت من نصيب الداعية والتربوي والقيادي بحزب الإصلاح نضال باحويرث، حيث اختطف في 28 مارس/ آذار المنصرم، من أمام باب مسجده والذي كان ذاهباً إليه ليؤم الناس لصلاة العصر.
وقد أحدثت عملية اختطافه والتي تبين لاحقاً ضلوع فريق مكافحة الإرهاب التابع لإدارة أمن عدن والمدعوم إماراتياً خلف العملية، أصداء واسعة لدى الرأي العام المحلي، إلى جانب رواد المسجد وعشرات المواطنين الذين حرصوا على تنفيذ وقفة احتجاجية في كل جمعة وعقب أداء الصلاة، وذلك لمطالبة الجهات الأمنية بالكشف عن مصير باحويرث والذي يُعد في حكم المخفيين قسراً.