[ قيادات حوثية متورطة في إدخال المبيدات المهربة ]
صور الحرب في اليمن تبدو متعددة، والموت الذي يفتك بآلاف اليمنيين يأخذ أشكالا وصورا كثيرة، غير تلك الواردة من جبهات القتال، وتلك التي تحدثها طائرات التحالف العربي، وما تفعله صواريخها في المدن ومساكن المدنيين وأيضا مخيمات النازحين.
تجار الحرب في اليمن متعددون، وما أكثرهم هؤلاء التجار، وما أكثره الموت الذي يتسلل إلى اليمنيين، على شكل رصاص وقذائف، وأدوية مهربة وسجائر، وأغذية منتهية الصلاحية، وأكثرها خطرا وفتكا، ربما هي المبيدات السمية، التي هي الأخرى، تقتل يمنيين بالجملة، بعد أن تحولت إلى تجارة مربحة لمهربين وتجار بينهم قيادات حوثية وعناصر في سلطة الانقلاب.
ومنذ ثلاثة أعوام تدفع حالة الفوضى الضاربة بجذورها في أعماق سوق المبيدات بالفلاحين والمحاصيل الزراعية إلى حافة الهاوية جراء عمليات تهريب واسعة من المبيدات المحظورة تجري عبر الحدود وعبر المنافذ الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وتهريب المبيدات ربما هي ظاهرة قديمة، لكنها تفاقمت وتوسعت، بعد انقلاب الحوثي وصالح على السلطة، وسيطرتهم على صنعاء، حيث تحولت البلاد إلى سوق مفتوحة أمام الانقلابيين، والذين لم يكتفوا بمصادرة أموال الدولة ونهب المؤسسات ونهب البنوك، والمعسكرات، بل حولوا كل شيء في البلاد إلى تجارة، وربما تكون السوق السوداء أكثر سوقا شهدته اليمن في زمن الحوثيين.
فعلى مستوى قطاع المبيدات، وعلى مدى الثلاثة الأعوام الماضية دخلت إلى الأسواق كميات كبيرة من المبيدات المهربة والمنتهية الصلاحية ووصلت إلى الفلاحين في مناطق متعددة، واستخدمت لمكافحة الآفات وتسرب خطرها إلى صحة الإنسان.
تقرير برلماني يكشف عن تورط الحوثيين
الأسبوع الماضي كشف تقرير برلماني، أن ظاهرة التهريب للمبيدات المحظورة والممنوعة بلغت ذروتها خلال السنوات القليلة الماضية، تزامنا مع ما تشهده البلاد جراء حرب التحالف العربي في اليمن، والذي أسهم بشكل لافت في اتساع هذه الظاهرة وزيادة شهية المهربين واستغلالهم للأوضاع، لتحقيق مكاسب مادية كبيرة بإدخالهم للمبيدات المحظورة والأكثر سمية، متهما الجهات المختصة بالتخاذل والتقاعس.
التقرير البرلماني، الذي كشف عنه، النائب البرلماني أحمد سيف حاشد، أشار إلى أن مندوبي الجمارك في المنافذ (برية – بحرية – جوية) يقومون بالإفراج عن شاحنات تحمل مبيدات ضارة ومسمومة ومحظورة بمجرد تحصيلهم للرسوم والعوائد الجمركية.
التقرير أكد دخول 429 طنًا من المبيدات الزراعية الخطيرة والمحظورة، خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى اليمن، وأن شخصيات قيادية في جماعة الحوثي تقف خلف تهريب تلك السموم إلى البلد.
مؤسسة دغسان
جاء في التقرير البرلماني، أن مؤسسة دغسان والتي يمتلكها القيادي الحوثي دغسان أحمد دغسان "ينتمي إلى محافظة صعدة" تستأثر على سوق المبيدات الزراعية المحظورة والخطرة، وخلال أعوام (2015 -2016-2017) تم ضبط أكثر من 251 طنًا باسم المؤسسة يليها 115 طنًا لقيادي آخر يُدعى صالح عجلان.
وأشار التقرير إلى أن "مؤسّسة بن دغسان للتجارة العامة والخدمات الزراعية" استوردت لوحدها في 2016 شحنتين من المبيدات المتنوّعة المحظورة، الأولى 105 أطنان والثانية 145.6 طنا.
وأنشئت المؤسّسة عام 1990 في مدينة صعدة (مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته والتي تعد المعقل الرئيس للحوثيين شمال اليمن)، برئاسة صالح أحمد دغسان الذي قام بتوسيع المؤسّسة لتمتلك سلسلة من الفروع المختلفة، وسبق للمؤسّسة أن تسبّبت بكارثة بيئية بعد قيامها بطمر كميات كبيرة من المبيدات الممنوعة والمنتهية الصلاحية والتي دخلت البلد بطريقة غير مشروعة، وتخزين أخرى في منطقة الجراف بصنعاء عام 2013.
تجارة علنية للموت
وبين التقرير المثير للجدل داخل أروقة البرلمان اليمني الذي يعد أطول برلمانات العالم عمرا، وتسيطر عليه جماعة الحوثي أن استيراد السموم والكوارث المحتملة لا يزال مستمرًا، ولا إجراءات رادعة ضد أي شخص من جالبي السموم والخراب والموت المسرطن لليمنيين.
ولفت التقرير إلى أن كمية المبيدات المحظورة والممنوعة والمهربة التي تم ضبطها خلال الأعوام الثلاثة الماضية كبيرة، وأن مخازن وزارة الزراعة لا تستطيع استيعابها، فتم تحريزها وإيداعها في مخازن التجار المستوردين والمهربين للمبيدات؛ ما يثير الكثير من الشكوك حول تلك الإجراءات.
اقرأ أيضا: في صنعاء .. عُلب وقوارير مهربة تحمل الموت لليمنيين (تقرير)
وأوضح أن إدخال المواد المحظورة إلى البلاد يتم عبر السيطرة أولاً على وظائف الفحص والرقابة في المؤسسات الحكومية التي تتولى الكشف والمراقبة، والحد من إدخال تلك المواد، لكي يتم تسهيل دخولها بعد ذلك.
وقال البرلماني حاشد، إن تلك المبيدات الخطرة تدخل البلد أمام سمع وبصر أجهزة الدولة التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، ويتم "الإفراج عن شاحنات المبيدات بمجرد دفع أو تحصيل الرسوم".
وبحسب البرلماني حاشد، فإن تهريب المبيدات إلى اليمن، لا يعني فقط فقدان الخزينة العامة لموارد نقدية هامة، بل ما هو أشد خطرا هو أن المبيدات المهربة محظورة وسمية، وهذا يعني أن الاستهداف يشمل أيضا الصحة والإنسان والبيئة والحيوان.
وشن حاشد هجومًا لاذعًا على حكومة الانقلاب قائلًا: "حكومة الإنقاذ تثق بالمهربين وتجار المبيدات المحظورة، وتودع بمخازنهم هذه المبيدات المحظورة التي أدخلوها إلى صنعاء وغيرها، وأين يحدث هذا؟! في صنعاء المكتظة بالسكان وضواحيها.
تعطيل وظائف الرقابة
بشكل صريح، تحدث التقرير البرلماني، عن كل الجوانب المتعلقة بتهريب المبيدات وتورط القيادات الحوثية، ويكاد يكون هذا التقرير هو الوحيد، الذي يتهم سلطة الحوثي بفساد وبتجارة الموت لليمنيين، وتحت قبة البرلمان التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي، وتتحكم بكل ما يدار ويناقش فيه.
أشار التقرير البرلماني إلى أن توقيف حسابات الإدارة العامة لوقاية النبات، والذي اتخذته سلطة صنعاء، جعله غير قادر على القيام بتنفيذ حملات المراقبة على محلات تداول المبيدات، الأمر الذي أتاح الفرصة لمهربي المبيدات القيام بترويج وبيع المبيدات الممنوعة والمحظورة والمنتهية صلاحيتها، وتوقف أعمال المختبرات نتيجة عدم قدرتها على إجراء التحاليل والاختبارات المعملية سواء للمبيدات المستوردة أو للمنتجات الزراعية المستوردة والمصدرة بسبب عدم توفر المواد والمحاليل والمذيبات المختبرية.
وطبقا للتقرير توقف مختبر الصحة النباتية عن العمل بسبب عدم وجود كهرباء، وعدم توفر مولد كهربائي، رغم أن هذا المختبر يحتوي على أجهزة بملايين الدولارات.
وتعليقا على هذه النقطة، يقول النائب البرلماني أحمد سيف حاشد، إنه عندما يريدون إدخال المحظور والفاسد والملوث إلى الداخل يضربون أولا وظائف تلك الجهات المعنية بالرقابة والفحص، والتي تقوم بكشف ما هو محظور، أو فاسد، أو ملوث، أو مخالفا لمقاييس الجودة، وقد سمعتم عن الفترة التي تم فيها تعطيل الهيئة المعنية بضبط المقاييس والجودة.
وكما جرى ضرب إدارات الرقابة والفحص فيما يتعلق بالمشتقات النفطية ومنع الملوث والفاسد منها، جرت العملية في وزارة الزراعة، ومن أجل إدخال المبيدات المهربة والمحظورة جرى توقيف حسابات الإدارة العامة لوقاية النباتات، وبالتالي التوقيف التام لأنشطة الإدارة العامة لوقاية النبات.
والمثير للضحك، أن أطنانا من السموم لا يعرف اسم التاجر المستورد مع أن من قام بضبطها أو ضبط بعضها الأمن السياسي في نقطة يسلح بعد أن أطلق سائقي الشاحنات، وفي هذه النقطة يقول البرلماني حاشد، إن دور الأمن السياسي مشبوه أكثر من كل المشتبهين الذين يقبض عليهم في زنازينه وسجونه.
المبيدات المهربة فاقمت الإصابة بالسرطان
حذر رئيس الرابطة اليمنية لمرضى السرطان، "حيمد اليادعي"، من خطورة الغياب التام للأدوية والإشعاع والخدمات الأخرى مما يدفع بمرضى السرطان للموت في منازلهم».
"اليادعي"، وفي تصريحات سابقة له، وتحديدا في اليوم العالمي لمرضى السرطان، قال إن مناسبة اليوم العالمي لمرضى السرطان حلت هذا العام ومرضى السرطان في اليمن يعيشون وضعاُ سيئاً وكارثياً للغاية في ظل تفاقم المعاناة بسبب الحرب.
وعزا ارتفاع عدد مرضى السرطان خلال الحرب إلى تأثير مخلفات الصواريخ والقنابل العنقودية وانتشار الجثث، بالإضافة إلى مشاكل تهريب المبيدات والسجائر، واعتبر أن كل ما سبق فاقم من الكارثة على واقع مرضى السرطان في اليمن وجعل من أحوالهم فوق أي تصور مأساوي حد قوله.
ويوجد في اليمن أكثر من تسعين ألف حالة سرطان، وأدت الحرب إلى ارتفاع وفياتها إلى 20 في المائة من عدد المرضى سنوياً.
التقرير البرلماني، والذي فضح الميليشيات الحوثية، لم يتغافل في حديثه عن هذه النقطة، حيث أكد أن الأسباب الرئيسية لانتشار الأمراض والأوبئة وارتفاع أعداد المصابين بالسرطان في اليمن خلال فترة الانقلاب، أن موردي تلك السموم لا يزالون مستمرين في عمليات الاستيراد ما ينذر بكوارث خطيرة، مطالبا بإجراءات رادعة ضد جالبي السموم والخراب والموت المسرطن لليمنيين.
المزارعون يعترفون
المزارعون لا ينكرون شرائهم للمبيدات المهربة، والتي يقولون إنهم أصلا يواجهون مشاكل كبيرة في تأخر إنتاج محاصيلهم الزراعية، ما يدفعهم لشراء مبيدات اغلبيتها يقولون إنها مهربة، ولكنها قد تساعدهم على تقليل تكلفة إنتاج المحصول والتسريع بإنتاجه.
ففي فصل الشتاء تكون العاصمة صنعاء شديدة البرودة، والبرد يعمل على تأخير نضوج المحصول بما في ذلك شجرة القات، ولهذا يقول بعض المزارعين في حديثهم لـ "الموقع بوست"، بأنهم يقومون برش القات بمبيدات قوية الفعالية في فصل الشتاء، مثل مبيد الجرانيت وسوبر والتر وأبو مقص وغيرها من السموم التي تعتبر سموما قاتلة ومهربة، ويؤكد المزارعون أنهم يشترون المبيدات المهربة من محلات المبيدات بصنعاء.
التجار يؤكدون بيع الممنوع
"الموقع بوست" توجه بسؤال إلى أحد تجار المبيدات في صنعاء، عن بيع المبيدات للمزارعين وعن التوعية بالمخاطر، وبدوره أكد هذا التاجر بأن المزارع لا يسأل عن الأضرار الصحية التي قد تنجم عن المبيدات بقدر اهتمامه بمفعول المبيد الأكثر تأثيراً.
ولا ينكر أصحاب محلات بيع المبيدات بيعهم لهذه المبيدات الشديدة السمية وحصولهم عليها بالتهريب، مؤكدين دخول مبيدات خارج القائمة المسموح بها من وزارة الزراعة وبيعها دونما مشكلة.
تجار جدد بدون تراخيص
أصبحت المبيدات الزراعية بأنواعها تباع جنباً إلى جنب مع منتجات الحلوى والشوكولاتة في الدكاكين والبقالات خصوصا في الأرياف التي يرتفع فيها الطلب على المبيدات الزراعية لاستخدامها في رش القات.
وتؤكد مصادر بأن وزير الزراعة في حكومة الانقلاب غازي أحمد علي محسن، وجه بإعطاء التراخيص خلال الأشهر الماضية لـ 17 تاجرا تاجر كانوا قد تقدموا إلى الوزارة بمعاملات استيراد مبيدات وأسمدة وبذور.
وبحسب المصادر، فإن غازي ألغى لجنة شكلت لمكافحة تهريب المدخلات والمنتجات الزراعية سميت بـ "اللجنة العليا لمكافحة تهريب المدخلات الزراعية ومعالجة أخطارها" ما أتاح الفرصة لتهريب المبيدات والأسمدة والبذور.
ويبلغ عدد وكلاء شركات المبيدات في اليمن بحسب تقارير رسمية (52) وكيل شركة، و1800 بائع أو تاجر لمواد المبيدات، منهم (800) تاجر مرخص لهم بمزاولة هذا النوع من التجارة من قبل وزارة الزراعة والري على مستوى الجمهورية، و(1000) يعملون بدون تراخيص.
ومنذ اجتياح ميليشيا الحوثي وصالح للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، تضاعفت محلات بيع المبيدات في شوارع العاصمة صنعاء حتى وصلت إلى "140" محلا تجاريا جراء تشجيع الميليشيا لتهريب المبيدات وبعضها محظورة.
كما قامت سلطات الانقلاب بتوجيه الإدارة العامة لوقاية النبات بتسجيل 57 نوع من المبيدات الجديدة دون إجراء تجارب عليها، في مخالفة لقانون المبيدات رقم “25” لسنة 1999.
وهكذا وقع المزارعون ووقع اليمنيون أمام خطر جارف من المؤكد أنه سيلقي بظلاله الوخيمة على المحاصيل الزراعية، ويجعل الفلاح أمام خيارات صعبة، جراء عدم قدرته على اختيار المبيد المناسب له لرخص أسعار هذه المبيدات، وعدم التوعية بمخاطر تلك المبيدات المهربة، في حين يظل اليمنيون مهددون بالأمراض الوبائية والسرطانية والقاتلة، وتستمر هذه الأمراض القاتلة تتسلل إليهم مع تفاقم تجارة التهريب، ومع غياب الرقابة وغياب الضمير الإنساني وغياب الدولة وسلطة القانون، إلا سلطات الانقلاب والمتاجرين بأرواح اليمنيين.