[ مطالبات للحكومة بالعودة إلى اليمن والعمل لإيجاد حلول يوقف انهيار الاقتصاد ]
عقب مناشدات رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر المملكة العربية السعودية لإيقاف تدهور العملة والاقتصاد في البلاد، اعتمدت المملكة العربية السعودية الوديعة التي كانت قد وعدت بتقديمها لليمن أواخر العام الماضي.
وأعلنت السعودية في 17 يناير/كانون الأول، عن وديعة بقيمة ملياري دولار، هي بمثابة دين على اليمن، سيقوم بتسديده مستقبلا.
وكان قد وصل سعر صرف الدولار الواحد أكثر من 500 ريال، لأول مرة في تاريخ اليمن، وهو الأمر الذي أثار مخاوف اليمنيين، بعد ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
وبرغم انخفاض سعر الصرف بعد الإعلان عن الوديعة وتفاوته بشكل كبير في عدة محافظات، إلا أن الأسعار ما تزال مرتفعة، بينما انخفض سعر الصرف بشكل طفيف في الأسواق.
وكان محافظ البنك المركزي منصر القعيطي، أقرَّ تخفيض أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية تدريجيا، على أن يتم ابتداءً من الأسبوع القادم إصدار نشرة رسمية تحدد أسعار الصرف.
لكن لم يُبدِ اقتصاديون تفاؤلا كبيرا إزاء تلك الوديعة لتأخرها، ونتيجة لمخاوفهم من عدم قدرة الحكومة اليمنية على إيجاد المعالجات الاقتصادية اللازمة للاستفادة من تلك الوديعة؛ لتحسين اقتصاد البلاد المنهار.
خطوات ضرورية
وفي هذا الصعيد أوضح الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، أن الوديعة عززت حالة الثقة التي بموجبها تحسن سعر الصرف، لكن ذلك لن يستمر ما لم تتخذ الحكومة إجراءات عملية على أرض الواقع.
وذكر أن هناك الكثير مما يجب فعله من قبل الحكومة، على صعيد استئناف تصدير النفط والغاز وحشد الموارد المحلية والمنح والتمويلات الخارجية وقبل ذلك استعادة الثقة في القطاع المصرفي.
وقال نصر في منشور على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي إن: "الوديعة كانت خطوة مهمة لتدارك حجم الانهيار الذي حدث لسعر صرف الريال اليمني، لكن ورغم أهميتها تتطلب عملا جادا من قبل البنك المركزي ومساندة ودعم فني ومالي من قبل الأشقاء والأصدقاء في دول الإقليم والعالم".
وأكد أن الحكومة قادرة على تخفيف معاناة المواطنين -إن كانت جادة بفعل ذلك- عبر شراكتها الكاملة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني وفق رؤية وآليات واضحة.
نصائح
وهو ما يتفق معه الصحافي المتخصص بالشؤون الاقتصادية نبيل الشرعبي، حيث طالب الحكومة –قبل التصرف بـ25% من الوديعة- بالاكتفاء بما أحدثه الإجراء الأولي من تعافٍ للعملة، وإن فشل في إحداث توازن في أسعار السلع الاستهلاكية، والحفاظ على ذلك التعافي قدر المستطاع، وتجميد التصرف بالباقي من الوديعة والمقدر بـ 75%، والشروع الفوري في إعادة بناء مالية عامة وقطاع مالي ومصرفي رسمي، وتخويل المالية العامة يؤازرها القطاع المالي والمصرفي، للقيام بمهامها كاملة دون أي تدخل من خارج هاذين الجهازين.
ويقابل ذلك –بحسب الشرعبي- إعادة تقييم الموارد الاقتصادية المتاح تدفقها إلى حساب المالية العامة، وتوزيعها على أبواب الموازنة العامة للدولة، والتي يجب أن يترافق تكوينها مع الإجراءات السالفة الذكر.
إضافة إلى استعادة الجانب الرسمي دوره الرئيس والقانوني في الحفاظ على استقرار عمليتي العرض والطلب المالي والسلعي، وإيقاف كافة التدخلات التي عطلت الدور الرسمي في عملية الاستيراد ومثلها التصدير، وتفعيل أدوات الرقابة والحوكمة ومكافحة الفساد في تحصيل الموارد المتاحة تدفقها، ويرافق ذلك اتباع سياسات وممارسات مسؤولة أخرى.
حل مؤقت
من جانبه قال أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، الدكتور طه الفسيل، إن تدهور الريال اليمني أمام الدولار، عائد إلى توقف الصادرات النفطية التي تعتمد عليها موازنة اليمن، بنسبة أكثر من 70% كمورد اقتصادي ومصدر للنقد الأجنبي.
وأكد في تصريحات صحفية أن الاقتصاد بحاجة إلى استئناف تصدير النفط لكي يستعيد عافيته، بالإضافة إلى ضبط الأسعار، معتبرا الوديعة السعودية حلا مؤقتا كونها ليست هبة، وتأثيرها نفسي في استقرار الريال اليمني في السوق.
ورأى أن قرار مجلس البنك المركزي اليمني في عدن الصادر منتصف آب/ أغسطس الماضي، بتحرير سعر صرف الريال أشعل فتيل أزمة العملة، إضافة إلى قيام الحكومة بطباعة عملة دون غطاء، رغم وجود أدوات أخرى لمواجهة الأزمة التي كانت موجودة.
وشدد الدكتور الفسيل على ضرورة إيقاف الحرب وحل الصراع الداخلي، باعتبار ذلك هو الحل لما يعانيه الاقتصاد اليمني والأوضاع بشكل عام في اليمن.
إنعاش آني
وذهب كذلك في نفس الاتجاه الصحافي الاقتصادي نبيل الشرعبي، الذي اعتبر أن الوديعة السعودية المقدمة لحكومة بن دغر، مجرد إنعاش آني لتدارك ما تبقى من بصيص حياة للريال اليمني.
وتوقع في تصريحه لـ"الموقع بوست" أن لا يستمر تعافي الريال الذي أعقب الإيداع لفترة طويلة، في ظل عدم وجود قطاع مالي ومصرفي، وانهيار أدوات وسياسات المالية العامة، وكذلك السياسة النقدية والمصرفية، والذي يقابله احتضار السوق المصرفية الرسمية، وتحول النشاط المصرفي من تحت مظلة منظومة الدولة، إلى نشاط خارج منظومة الدولة يديره سماسرة المضاربة بالعملة، مع عجز رسمي لضبطه يقدر بـ 90 إلى 94 بالمائة.
ويعتقد الشرعبي أن الوديعة فيما لو كان قد تم تسليمها قبل ذلك، فإنه من الصعوبة الحفاظ عليها والاستفادة منها لتلافي السقوط المريع للريال، في ظل عدم وجود جهاز مالي ومصرفي وكذلك انهيار المالية العام. لافتا إلى أن تأخرها وما نتج عنه من انهيار الريال، قد يجعل القائمين عليها أكثر حرصا للاستفادة منها، خشية تكرار ما حدث.
المطالبة بعودة الحكومة
وبالتزامن مع إعلان الوديعة، طالب اليمنيون في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، الحكومة اليمنية بالعودة إلى اليمن، من أجل تطبيع الحياة، والعمل على إيجاد حلول عملية لإيقاف تدهور الاقتصاد في البلاد.
ويتواجد أغلب مسؤولي الحكومة خارج البلاد، ويتوزعون في عدة بلدان، أبرزها المملكة العربية السعودية التي يوجد فيها الرئيس عبد ربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، وعدد كبير من المسؤولين.
وأدى تدهور العملة إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، في ظل عدم انتظام رواتب موظفي الدولة البالغ عددهم قرابة 1.200.000 موظف.
وقد بلغ عدد المحتاجين في اليمن لمساعدات إنسانية ما يزيد عن 82% طبقا لمنظمة الصحة العالمية. فيما تُحمل الشرعية الانقلابيين مسؤولية انهيار الريال اليمني، بعد إهدارهم الاحتياطي النقدي المقدر بخمسة مليون ومئتي دولار.