[ عناصر من مليشيا الحوثي ]
يوما بعد آخر تفاجئ جماعة الحوثي بصنعاء، الوسط السياسي والشعبي، بأن معركتها الأخيرة مع حليفها في الانقلاب، لم تكن تقتصر على إنهاء رئيس المؤتمر الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بل إن المسألة ظهرت بأن الجماعة تسعى إلى إلغاء المؤتمر بأكمله، وضرب كل الخيوط المتعلقة بصالح وبحزبه، على مستوى الجيش، وعلى مستوى الحزب، وعلى مستوى البرلمان، وعلى مستوى عائلة وأقرباء صالح، وعلى كل المستويات والأصعدة.
آ
على مستوى الجيش وتحديدا فيما يتعلق بالحرس الجمهوري المحسوب على صالح بدرجة رئيسية، سعى الحوثيون إلى تعيين، علي أبو الحاكم، قائدا للحرس الجمهوري، ويعتبر أبو الحاكم رئيسا لدائرة الاستخبارات العسكرية، وهو القيادي الذي يعتبر الثاني في الحركة بعد قائدها عبد الملك الحوثي، حسب مراقبين.
آ
وليس ذلك فقط، ما يجري على مستوى الجيش، بل إن هناك حملة اعتقالات مستمرة لكثير من القيادات العسكرية، في حين يجري التنسيق مع من صاروا تحت قبضتهم، بحصول ضمانات منهم على الولاء الكامل والمطلق لهذه السلطة، سلطة الحوثي، التي صار لا صوت يعلو فوق صوتها في صنعاء وفي المناطق التي تسيطر عليها.
آ
الإطاحة بالوزراء
آ
أما على المستوى السياسي، فقد سعى الحوثيون، إلى الإطاحة بوزراء محسوبين على حزب المؤتمر الشعبي العام، من حكومة الإنقاذ الوطني غير المعترف بها دوليا.
آ
وقد جرى تعيين العميد عبد الحكيم أحمد الماوري وزيراً للداخلية، وذلك خلفا للوزير السابق الموالي للرئيس السابق صالح اللواء الركن محمد عبد الله القوسي.
آ
وأقدمت جماعة الحوثي على تعيين مسفر عبد الله صالح النمير، وزيرا للاتصالات وتقنية المعلومات خلفا للوزير السابق جليدان محمود جليدان، المحسوب على حصة المؤتمر الشعبي العام، إضافة لتعيين هلال عبده علي حسن الصوفي، محافظاً لمحافظة حجة.
آ
ووصف الحوثيون تحركات صالح والقوات الموالية له في صنعاء، مطلع ديسمبر الجاري بـ "الخيانة" وقواته "بالميليشيا" و"صالح" بزعيم الميليشيا، ودارت الاشتباكات الطاحنة في عدة أحياء جنوبي صنعاء، وانتهت بمقتل صالح، ومقتل أكثر من 234 شخصاً وأصيب 400 آخرين من الطرفين.
آ
حكومة حوثية بامتياز
آ
وتعليقا على إجراءات جماعة الحوثي في إطار حكومة الإنقاذ الوطني، يقول الوزير السابق في حكومة الوفاق الوطني، عبدالسلام رزاز في حديثه لـ "الموقع بوست": " إذا قرر الحوثيون إجراء تغيير في حكومة الانقلاب غير المعترف بها فإن ذلك يدل على أن وزراء المؤتمر الذين اختارهم صالح غير مرغوب بهم لدىآ الحوثيين، وهذا يعني أن للوزراء موقف من الوضع القائم بعد مقتل زعيمهم صالح، ومن الطبيعي أن آ يستبدلهم الحوثيآ بعناصر تحظى بالقبول لديه، وسواء جاؤوا بالبديل من داخل المؤتمر أو من خارجه، فالهدف هو فرض لون واحد لحكومة تنسجم مع وضع ما بعد مقتل صالح وهو وضع حوثي بامتياز، واي مسمى لشراكة في ظل هيمنة اللون الواحد هو نوع من المغالطة، أما التقييم لحكومة انقلاب غير معترف بها سواء في وضعها الحالي أو السابق يمكن وصفه بالعبث، إذ لا يمكن تقييم كائن خلق ميتا وسيستمر ميتا إلى أن يدفن"، وفق تصريح رزاز.
آ
الحوثي يحاصر نفسه بسلوكه
آ
وعما يمكن أن يقوم به الحوثيون خلال المرحلة القادمة، وإلى أي مدى ستستمر هذه الإجراءات، يقول رزاز: "بالنسبة لتوقعاتي حول ما سيقوم به الحوثي في قادم الأيام، ففي تقديري وبحسب المعطيات القائمة ليس أمامه سوى الاستمرار في تدمير ما تبقى من الحياة التي دمرها خلال الثلاث السنوات الماضية، ولا توجد أي مؤشرات في فضاء الحوثي نحو الحلول للمشاكل التي صنعها لنفسه وللشعب.
آ
ويتابع: اعتقد أنه سيمضي في خلق عوائق أكثر أمام الحلول لأنه لا يجيد غير استخدام السلاح والإقصاء وسيحاصر نفسه والحياة بشكل عام في المناطق التي يسيطر عليها حتى ينتهي ويخرج من المشهد، وربما الترتيبات الإقليمية والدولية القادمة في المنطقة لن تبقي أمامه فرصة للتنفس كما يريد".
آ
مرحلة مظلمة للمؤتمر
آ
يبدو أن المؤتمر الشعبي العام، دخل مرحلة مظلمة من تاريخه، ولم يتعرض المؤتمر لفقدان رأسه السياسي، بل تم تجريف جميع قيادات المؤتمر، عن طريق الاغتيال وعن طريق وضع العشرات تحت الإقامة الجبرية، كل تلك الإجراءات إضافة إلى تجريم وتخوين قواعده الشعبية والجماهيرية وممارسة الترهيب ضدهم، جعلت المؤتمر الشعبي العام في حالة شلل تام.
آ
على مستوى البرلمان وجديد الإجراءات التي أقدمت عليها جماعة الحوثي، هي اختطاف اثنين من أعضاء البرلمان المحسوبين على حزب صالح، وهما، علي الكبودي، والنائب محمد صالح، وكلاهما ينتميان لمحافظة ذمار.
آ
في حين تفيد معلومات بأن الحوثيين يسعون إلى اجبار مجلس النواب على عقد جلسة بشأن منح الحوثيين الصفة القانونية بما قامت به من إخماد ما أسمته "فتنة"، وهناك ضغوطات كبيرة على جميع من لهم علاقة بالمجلس وعلى الأعضاء المتواجدين بصنعاء على الاإدام على ذلك، وبطريقة القوة.
آ
على الصعيد الآخر، تفيد معلومات، بأن الحوثيين يرغمون رؤساء فروع حزب المؤتمر وأعضاء المجالس المحلية في الدوائر الانتخابية في صنعاء على حضور ما يسمونه "الدورات الثقافية" الطائفية.
آ
لا معارضة
آ
وعن جديد هذا السلوك والتصرفات لجماعة الحوثي بصنعاء، يذهب الكاتب الصحفي، عبد العزيز المجيدي، في حديثه لـ "الموقع بوست" بالقول: "لا يفترض أن يكون هناك أي علامة استفهام بخصوص سلوك الحوثيين بعد التخلص من شريكهم في الانقلاب والحرب صالح، الآن أصبحت سلطة الأمر والنهي بيد جماعة الحوثيين، وهي التي ستتولى ترتيب المشهد بالطريقة التي تروقها دون أي اعتبار لتركة صالح: المؤتمر".
آ
ويضيف "في السابق كانوا يراعون إلى حد اعتبارات شراكتهم مع صالح، ورغم أنهم سيطروا على كل تفاصيله، إلا أنهم كانوا حريصين على إبقاء قشرة خارجية للحديث عن الشراكة وما إلى ذلك، لكن صداع صالح انتهى وإلى الأبد".
آ
ويتابع "كأي كيان نشأ في حضن السلطة، وكان تعبيرا عن حاجة الحاكم لقفاز لتنظيم سيطرته على السلطة وإحاطة نفسه بسند شعبي مزعوم، لن يكون بوسع المؤتمر وما تبقى من قياداته في صنعاء بما فيها تلك التي تمسك بمناصب فيما يسمى حكومة الإنقاذ غير المعترف بها دوليا، إلا الاستمرار كموظفين لأداء ما تريده جماعة الحوثيين، أو الفرار ولا أعتقد أن بوسعهم حتى ممارسة الصمت والحياد، فهذا سيجعلهم عرضة لبطش المليشيا".
آ
انفراد بالقرار
آ
وبحسب المجيدي، الذهاب لإجراء تغييرات " وزارية" أو تعيين " محافظين جدد"، مترتب مباشر عن حالة الانفراد بالقرار، وتحصيل حاصل للقضاء التام على شريكهم صالح.
آ
وحتى الآن ليس هناك تغيير كبير لقوام طاقم حكومة الانقلابيين وهذا دليل على أن ما تبقى من شخصيات موالية لصالح باتت تتفهم الدور المطلوب منها وهي مذعنة بشكل تام للجماعة.
آ
ويواصل: "بالطبع فإن مليشيا الحوثي هي الأقدر على وراثة تركة صالح، وستحرص على توظيفها بما يخدم مصالحها باعتبارها هي وارث سلطة صالح التي كان يعيش فيها المؤتمر، وتستطيع تلبية مصالح هذه المجموعة من القيادات".
آ
آ يقول المجيدي في سياق تصريحه: "قد شاهدنا كيف امتثل رئيس مجلس النواب وأعضاء المجلس، غير الشرعي، المنتمين للمؤتمر في عقد جلسة بطلب من الحوثيين، واقتصرت موضوعاته على مجموعة مناشدات وتوسلات للحوثيين متصلة بجثة صالح وأبنائه".
آ
ويؤكد المجيدي، على أنه "في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لن يكون بوسع أحد ممارسة أي شكل من المعارضة لها خصوصا ما تبقى من مؤتمر صالح الغير مهيأ للعب أي دور من هذا القبيل بفعل بنيته وعلاقات المصالح التي تحكم قياداته، فضلا عن اليد الغليظة لمليشيا الحوثي في تلك المناطق".
آ
خندق الامس
آ
من جهته، يقول فياض النعمان، وكيل وزارة الإعلام، في حكومة بن دغر: "فُض الشراكة بين الرئيس السابق ومليشيات الإجرام الحوثية الإيرانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة والانتهاء بمقتل الأول من قبل الأخير تعد الحلقة الأهم والركيزة الأساس على انتهاء التحالف بين طرفي الانقلاب الذي بدأ في ٢٠١٤ وانتهى في ديسمبر ٢٠١٧ فيما بقية الممارسات والإجراءات من قبل مليشيات الحوثي مجرد تفاصيل لن تغير من الصورة الانقلابية سوى اختزالها بأن طرفي الانقلاب أصبحوا طرف واحد والمتمثل بالمليشيات الانقلابية الحوثية لا غير".
آ
واضاف النعمان، لـ "الموقع بوست": "استمرار المليشيات الانقلابية الحوثية بارتكابها لجرائمها الغير إنسانية بحق شركاء الأمس، وعدوان اليوم لن يتوقف حتى يتم إزالة كل إجراءات الشراكة والتحالف مع من كانوا أمس في خندق واحد وبكل الأساليب المشروعة والغير مشروعة بهدف حماية أهداف مشروعهم الانقلابي الكهنوتي الرجعي الإمامي".
آ
استعادة الحكم البائد
آ
كل المؤشرات تقول بأن جماعة الحوثي، تسعى إلى تصفية صنعاء من بقية عناصر صالح وبقية عناصر المؤتمر، بل تسعى إلى السيطرة على هذه التركة، بكل الأشكال.
آ
وتضع جماعة الحوثي في حساباتها، كل الذين يمكن أن يحاولوا أن يلعبوا أي دور معارض ولو حتى على مستوى بسيط، فعلى مستوى عائلة صالح وأقربائه يستمر الحوثيون في إسكات جميع الأقرباء، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية وملاحقتهم ليل نهار، وجديد هذا المستوى قيام جماعة الحوثي باعتقال خالد الأرحبي، زوج ابنة الرئيس السابق صالح.
آ
يقول الصحفي، شاكر أحمد خالد في حديثه لـ "الموقع بوست": "بعد مقتل صالح كان واضحا ان المشهد يتجه إلى سيطرة مليشيا الحوثي على تركته السياسية والعسكرية التي بناها خلال أكثر من 33 عاما، وهذه التعبيرات لا تخرج عن هذا السياق، بل في تقديري هي إجراءات بسيطة وخطوة أولى في إطار خطوات أوسع لتصفية تركة صالح من كل أجهزة الدولة السياسية والعسكرية والاجتماعية.
آ
ويضيف شاكر "البناء الفكري والأيديولوجي لهذه الجماعة لا يقبل التعايش حتى في دوائرها المقربة إذ تضيق الحلقة شيئا فشيئا حتى تصل إلى أقرب حليف لها كما حدث مع صالح والذي لم يشفع له فتح معسكراته ومخازن أسلحة الدولة وعتادها ورجاله حتى قتلوه بتلك الطريقة الشنيعة والخالية من الرحمة"، ويواصل: "منذ سيطرة المليشيات على العاصمة صنعاء كان واضحا أيضا أنها دخلت في سباق مع الزمن واستغلال الفرصة بعد تنفيذها حملات مجازر ضد مخالفيها بتفجير منازلهم وشن حملات اﻻختطافات والاعتقالات كل الصحف ومكاتب القنوات الإعلامية".
آ
ورغم وراثها لتركة صالح الآن، لكنها، وبحسب شاكر، تدرك حجم الكراهية التي باتت تحوزها من أنصاره وقياداته وإن كان غير بمقدورها التعبير عن نفسه نتيجة الوحشية التي تتعامل بها الجماعة، لذلك هناك مخاوف حقيقية وواضحة لدى الجماعة من ردة الفعل خاصة وان قوات الجيش الوطني باتت قريبة من العاصمة والمجتمع الإقليمي والدولي ينظر إليها كجماعة انقلابية فاشية أكثر من أي وقت مضى. ونتيجة لذلك لن تتوقف مليشيا الحوثي من تمكين أعضائها الموثوق بهم جدا من أجهزة الدولة العسكرية والإدارية وتصفية كل المشكوك في ولائهم لها. هي تعتبر نفسها أمام لحظة تاريخية مثالية للسيطرة الكلية على البلد واستعادة الحكم البائد.
آ