مجددا عادت محافظة المهرة (شرقي اليمن) إلى واجهة الأحداث، مع قدوم قوة سعودية إلى محافظة المهرة، دون علم السلطات المحلية بالمحافظة، وهو الأمر الذي أثار ردود أفعال متعددة، كان أهمها قيام السلطة المحلية والعسكرية والأمنية ورجال القبائل بمنعها وإيقافها في قيادة المحور، وفرض شروط لتسليمها مطار الغيضة الدولي لإعادة تأهيله وتشغيله، وهي المهمة التي تقول قوات التحالف إنها أتت من أجلها.
كان اللافت في التطورات الأخيرة في محافظة المهرة، أنها أتت عقب انسحاب إماراتي من المحافظة، و الذي كان قد مد جسور نفوذه فيها عبر الهيئات الإغاثية، والجانبين الأمني والعسكري.
ويمثل الانسحاب الجزئي بإيقاف رواتب الجنود الذين تم تدريبهم، وسحب الآليات والسيارات التي كانت قد قامت دولة الإمارات بتقديمها، كدعم للأجهزة الأمنية وقوات خفر السواحل، وهي التطورات التي كان "الموقع بوست" قد انفرد بتسليط الضوء عليها.
عقب تفاوض وشد وجذب بين السلطات المحلية، مدعومة برجال القبائل صاحبة اليد الطولى في المهرة تم الرضوخ لشروط السلطة والقبائل، وسمح للقوة والفريق السعودي بدخول مطار الغيضة ومباشرة أعمالهم في إعادة تأهيله تمهيدا لتشغيله.
أطماع إماراتية
الكاتب والسياسي الجنوبي نائب رئيس مؤسسة 14 اكتوبر للصحافة والنشر عبدالرقيب الهدياني، يرى أن السلطة المحلية في المهرة، تدرك خطورة التمدد الإماراتي، أكثر حتى من إدراك الشرعية.
ويضيف الهدياني في حديثه لـ "الموقع بوست": هناك واقع جيوسياسي في المحافظة جعلها تبتعد عن كل الصراعات الجنوبية سابقا واليمنية حاليا، ويجزم أن أي محاولة لطرف في تغير هذا الواقع المهري لن يجد قبولا بالمطلق.
يتابع الهدياني حديثه بالتأكيد على أن أي محاولة لتغيير قواعد اللعبة في المهرة، لن يجلب لها الاستقرار، بل سيصطدم بنفوذ ومصالح عميقة مكتسبة لأكثر من عقود.
ويتحدث الهدياني عن أطماع الإمارات في المهرة والتي كما يقول تتجاوز حتى أجنداتها اليمنية، وتتوسع إلى دائرة الصراع الإماراتي العماني، وهنا تكمن الخطورة على السلم الاجتماعي للمهرة.
ويواصل: بالذات بعد توقيع عمان اتفاقية مؤخرا مع قطر لإنشاء أكبر ميناء على سواحل عمان يهدد حركة ميناء دبي، ويحمل امتيازات أكبر، ستستميت الإمارات للتواجد في سواحل المهرة.
تنافس وتقوية نفوذ
الكاتب والسياسي الجنوبي ومدير تحرير موقع صدى عدن صلاح السقلدي قال إن التطورات الأخيرة بمحافظة المهرة تأتي ضمن تنافس محموم بين عدة أطراف وقوى محلية وإقليمة وإنها ليست وليدة اليوم .
ويرى السقلدي في حديثه لـ"الموقع بوست" أن موضوع تهريب السلاح الى الحوثي، وإن كان قد أبرزها مؤخرا أكثر من ذي قبل، إلا أن الاهتمام الذي يبديه التحالف- وبالذات الإمارات -بالمهرة كان موجودا منذ فترة من خلال بوابة المساعدات التي يقوم بها الهلال الأحمر, وهذه المعونات التي رأى فيها البعض أنها مجرد مبرر لتوسيع النفوذ شرقا، جاءت كامتداد واتساق جغرافي لنفوذ على طول الساحل الجنوبي، وصولا إلى ساحل تعز وباب المندب والمخا غربا.
ويشير السقلدي إلى جانب آخر وهو دخول سلطنة عُـمان بقوة، من نافذة شخصيات بارزة بالمحافظة، وهو الاهتمام الذي لم يكن مستغربا، فالمهرة هي البوابة الغربية للسلطنة، كما أن سلطنة عمان تعتبر بوابة المهرة المطلة على العالم، وتخشى مسقط من زعزعة لاستقرارها مستقبلا.
ويدلل السقلدي على مخاوف السلطنة مستشهدا بتجربة مريرة لها بهذا الشأن منذ سبعينيات القرن الماضي مع دولة الجنوب.
ويرى السقلدي أن موضوع تهريب صواريخ بالستية لجماعة الحوثي، كما يقول التحالف هو الذي سلّـط الأضواء على التطورات بالمحافظة الشرقية أكثر بالآونة الأخيرة.
وهو الموضوع في تقديره الذي لم يكن أكثر من مبررٍ للتحالف والإمارات بالذات لتقوية النفوذ، في إطار السعي للاستحواذ على أكبر مساحة جغرافية ممكنة، من منطلق فلسفة فرض سلطة الأمر الواقع على الأرض كورقة سياسية ضاغطة وفاعلة فوق طاولة التسوية السياسية القادمة.
يضيف السقلدي: برغم تباين حجج كل طرف واختلاف مزاعمهم، إلا أن عيونهم جاحظة بقوة على المنافذ البرية والبحرية والمضايق البحرية والجزر والموانئ والمناطق الحرة الاستثمارية المنتظرة مستقبلاً" على طول الشريط البحري الممتد بمسافة 1500كم.
ويتابع السقلدي حديثه بالقول ولا أتبنى لأقل بالمدى المنظور الفرضية التي تقول إن هذا التحشيد الإقليمي واليمني يستهدف الضغط على سلطنة عمان لغزوها مستقبلاً, مع أنه أصبح واقعا من خلال واقع تسارع الأحداث بشكل دراماتيكي بالعالم وبالمنطقة كل شيء جائز وغير مستبعد.
ويؤكد السقلدي في سياق حديثه لـ" الموقع بوست " أن الوجود الإماراتي والعماني وغيره من التنافس الإقليمي سيظل قائما طالما بقي معه الجنوب واليمن ككل على الهامش، وطالما بقي الوضع العسكري والسياسي يراوح مكانه من الضياع والغموض، وما بقيت التبعية للخارج بشكلها المفرط قائمة.
المجلس الانتقالي والمهرة
ويشير الكاتب صلاح السقلدي في حديثه إلى تطور جديد في محافظة المهرة وهو دخول المجلس الانتقالي الجنوبي على الخط بقوة في المهرة، بدعم إمارتي واضح .
وبحسب السقلدي فإن الانتقالي يهدف لقطع الطريق على قوات الشرعية هناك، من خلال تبينه لفكرة إنشاء قوات حزام أمني هناك.
ويوضح السقلدي أن هذا الأمر يواجه اعتراضات من بعض شخصيات قوية بالمحافظة -ربما مسنودة من مسقط-, فضلا عن رفض الشرعية التي ترى في ذلك تعميما لتجربة الإمارات الأمنية بمحافظات الجنوب الأخرى.
صراع وسيطرة
الكاتب ورئيس تحرير موقع وصحيفة عدن الغد فتحي بن لزرق بدوره يرى أن الصراع الحاصل في المهرة هو صراع بين دولة الإمارات العربية المتحدة، وبين سلطنة عمان.
موضحا أن دولة الإمارات تحاول مد نفوذها صوب المهرة والسيطرة على المحافظة، أسوة بالمحافظات الجنوبية الأخرى التي باتت تسيطر عليها، فيما تحاول سلطنة عمان الدفاع عن حضورها بهذه المحافظة.
ويتابع بن لزرق حديثه في منشور له على صفحته بالفيسبوك بالقول يحاول البعض التدليس على البسطاء من أبناء الجنوب بأن المهرة، في طريقها لوهم الحرية والكذب والضحك على الذقون.
ويضيف: لا يوجد تحرير ولا جنوب بهذه الطريقة، القصة وما فيها دولة تمد نفوذها وسيطرتها، ولا يوجد استقلال جنوبي قادم وكذب على البسطاء.
ويشير إلى أن الشيء الذي ستخسره المهرة هو حالة الاستقرار التي كانت تنعم بها منذ اندلاع الحرب الأخيرة.
يتوجه بن لزرق بنصيحه لأبناء المهرة بالقول: حافظوا على محافظتكم وأمنها واستقرارها، فوهم الحرية كذبة كبيرة نشرب مراراتها في عدن والمحافظات الأخرى كل يوم، ما بين موانئ معطلة، ومطارات مغلقة، وتفجيرات واغتيالات، وتعطيل للسلطات، وطرد للمحافظين، وانهيار لكل شيء.