[ أرشيفية ]
يعزف الكثير من الشباب اليمني عن دراسة الصيدلة بعد سماعهم قصص كثيرة عن مهنة المندوب العلمي لشركة أدوية ما، وماذا يعني أن تكون مندوب صيدلاني في اليمن، وهي المهنة التي عادة ما يشغلها خريجي هذا القسم من الطب.
يقول محمد الطيار (25عاما) لـ "الموقع بوست"، إنه فضل الالتحاق بقسم التجارة عن الالتحاق بقسم الصيدلة بكلية الطب في جامعة صنعاء، على الرغم من ان الالتحاق بهذا القسم كان ضمن طموحاته الأساسية، ولكنه فضل قسم التجارة عن الصيدلة بعد أن قال له صديقه وهو مندوب صيدلاني لدى إحدى الشركات "أتريد أن تكون سمسارا وتتعرض للذل والاهانات في بوابات عيادات الأطباء وابواب المستشفيات فلتلتحق بقسم الصيدلة".
انحراف مهمة المندوب
يقول (م. غ. ش) مندوب صيدلاني لدى إحدى شركات الادوية بأنه ندم كثيرا بأنه درس قسم صيدلة، وأنه لم يكن يتوقع أن عمله سيكون بهذه الطريقة التي صارت ممقوتة في الوسط المجتمعي والوسط الطبي، ولم يكن يتوقع انه سيكون مندوبا صيدلانيا، وفي نفس الوقت، وذات يوم سيقوم بمهنة العامل المختص بإصلاح إطارات السيارات.
يتابع الدكتور الصيدلاني حديثه لـ "الموقع بوست" ويقول بسبب أنه مندوب لصنف دوائي معين فان شركته تكون مضطرة لان تخضع لكل الطلبات التي يطلبها الطبيب المعني بتصريف ذلك الصنف من خلال كتابته في الوصفات الطبية للمرضى.
حسب مندوبين صيدلانيين، تحدثوا لـ "الموقع بوست" فإن المندوب في شركة الادوية في الحقيقة يصنف بالمندوب العلمي، ويكمن دوره في التسويق الدوائي لدى الشركة، حيث يقوم بالترويج لأصناف الشركة التي يعمل فيها، ويفترض أن يقوم عمله على عدة خطوات، منها جمع معلومات شامله عن الأطباء، والصيدليات، على شكل بيانات في محتوى يسميه قائمة الاطباء جمع المعلومات، وتعتبر هذه أول خطوه يقوم بها المندوب، في حين ثاني خطوه تكون معتمده على نوعية الاصناف التي سيقوم بالترويج لها عند أطباء ذوي تخصص معين.
وحسب هؤلاء الصيدلانيين، فإنه بعد ذلك عمل المندوب، يرتكز على زيارة الأطباء، وإقناعهم بالأصناف التابعة للشركة التي يعمل فيها، بحيث يقنع الطبيب بكتابتها على وصفة المريض. ومن ثم متابعة حركة الاصناف في الصيدليات وتسجيل طلبيات.
ويقول المندوب الصيدلاني كمال العزعزي، لـ "الموقع بوست" بأن المندوب العلمي محورا مهما في ايصال المعلومات حول الدواء الى الطبيب باعتباره الخبير الاول في الدواء كونه إخصائي صيدلة وبالتالي يستفيد الطبيب من المعلومة التي يقدمها المندوب في كتابة الدواء المناسب للمريض وبالتالي يستفيد المريض ويتشافى وهذه هي اهمية المندوب العلمي".
ويشير العزعزي، إلى أن هذه المهمة الأساسية لا وجود لها في اليمن، وتحول المندوب إلى بائع ومسوق لصنف دوائي، فصارت الرشاوي واستخدام الكذب أدوات واوراق يستخدمها في عمله.
استحقار يبدأ من قاعات الدرس.
وحسب الصيدلاني محمد الشرعبي، فإن مهنة المندوب أو العمل كمندوب في اليمن ينظر اليه المجتمع الطبي باستحقار واستهجان والبعض يطلق على هذه المهنة الفاظا سيئة على سبيل المثال، كل مندوب كذاب، المندوبين هم سماسرة
يقول الشرعبي لـ "الموقع بوست": "لا أنسى أحد الدكاترة في كلية الطب اثناء الدراسة، وهو يتلفظ بألفاظ بذيئة ويقول لا تغتروا كلكم بتحملوا حقيبة السمسرة وكلكم ستتخرجون سماسرة".
وطبقا للمتحدث، فان هذه السمعة السيئة التي شوهت عمل الصيدلاني كمندوب علمي، ناتج عن السياسات اللاأخلاقية التي اتبعتها الشركات الدوائية في اليمن، وجعلت من المندوبين كـ "سماسرة" فعلا من خلال طرق الترويج أو التسويق التي تتم على أُسس ماديه تقدمها الشركات للأطباء تحت اسم خدمات أو نسب على كميات يقوم بتصرفيها الطبيب، وهذا أدى الى عمل لا أخلاقي مشترك من قبل الشركة والمندوب والطبيب ومن يتحمل الكارثة هو المريض.
تشويه المهنة
يؤكد أحد المندوبين الصيدلانيين لدى إحدى شركات الدواء، بأن ما قامت به الشركات من سياسات خاطئة أو لا أخلاقية في التسويق نتج عنه سلوكيات وتصرفات لا تليق بالمجال الطبي، والمندوب أصبح لا يقدم عمله كمندوب علمي لإيصال معلومة علميه للطبيب، وتوقف عن البحث والتطوير العلمي، وابتعد عن الدراسات الجديدة، وعمل كما يعمل أي سمسار في بيع أي قطعه أو سلعه عادية، وكأن ما يحمله ليس دواء قد يصبح "سم" ان لم يستخدم في المكان المناسب او في الحاجة المطلوبة له.
المندوب الذي اشترط عدم ذكر اسمه، حتى لا يلحقه ضرر الفصل من الشركة التي يعمل فيها، أضاف في حديثه لـ "الموقع بوست": "باستخدام هذه الطرق في الترويج يفقد المندوب احترامه من قبل الطبيب ويضل تحت تهديد الطبيب بالقطيعة مالم يقدم له الخدمات التي يطلبها الطبيب، وبالتالي المندوب يفقد مستواه العلمي، ويفقد أخلاقه، ويفقد احترامه، ومكانته في دائرة المجال الطبي".
وأشار أن "الشركة تحقق أرباحها على حساب اخلاق المندوب والطبيب والضحية هو المريض".
الطبيب يفقد أخلاقه
بسبب سلوكيات وممارسات شركات الادوية، فقد الكثير من الأطباء فقدوا أخلاقهم وصاروا تجارا بدرجة رئيسية نتيجة السلوكيات التي اتخذتها الشركات في الترويج لأصنافها، وأصبح الطبيب لا يبحث عن العلاج المناسب لشفاء المريض، بل يبحث عن العلاج الاكثر ربحا أو العلاج الذي سيحقق له نسبه عالية يستفيد منها، وهنا يخسر أخلاقه كطبيب ويلهث وراء العينات التي تقدمها الشركات أو المندوبين، وقد تكون وصفة الطبيب تحتوي اصناف شركه واحدة، لأنها قدمت له خدمة مادية أو نسبة.
في حديثهم مع "الموقع بوست" يقول مندوبون صيدلانيون، بأن معظم الاطباء ساد عليهم سلوك لا حياء فيه ويطلبون من المندوبين بهذه الطريقة: "أريد حقي العشرة في المائة أو ما هو المقابل، ماذا ستعطينا؟".
يقول أحد المندوبين "نحن كمندوبين نعاني الكثير في تصرفات الأطباء، مثلا طبيب مازال جديد أكمل الدراسة وبدا العمل، وأثناء زيارة المندوب له كان أول سؤال تلقاه المندوب أنا جديد في الشغل وضح لي كيف أستفيد من الشركات كيف أتعامل معهم".
ويضيف المتحدث "سبع سنوات أو عشر سنوات يدرسها الطبيب ليقدم خدمه انسانيه في علاج المرضى وهنا يقضي على كل شيء ويطغى عليه هذا المفهوم الخاطئ عن كيفية التعامل بكتابة الأدوية للمرضى، وهذه السلوكيات أثرت سلبا عمل المندوبين في الشركات المحترمة، لا يستطيعون تقديم خدمات للأطباء وبالتالي تتراجع مبيعاتهم ويتعرضون لضغوطات من قبل الشركات".
سمسار علمي
من جهته يقول المندوب الصيدلاني، لدى شركة العالمية، صدام منصر، لـ "الموقع بوست": أعمل كمندوب علمي لدى شركه محليه، وهي الشركة العالمية لصناعة الادوية، ونحن لا نواجه مشاكل مهنية والشركة تحقق نجاح متسارع، وأنا افتخر كوني مندوب في هذه الشركة، كونها تواكب التطور العلمي في انتاج الأصناف الجديدة ولديها مكتب علمي يقدم لنا الدعم العلمي، حيث تقام دورات علميه متتالية، ونخضع لاختبارات علميه دوريه وايضا أنشطه في المجال الطبي، ونحن في الشركة نقوم بإيصال معلومات علمية، ودراسات حديثه للأطباء، ولأن عملنا يرتكز على الجانب العلمي بشكل كبير فإننا أحيانا نواجه في السوق مشكلات ولكنها بنسبه ضئيلة ونتجاوزها".
ويضيف منصر "فعلا أنا كمندوب رأس مالي الطبيب ولكن أنا والطبيب رأس مالنا المريض إذا لم يتشافى المريض فإن الطبيب هو الخاسر، وهنا أنا أخسر الطبيب لذا أقنع الطبيب بالعلاج المناسب، ليصفه الطبيب ويتشافى المريض ونكسب أنا والطبيب".
ويختم حديثه "حين يكون المندوب متمكن علميا ويقوم بعمله على مستوى علمي يكسب احترام الطبيب ويكون راضيا عما يقوم به، ولكن عملنا تعرض كثيرا للإساءة، يقال سماسرة أنا موافق أن أكون سمسار علمي، أوصل معلومة علميه لمنتج يستفيد منه المجتمع كجوده وفعالية وسعر مناسب".