[ الوضع في عدن لازال متخبطا حتى الآن ]
صار فندق القصر في عدن المقر المؤقت لإقامة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعد عودته من منفاه بالسعودية الأسبوع الماضي ولكن العلم الذي رفع فوق مدخل الفندق ليس علم حكومته ولكن علم الحركة الانفصالية.
ويأمل هادي وداعموه الخليجيون أن تؤدي مزيد من الانتصارات في الحرب ضد الحوثيين الشماليين ووحدات الجيش الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى تمكينه من مغادرة المدينة الثانية في اليمن والعودة إلى قصر الرئاسة في العاصمة صنعاء.
وخلف السياج الشائك الذي يمثل بوابة الفندق يقف مقاتل ينتعل صندلا ويرتدي مئزرا حول وسطه (معوز). ووراء الأسوار الخارجية للفندق أكياس رملية ويوجد مقاتلون يرتدون زيا عسكريا وسيارات مدرعة تحمي الرئيس اليمني ينتمون إلى دول خليجية.
ويشير الاعتماد على قوات أجنبية ومجموعة متنوعة من رجال الميليشيات المحلية ولاؤها لهادي محدود ومشروط- إلى المصاعب التي تواجهها حكومته وهي تستعيد السيطرة على أجزاء من اليمن.
وتتجمع قوات مدعومة من الخليج في محافظة مأرب شرقي صنعاء قبيل هجوم متوقع على نطاق واسع باتجاه العاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون. وفي هذه الأثناء فإن مصير عدن والمناطق التابعة لها ربما يقدم لمحة عما إذا كان بالإمكان إحياء حكومة مركزية من نوع ما.
وقال محمد السعدي وهو طبيب قلب وسياسي انفصالي جنوبي وزعيم للمقاومة "كل الناس ينتظرون الآن لمعرفة ما يمكن للرئيس فعله للناس.. إذا لم يكن بمقدوره شيء فستكون الحرب.. مثل سوريا ومثل ليبيا."
وبالنسبة لداعميه الخليجيين فإن عودة هادي إلى اليمن يمثل تبريرا لحملتهم التي تمثل جزءا من صراع أكبر بين دول الخليج السنية في مواجهة ما يعتبرونه تدخلا من جانب المؤسسة الشيعية الإيرانية في شؤونهم. وهو ما تنفيه إيران عن نفسها.
ولكن جولة قصيرة في المدينة التي تعتريها الفوضى تظهر مدى هشاشة نجاح الحملة العسكرية وكيف أن لحظة الانتصار الجزئي ربما تكون لحظة عابرة. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 4500 شخص قتلوا في اليمن منذ مارس آذار
وخارج الفندق مباشرة يتجول تحت ظلال أشجار الأكاسيا باسترخاء مجموعات من الشبان المسلحين خاضوا الحرب الأهلية ولا توحي هيئتهم بملابسهم المدنية بأنهم هم من باتوا يسيطرون على الشوارع.
قيادات قبلية
وراء الواجهة العربية لفندق القصر التي تشبه الأبراج الطينية التي تشيع في أجزاء من اليمن يتجاذب الوزراء وشيوخ القبائل وقادة المقاومة أطراف الحديث على فنجان شاي مخلوط بالحليب بينما تقف قوات إماراتية خلف طاولة الاستقبال في الفندق.
وفي نهاية ممر طويل.. وبعد المرور برجلين يرتديان سترتين عند المدخل يعقد هادي اجتماعا مع زعماء القبائل ويجلس على رأس طاولة طويلة تحت رسم لصورته بجانب علم يمني.
وهذا هو العلم اليمني الوحيد الذي شاهده مراسل رويترز خلال اليوم الذي قضاه في المدينة في رحلة رتبها الجيش السعودي. وفي الأماكن الأخرى كانت الأعلام في المدينة هي أعلام اليمن الجنوبي السابق الذي اتحد مع الشمال في عام 1990. ويتمنى كثير من الجنوبيين إعادة الجنوب ليكون دولة مستقلة.
ويقول بعض اليمنيين إن معارضة الحوثيين هو الشيء الوحيد المشترك بين هادي والانفصاليين الجنوبيين الذين قاتلوا إلى جانبه في عدن حيث تزايد الضغط من جانب الانفصاليين منذ اندلاع الحرب.
ولم يكن محيط هادي المغلق مختلفا عما كان فيه خلال إقامته في قصر الضيافة في الرياض التي كانت تستضيف حكومته.
ولكن النافذة الشرقية تمكنه من رؤية الصخور البركانية المرتفعة فوق منطقة تواهي في شبه جزيرة عدن
وكان عدد من الرجال تجمعوا في تواهي ليرفعوا أعلام القاعدة بعد وقت قصير من توقف القتال في عدن في يوليو تموز. وهذا تذكير بأن الجماعة المتشددة تنتظر في الخفاء لتقفز إذا لم يتمكن هادي من إعادة الاستقرار.
وقال السعدي "حركة القاعدة تحت الطاولة.. ولكنها هناك في تواهي وكريتر والمنصورة" وهي أحياء في عدن. واضاف "أعرف بعضا من أفرادهم.. بعضا من قادتهم. إنهم يجلسون معك.. ولكنك تعلم أنهم يخبئون شيئا في عقولهم."
ويعقد هادي اجتماعات مستمرة مع قادة المقاومة وشيوخ القبائل. ويعرض كل من يأتي الدفع بجنود. وسيتلقى هؤلاء المقاتلون أجورهم من جانب الحكومة اليمنية وداعميها الخليجيين. وهذا هو السبيل الذي يسعى هادي من خلاله لضمان بعض الولاء من جانب المقاتلين الشبان.
هرج ومرج
في طريق قريب يمتد طابور طوله 150 مترا في الاتجاهين أمام محطة للبنزين.
وعند الاقتراب من المحطة تتجلى حالة من الهرج والمرج حيث تحاول سيارات الدخول إلى المحطة من جميع الاتجاهات. وتلاقي السيارات التي تمكنت من أخذ الوقود صعوبة في الخروج وسط أصوات أبواق السيارات المزعجة وتراشق بالسباب.
وإلى الوراء قليلا وقف قليل من الشبان يمثلون سوق وقود خاصا بهم تحت ظل شجرة. ومعهم خراطيم وأوعية بلاستيكية مليئة بالوقود.. يساومون السائقين.
وبحسب الرجال في محطة البنزين ومسؤول حكومي في فندق القصر فإن توزيع البنزين بكميات كبيرة لم يبدأ إلا في الأسبوع الماضي.
والآن.. في غياب الشرطة فإن كل سيارة في عدن تحاول التزود بالوقود.
وقال سالم عبد الله وهو رجل مسلح مسن خضب لحيته بالحناء في محطة البنزين "المشكلة في وزارة البترول. إنهم لا يوزعون الوقود على كل المحطات. ولكن يوزعونه على بعض المحطات." ويكتفي عبد الله بوصف نفسه بأنه مسؤول بينما يعامله المقاتلون باحترام.
وبدأ آخرون في الجدال بشأن ما إذا كانت الوزارة هي المسؤول الحقيقي عن نقص الوقود. ولكن سواء كان الأمر صحيحا أو لا فإن الافتراض يظهر أن أداء هادي ربما يتم تقييمه بسرعة برغم أن الحكومة لم تكد تتأسس.
وخلف عبد الله.. وفي داخل محطة البنزين وقعت مشادة بين مجموعات من الرجال المسلحين بالبنادق.
وهذا تذكير بأنه بينما بدأت الحاجات الضرورية تعود إلى المدينة فإن الوضع ما زال هشا للغاية وأن الأمن الحقيقي لا يعتمد على التحالف الخليجي ولكن على آلاف المدنيين المسلحين.
في نفس الوقت يقول السعدي إن أسعار الذخائر ترتفع. وتوقع أن تبدأ الميليشيات بتخزين الذخائر لأنها ترى نذر حرب أخرى تلوح في الأفق