[ الرقصات الشعبية من العادات المتوارثة في ريف تعز - الموقع بوست ]
في ربوع المحافظات اليمنية هناك عادات وتقاليد وأزياء شعبية وطقوس حياتية تميز كل محافظة أو منطقة عن غيرها، إلا أن ما يجمع عليه أبناء المحافظات هو تمسكهم بثقافاتهم والاحتفاظ بهويتهم.
العادات والتقاليد والأزياء الشعبية كثيرة ومتنوعة وتختلف من محافظة إلى أخرى، وأحيانا تجد بعض الاختلاف في الأزياء والطقوس في مديريات المحافظة الواحدة، ولأن تلك العادات والتقاليد كثيرة ومتشعبة ومن الصعب حصرها في تقرير، سيكون محور حديثنا عن العادات والتقاليد العيدية في أحد أرياف محافظة تعز كون أهالي المناطق الريفية أكثر تمسكا من أبناء المدن بتلك الطقوس والعادات كونها تمثل هويتهم التي ورثوها كابرا عن كابر.
العيد في مديرية جبل حبشي
جبل حبشي مديرية جبلية تمتاز بمناخها المعتدل وجبالها الشاهقة التي تكسوها الخضرة والأشجار والطيور النادرة.
تقع مديرية جبل حبشي، أو كما كانت تسمى قديما "جبل ذو خير" غربي تعز، وتبعد عن مدينة تعز حوالي 30 كيلومترا في الساعة، ويبلغ سكانها حوالي 200 ألف نسمة.
تتجلى في مختلف عزل جبل حبشي عادات وتقاليد وطقوس عيدية قد لا تجدها في منطقة يمنية أخرى.
العيد هنا بطقوسه وعاداته ممتع ويعيد للأرواح الحياة لأنه يختلف تماما عن العيد الممل في المدن، هكذا قال لي المواطن عبدالملك البركاني الذي اعتاد في كل عيد ومناسبة على شد رحاله من المدينة إلى قريته الواقعة على مقربة من أعلى قمة في جبل حبشي.
رحلة العودة
ما إن تصدح أصوات التكبيرات بمكبرات الصوت في العشر الأولى من شهر ذي الحجة إنذارا واستشعارا بقدوم العيد حتى يبدأ أبناء جبل حبشي -باستثناء قلة قليلة- بالعودة إلى القرى حتى لا يفوتهم ممارسة الطقوس والعادات العيدية التي لا يجدونها في المدينة.
كل قرية لها طقوسها وعاداتها الخاصة في المناسبات، غير أن عادة البرع والمعايدة في العيد هي التي تجمع كل القرى، ويكون البرع بأن تقرع الطبول أو المرافع وتضرب الطاسة، وهي أدوات بدائية تصدر أصواتا عند قرعها، ويقوم أهالي القرية بسحب الجنابي والسيوف التي يقتنونها ويؤدون فيها حركات ورقصات مختلفة.
تباين الضربات
عادة البرع والرقص على أنغام قرعة المرفع وضربة الطاسة تجمع كل أبناء العزل، غير أن لكل قرية وعزلة ضربتها الخاصة التي تميزها، لدرجة أن بعض أبناء العزل المجاورة إذا سمع صدى صوت قرعة مرفع وضربة طاسة قال هذه ضربة تلك العزلة وسماها باسمها.
سلطان حسين أحد المهمشين الذين تم استقدام والده مع أسرته من منطقة أخرى إلى إحدى قرى عزلة الجبل في جبل حبشي من قبل أحد كبار ومشائخ القرية بغرض قرع الطبل لإتقانه التعامل معه.
يقول سلطان -في حديثه لـ"الموقع بوست"- "كان والدي يضرب المرفع ويقرع الطاسة وكان الأشهر في القرع على مستوى العزل المجاورة"، مضيفا أن والده لم يورث له دينار أو درهم وإنما ورث له مهنة مرفع وطاسة.
سلطان حسين يختم حديثه بالقول "في المناسبات الفرائحية كالأعراس أقرع الطبل، المرفع والطاسة، وآخذ عليها مقابل مابين 5 إلى 10 آلاف، لأنها مهنتي الوحيدة التي أعيش عليها ومنها أكسب لقمة عيشي، غير أني في الأعياد أقرع الطبل مجانا.. هكذا تعلمت من أبي".
المعاودة في العيد
من العادات والتقاليد المتعارف عليها في قرى وعزل جبل حبشي "المعاودة"، وهي أن يقوم رجال القرية بالتجمهر والاحتشاد لأجل البرع والرقص على أصوات الطبل والطاسة.
أحمد البركاني أحد وجاهات القرية يروي لـ"الموقع بوست" ماذا تعني المعاودة وكيف تجرى طقوسها.
يقول البركاني "في كل عيد اعتاد الناس على معاودة أحد وجهاء ومشائخ القرية، فلكل شخص من كبار القرية يوم خاص من أيام العيد يتم الذهاب فيه إلى منزله لمعاودته منذ سنوات هكذا اعتدنا منذ الصغر".
ويضيف "تبدأ مراسم المعاودة بالبرع والرقص على أنغام المرافع حيث يقوم جموع المعاودين بالرقص في نواحي القرية وغالبا يكون البرع في قمم الجبال المحيطة بالقرية ولكل قمة يوم خاص يتم البرع على تلالها".
على أسطح المنازل ترى نساء وأطفال القرية متجمعين لمشاهدة المعاودين ورقصاتهم المختلفة، وهذا يفسر السر وراء اختيار قمم الجبال في البرع. تستمر طقوس البرع لعدة ساعات وبرقصات فريدة يتجه المعاودون ميممين الوجهة على أصوات نيران بنادقهم نحو منزل الشخص أو الشيخ الذي سيتم معاودته، ليخرج أهل منزل الشيخ لاستقبالهم بكل بهجة موزعين عليهم كؤوس العصير وحلويات عيدية.
يواصل البركاني الحديث مشيرا إلى أن فترات وأزمنة المعاودة تبدأ في أول أيام عيد الأضحى وتنتهي في عاشر أيام العيد، مشيرا أن للمعاودة في اليوم الواحد فترتين، معاودة نهارية ومعاودة ليلية.. المعاودة الليلة لا تختلف عن معاودة النهار بشيء سوى أن الرقص يكون في الليل ويحتشد الناس حول مصابيح إضاءة تعمل بالغاز والجاز ليقوموا برقصتهم المعروفة، متجهين نحو منزل الشخص الذي سيتم معاودته، وغالبا تبدأ فترة المعاودة الليلية من التاسعة وحتى الحادية عشر مساءً.
المرفع واستخدامه في إثارة الحمية
في العقود الماضية كان يستخدم أبناء جبل حبشي قرع المرفع وضرب الطاسة في استجداء وإثارة الحمية في نفوس أبناء قرى وعزل الجبل في بعض الأحداث الطارئة.
يروي الشيخ سفيان وهو شيخ في العقد الثامن من عمره -في حديث مع "الموقع بوست"- كيف كان يستخدم الطبل في إثارة الحمية في نفوس القرويين. يقول سفيان "كان إذا سفك دم فرد من أبناء إحدى قرى جبل حبشي من قبل شخص ينتمي إلى مديرية أخرى ضرب المرفع وقرعة الطاسة في قرية الشخص المعتدى عليه حتى يسمعها أهل القرية المجاورة فيشرعون بقرع طبولهم ليسمع أهالي العزل المجاورة حتى تقرع الطاسة ويضرب المرفع في كل عزل المديرية إيذانا للرجال بالاستعداد لأن أمر ما قد حدث".
ويستطرد الشيخ حديثه بالقول "لا ينتهي القرع إلا وقد تقاطر أبناء المديرية والقادرين على حمل السلاح بالكامل إلى نقطة التقاء اعتاد الجميع على التجمهر والاجتماع فيها منذ القدم".
الشيخ الثمانيني اختتم حديثه بالإشارة إلى أن تلك الجموع بعد اكتمال وفود كل القرى كانت تتجه إلى المديرية التي تعرض أبنها للاعتداء أو القتل فيها ولا يعودون منها إلا وقد أخذ الثأر لابنهم أو بصلح وردّ الاعتبار للمديرية.
مؤخرا استخدمت طريقة قرع المرفع وضرب الطاسة في إثارة الحمية بنفوس أبناء جبل حبشي حين شرع الشيخ حمود المخلافي قائد المقاومة الشعبية قبل كسر الحصار الجزئي عن مدينة تعز قرع المدفع وضرب الطاسة في قرى الضباب الواقعة بالقرب من مديرية جبل حبشي.