يوم بعد آخر يكتشف اليمنيون بأن دولتهم ومؤسساتهم تتعرض للنهب المكشوف من قبل جماعة الانقلاب التي دخلت صنعاء تحت مبرر إسقاط جرعة.
وخلال عامين حولت المليشيا البلاد الى مسرح للعبث والنهب الفاضح، الذي فاحت رائحته في مختلف مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء والمحافظات التي تسيطر عليها.
وتظهر وثائق عديدة حصل عليها "الموقع بوست" حجم الفساد الذي تغرق فيه هذه الجماعة، والقيادات المنتمية لها، وكيف استغلت الوظيفة العامة للتربح والتكسب عبر الاستحواذ على الأموال العامة، والممتلكات التابعة للدولة.
تلك الوثائق في الأساس هي غيض من فيض، ويتم تداولها من قبل الناشطين بشكل أو بآخر في وسائل التواصل الاجتماعي.
تذمر واستياء
حسب حديث الشارع اليمني والوسط السياسي اليمني والحقوقي، لن يستطيع الحوثيون اليوم المقاومة والدفاع عن أنفسهم والاستمرار في الدفع بمبررات وجودهم واقتحامهم للدولة، ولن يستطيعوا إخفاء ما يقومون به، فالوثائق صارت تفضحهم بشكل مخزي وبشكل صادم.
ردود الأفعال الغاضبة التي شهدها الشارع وامتلأت بها وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية المحلية والعربية ربما تؤكد بشكل واضح الغضب الذي يكبر ويتشكل يوم بعد آخر ضد جماعة الحوثي، التي لم يعد لها أي قبول على كل المستويات، حتى على مستوي حلفائها الذين بدؤوا يضيقون منها.
الوثيقة التي تسربت خلال اليومين الماضيين، وكشفت توجيه رئيس حكومة الانقلاب عبدالعزيز بن حبتور بصرف 30 لبنة لكل وزير في حكومته، شكلت محور غضب جديد في وجه الجماعة، وبات الجميع يتحدث بلغة واحدة، بأن الحوثيين لا يمكن اعتبارهم بعد كل الذي يقومون به سوى لصوص بدرجة رئيسية، وسقطت شعاراتهم التي رفعوها لمكافحة الفساد كما زعموا في العام 2014.
حكومة الانقلاب في صنعاء التي أقدمت على توزيع قطع أراضي من أراضي وعقارات الدولة على وزرائها الغير المعترف بهم وبشكل غير قانوني، تقول المعلومات إن هذا الإجراء اتخذ على أساس أن يتم منح نصف تلك المساحات لبنك الإسكان مقابل أن يبني البنك مبنى لكل وزير حسب الوثيقة.
ووجهت حكومة الانقلاب -بحسب الوثيقة- رئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني المعين من قبل مليشيات التمرد الحوثي، اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحديد الموقع وعمل المخططات وتوزيع القطع، وتسليم عقود التمليك للوزراء، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لقيت خطوة حكومة الانقلاب استياءا واستنكارا كبيرين.
يقول الناشط عبدالوهاب الشرفي في صفحته على فيسبوك "ما إن تمر فضيحة حتى يقعوا في أفضح منها: طلب بصرف سيارات، قرارات بتعيينات الأولاد والأقارب، قرار بصرف أراضي وبنائها، بالله عليكم هل هذه مواضيع اجتماعاتهم؟ هل هذا ما يشغل أذهانهم وتفكيرهم وتدبيرهم في هذه الظروف الكارثية التي يمر بها الوطن وأهله.. أي مبتذلون هؤلاء".
ويقول زكي حاشد "ثلاثون لبنة لكل وزير في حكومة صنعاء هل هي مكافأة آخر الخدمة أم هي رشوة لتمرير ما هو مطلوب تمريره وبأي صفة قانونية يصدر مثل هكذا قرار في ظل هذا الوضع الغير قانوني؟".
ويتساءل الناشط حاشد "ما الذي حققته هذه الحكومة وقدمته للوطن والمواطن غير الاستحواذ على المناصب والوظائف العامة، ونهب إيرادات الدولة، وفرض الإتاوات والجبايات على المواطن، وتجويع الشعب ونهب رواتب الموظفين، وعجزها عن إدارة البلد وفشلها في تحقيق أي اختراق سياسي أو عسكري".
ويقول عبدالوهاب قطران، وهو أحد المدافعين عن جماعة الحوثي قبيل اقتحامها العاصمة صنعاء "حكومة النصب والاحتيال الوطني بصنعاء تصرف أراضي لوزرائها ثلاثين لبنة لكل وزير من أراضي وعقارات الدولة، وألزموا بنك الإسكان أن يبني لهم وحدات سكنية.. الموظفون بدون مرتبات منذ عشرة أشهر، والوزراء منشغلون بأنفسهم".
ويضيف "حكومة الـ44 غير القانونية المسماة إنقاذ وطني لا عمل لها سوى أن تنهب وتحسن وضع وزرائها، أي ثورات هذه وماذا أفرزت من لصوص".
بعد هذه الحملة في مواجهة هذا الفساد، تقول مصادر إن رئاسة الوزراء بدأت سلسلة من التحقيقات مع سكرتارية رئاسة الوزراء، وبدأت باتخاذ إجراءات وإصدار مواقف معينة، بينما الجميع يعلم أنها محاولة للتبرير فقط، كما يطرح موالون من الجماعة.
التصرف بأراضي الدولة من قبل رئاسة الوزراء، وتوزيع جزء منها للوزراء، ليس سوى جزء من مسلسل قائم ويمارس بشكل خفي، وما يتم الكشف عنه من تصرف وسلوك يعد جزءا من منظومة متكاملة من الفساد.
الأراضي وجهة مفضلة للفساد
مصادر في الهيئة العامة للأراضي تقول لـ"الموقع بوست" إن التركيز على الأراضي من قبل حكومة بن حبتور، ما هو إلا ضمن تركيز جماعة الحوثي على أراضي الدولة بشكل عام، فالهيئة العامة للأراضي ومنذ البداية قامت جماعة الحوثي بتغيير رئاستها أكثر من مرة، ومؤخرا أعادت جماعة الانقلاب محمد مفتاح الذي ينتمي للجماعة، وتعيينه هناك يدل على نية فساد كبير هو حاصل الآن فعلا.
وكشفت المصادر بأن صرف أراضي الدولة لجماعات وأشخاص تتم في صنعاء وذمار والحديدة وفي مدينة دمت أيضا.
وأوضحت المصادر أن هناك ضغط على بعض الإدارات وعلى بعض المدراء بالتوقيع وتمرير مذكرات جميعها غير قانونية، ومن يرفض يتم تهديده بالتغيير.
وقالت المصادر بأن المرحلة المقبلة ستكشف ما قام به الحوثي في إطار أراضي الدولة والتصرف بها.
فساد في مؤسسات النفط
الفساد له عدة أساليب وصور، فجماعة الانقلاب أحكمت سيطرتها على كل المؤسسات الإيرادية وتمارس فسادا بمئات الملايين، ويتم هذا بشكل واضح، وهناك وثائق تفصح وتؤكد ما يجري.
فملف النفط هو الآخر مليء بالفساد، وما يتم من تسريبه من وثائق صرف وتلاعب بممتلكات ونهب إيرادات شركة النفط وشركة صافر ليس سوى صورة بسيطة للفساد في تلك المؤسسة.
وبالعودة إلى الوثائق فهناك بعض منها تكشف قيام قيادات حوثية بصرف واعتمادات عشرات آلاف لترات من البنزين وتحت مسميات عدة.
وهناك وثائق ومحاضر بلاغات من شركة صافر للإنتاج النفطي بالمخالفات المرتكبة وجرائم الفساد والنهب لممتلكات شركة صافر، والتي قام بنهبها وسرقتها قيادات الحوثيين، وفي مقدمتهم ما يسمي برئيس اللجنة الثورية بالشركة فيصل الجبري المكنى بأبو نايف، وهو أحد القيادات الحوثية المقربة من علي العماد ومحمد علي الحوثي ومحمود الجنيد، وجميعها قيادات تنتمي لجماعة الحوثي.
سيارات الدولة ضمن منظومة النهب
البلاغ الموقع من إدارات شركة صافر ونقابة الموظفين بتاريخ العاشر من مايو/أيار الماضي يتحدث عن قيام القيادي الحوثي مسؤول اللجنة الثورية بالشركة بمخالفات أبرزها الاستيلاء والنهب لعدد 10 سيارات تابعة للشركة، وكذلك كميات من المشتقات النفطية ومنقولات أخرى.
وتوضح الكشوفات المرفقة بمحضر البلاغ أن مشرف اللجان الحوثية قام بالاستيلاء على عدد عشر سيارات بينها سيارتين من نوع صالون، وسيارة صالون مدرعة نهبت بناء على مذكرة مدير مكتب الرئاسة محمود الجنيد الذي تحت تصرفه عشرات السيارات المدرعة التابعة للرئاسة، إلا أنه قام وعبر الجبري بنهب سيارة الشركة المدرعة، وبيعها لأحد الشخصيات واختلاس قيمتها التي تتجاوز مبلغ 100 ألف دولار.
إضافة إلى سيارات أخرى قام بأخذها القيادي الحوثي أبونايف وقام بإعادتها للشركة عند تشكيل لجنة برئاسة السكرتير الأمني لرئيس المجلس السياسي الصماد للنظر في بلاغ الشركة ضد أبو نايف الذي قام بإعادة عدد من السيارات خلال التحقيق، ومن ثم قام بنهبها مرة أخرى والاستيلاء عليها بالقوة مرة أخرى، وكأن عملية نهبها والاستيلاء عليها بموافقة وتوجيهات القيادة العليا للحوثيين.
كما توضح الوثائق أن القيادي الحوثي فيصل الجبري يقوم بن ألفهب 9 ألف لتر بترول من شركة صافر شهريا بواقع 108 ألف لتر خلال العام 2015 وحتى العام 2016، تتجاوز قيمتها بأقل تقدير 21مليون ريال، إضافة إلى كمية 10750 لتر ديزل من تاريخ العاشر من يناير/كانون الثاني الماضي حتى الثالث عشر من مايو/أيار الماضي، دون أي صفة أو مبرر قانوني سوى مبرر الفساد والنهب لممتلكات الشعب والتدمير لمؤسسات الدولة.