[ تحول المخا إلى ثكنة عسكرية ]
استبشر المواطنون في مدينة المخا الساحلية التابعة لمحافظة تعز بعملية تحرير المدينة التي كانت تمثل قاعدة لعملية تهريب واسعة للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح طوال فترة حكمه، لكن علامات التفاؤل تلك تلاشت، وذابت بعد أيام قليلة من تحرير المدينة، التي تعد من أقدم الموانئ البحرية في اليمن.
تحولت المدينة وميناؤها إلى منطقة تسكنها الأشباح، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فالجحيم -كما يصفه سكان هناك- يبدو التوصيف الأنسب عن الوضع الذي تعيشه بعد تحريرها، لدرجة أن بعضهم لم يعد يجد حرجا في نفسه من إطراء عهد سيطرة المليشيا الانقلابية على المدينة في العام 2014.
وفي محاولة كانت مليئة بالمخاوف والمحاذير، استطاع محرر "الموقع بوست" الدخول لعدة ساعات قليلة إلى المدينة واستطلاع أوضاع الناس هناك، وتسجيل ما شاهده من انطباعات في هذه المادة.
نظرة تاريخية
المخا إحدى مدن محافظة تعز، وهي مركز مديرية المخا، وتقع غرب مدينة تعز على ساحل البحر الأحمر، وتبعد عنها 94 كيلومترا.
اشتهرت المخا لأنها كانت السوق الرئيسية لتصدير القهوة بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، وقد اشتهرت قهوة المخا التي تأخذ اسمها من هذا الميناء.
طبقا لرواية الرحالة جيرونيمو لوبو الذي أبحر في البحر الأحمر عام 1625، كانت المخا مدينة صغيرة وذات شهرة ضيقة، لكن منذ أن سيطر العثمانيون على معظم أجزاء الجزيرة العربية أصبحت المخا مدينة هامة بالرغم من أنها لم تكن مكان إقامة الباشا الذي يبعد عن المخاء مسيرة يومين وتحديدا في صنعاء، وقد اكتسبت أهميتها تلك من القانون العثماني الذي يطالب جميع السفن بأن ترسو فيها وتدفع ضريبة للمرور إلى البحر الأحمر.
وهي مدينة وميناء قديم مشهور، وهي من الموانئ القديمة التي ذكرتها النقوش الحميرية باسم "مخن"، فقد قامت مدينة المَخا بأدوار تاريخية هامة قبل وبعد الإسلام، وقد سجل اسم المَخا في نقوش يمنية قديمة بخط المسند، مثل نقش للملك "يوسف أسار" المشهور بذي نواس، يذكر النقش أنه الملك "يوسف أسار".
تعرضت مدينة المَخَا لعدة حملات عسكرية من قبل الطامعين في اليمن أهمها حملات البرتغاليين التي انتشرت في أوائل القرن العاشر الهجري على سواحل اليمن، وكانت هذه الحملات سبباً رئيسياً في تنافس الدولة العثمانية، والحكومة البريطانية على المنطقة، وفقا لويكيبيديا.
مديرية ذوباب المندب
في مديرية ذوباب المندب أصبح الوضع أشد من سابقه قساوة على المواطنين فيها، فبعد تحرير مركز المديرية لا زال مغلقا إلى اليوم ولم يستطع الأهالي الرجوع إلى منازلهم بسبب كثرة الألغام في المنطقة، إضافة إلى تجاهل الهلال الأحمر الإماراتي وهو الذراع الإماراتية في العمل الإنساني الذي استلم ملف التحسين والإعمار لهذه المناطق بالقيام بواجبه، فمدينة ذوباب والتي كانت تستخدم وكرا للمهربين أيام نظام المخلوع أصبحت منطقة أشباح اليوم لا يقطنها سوى جثث الانقلابيين والبيوت المدمرة فيها.
أما قري المديرية كغريرة القريبة من جزيرة ميون عادت إليها الحركة بشكل طبيعي، وازداد النازحون إليها من مركز المديرية، ورغم هذا لكنها لم تحظ باهتمام حكومي وإماراتي لإيواء النازحين، إضافة إلى غياب الخدمات الأساسية عنها كالكهرباء والمياه، وهي كما يصفها كثيرون مناطق معزولة عن نطاق الجمهورية حتى بشبكات الاتصالات المحلية.
قري السويدة والعرضي والحريقية كلها آهلة بالسكان والنازحين، ووضعها يكاد يتفق مع غريرة التي لا مجال للخدمات فيها، ومعاناة الناس التي تزداد بشكل يومي.
وهناك معلومات تتحدث عنها مصادر محلية من منطقة ذوباب الساحلية تؤكد قيام القوات الإماراتية بردم ساحل المنطقة بالتربة والحجارة في خطوة نحو إنشاء قاعدة عسكرية على غرار ما حدث في المخا.
ميناء ومدينة المخا الساحلية
مجرد أن تطأ قدماك مدينة المخا الساحلية غربي تعز، فستجد نفسك عرضة للعديد من مظاهر الاستفزاز، سيكون عليك أولا أن تخضع لتفتيش نقاط الحزام الأمني الذي شكلته القوات الإماراتية بتنسيق مع المقاومة الجنوبية التى تدير الوضع الإداري والأمني في المنطقة عقب عملية تحريرها من المليشيا الانقلابية.
وثمة مواقف مثيرة وغريبة تمارس في المخا تحت ذريعة الحزام الأمني، منها على سبيل المثال لا الحصر، منع الوافدين إلى المخا من مدينة تعز بحجة عدم حملهم لتصاريح دخول للمخا، وهو ما حدث لكثيرين عندما أرادوا زيارة المخا ومعرفة الأوضاع فيها معيشيا بعد التحرير، لكن ذلك يبدو سهلا مع حاملي الهوية (البطاقة الشخصية) من المحافظات الجنوبية، أو الصادرة من المخا سابقا، وبدون ذلك لن تستطيع دخول المدينة التي أصبحت تحت الوصاية الإمارتية، كما يقول السكان هناك.
الميناء العسكري
إذا سمح لك بزيارة المخا ومينائها الشهير (موكا) نسبة إلى قهوة البن الشهيرة (كافي موكا) ستجد نفسك أمام معسكر كبير فيه من التحصينات والمعدات العسكرية والقوارب الحربية الكثير، وفي مقابل ذلك ستجد ميناءًا خالٍ من الحركة، فلا آثار للصيانة والتأهيل، ولا يسمح حتى للصيادين بالعبور من أمامه لممارسة أعمالهم.
هناك أربع بوابات مشددة في الميناء، إضافة إلى كتائب كثيرة تحرسها القوات الجنوبية، وفي داخله تقع مساكن وملاجئ كثيرة للقوات الإماراتية، وملعب رياضي لهم، ناهيك عن رصيف مدمر، ومخازن جمعت محتوياتها، بما في ذلك قطع أبوابه الحديدية، وأصبح الميناء موقعا عسكريا من بداية رصيفه وحتى حرمه الداخلي في حارة العروك المحاذية له.
قبضة أمنية قد توصلك إلى السجون السرية
عند الحديث مع الأهالي في مدينة المخا الكل يرد عليك بالرفض عند طلب الحديث معه عن واقع المدينة الجديد، فهناك مخاوف من عمليات خطف وقتل جراء الخوض في مثل هذا الحديث وفقا للسكان، فهناك قوات منشرة في أوساط الناس والجبهات، وأي حديث عن الأوضاع هناك سيكون سببا كافيا لاقتيادك إلى سجون سرية بتهمة الانتماء لجماعة الحوثي أو الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
طرد الصيادين من أماكنهم
اعتاد أبناء المخا أبا عن جد أن يكون ساحل العروك أهم موقع بالنسبة لقواربهم التي يعملون فيها، ويضعون فيها قواربهم، ومنذ سيطرت القوات الإماراتية على الميناء تم تجميع القوارب ورميها بعيدا عن المكان المعتاد لدواعٍ أمنية كما يصفها، كما أبلغ الصيادون من قبل القوات الإماراتية، ولذلك أفرغ ساحل العروك، واستبدلت جزءًا منه في التحصينات الكبيرة التي تم بناؤها.
سعى الصيادون لمراجعة القوات الإماراتية، واقنعوا عاقل الصيادين (بمثابة رئيس نقابة) هاشم الرفاعي لمراجعة القوات الإماراتية، فذهب بملف الصيادين إلى القوات الإماراتية شاكيا لهم أوضاع الناس هناك.
عند مقابلة الرفاعي للمسؤول الإماراتي الذي يدعى أبو محمد، وهو الحاكم الفعلي للمخا، كان رده بأن يقنع الصيادين بوجود مكان آخر بعيدا عن العروك والمخا، وهو مكان يبعد حوالي سبعة كيلومتر تقريبا في منطقة تدعى "واحجة" جنوب الميناء، الأمر الذي يضاعف من معاناتهم في عملية الصيد، كما يرى صيادون في حديثهم مع "الموقع بوست".
عملية الانتقال إلى منطقة "واحجة" تكلف الصياد يوميا خمسة ألف ريال مقابل الانتقال إليها عبر السيارات، وممارسة عملية الصيد هناك، مع العلم أن هذه المنطقة كانت وكرا لعملية التهريب في السابق.
وبالإضافة إلى غلاء أسعار المشتقات النفطية كونها تتواجد بشكل كبير في السوق السوداء، تضيف عملية إيجار السيارات معاناة جديدة إلى حياة الصيادين، ويضاعف ذلك عدم وجود مشترين والاكتفاء بحراج السمك والذي من خلاله تتم المنافسة على بيع السمك بكميات كبيرة تسد حاجة الصياد وأسرته.
شريحة كبيرة من أبناء المخا يعملون في مجال الاصطياد في البحر منذ أن توقفت الحركة الكبيرة في الميناء بداية عام 2000، مما دفعهم أكثر للعمل في صيد الأسماك والأحياء البحرية، والتي كانت خيارهم الوحيد.
يقول أحد الصيادين "عندما بسط الانقلابيون سيطرتهم على المخا (المدينة والميناء) لم يتعرض الصيادون للمضايقة مثلما فعلت القوات الإماراتية بالتنسيق مع القوات الجنوبية التي جاءت لتحرير المخا من الانقلابيين".
غياب السلطة المحلية وخدماتها
أصبحت الدولة ومكاتبها في المخا منعدمة كليا، وجميع الأعمال الإدارية تتم عن طريق القوات الإماراتية وممثلها هناك، وهي التي تعين وتغير من تريد من الموظفين العاملين في مختلف الأجهزة الحكومية، وجرى استبدال كثير منهم من أفراد ما يسمى بالمقاومة الجنوبية التي جيشتها الإمارات لتحرير المخا، بينما تغيب السلطة المحلية بشكل تام، مما زاد من سخط الناس وغضبهم، فاختفت الخدمات ولم يبق سوى مشاريع بسيطة يطلق عليها أعمال إغاثية.
الحرمان من الكهرباء
توجد في المخا المحطة البخارية والتي أنشئت في السبعينيات من القرن الماضي، إبان حكم الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي (1974-1977) فعمرها الافتراضي بحسب عاملين فيها انتهي، ومنذ ذلك الحين لا زالت تنتج الميجاواط من الكهرباء، لكن الانقلاب وآثاره جعل المحطة أحد الضحايا، حيث تمركزت مليشيا الحوثي والمخلوع الانقلابية في محيطها، وتم قصف مجمعها السكني من قبل طائرات التحالف العربي، وسقط جراء ذلك قتلى وجرحي من مهندسي المحطة وأبنائهم.
ومع دخول قوات الشرعية مسنودة بالتحالف العربي تم التوقيع على صيانة ما تبقي من المحطة من وحداتها الأربع خلال خمسين يوما، حيث وقعها الهلال الأحمر الإماراتي مع محافظ تعز علي المعمري قبل زيارته الأولى الذي منع خلالها من دخول الميناء.
بعد عملية صيانة الكهرباء تحسن وضع الشبكة الداخلية للمدينة عبر شركة الفيصل التي وقعت العقد مع الهلال الإماراتي، وفرح الأهالي هناك، وتسابقوا لالتقاط الصور التذكارية جوار المحطة، لكن ذلك لم يدم سوى أسبوع، وانتكس الوضع من جديد.
لعل من أهم الأسباب التي وصلت إلينا من مصادر متخصصة في الكهرباء عند الحديث معهم هي عدم تلبية الهلال الإماراتي لمطالب إدارة المحطة في إيجاد الوقود الرئيسي للمحطة، مما جعلها تنفد في أيام قليلة جدا، ومنها أيضا عدم قيام شركة الفيصل بواجباتها في إيجاد أسلاك كهربائية تتناسب مع مناخ المنطقة، مما جعل الانفجار المتكرر يحدث في أغلب حارات المدينة.
مختصون مقربون من القوات الإماراتية أكدوا في حديث لهم مع لـ"الموقع بوست" بأن توفير مادة المازوت شرط التزمت به قيادة محافظة تعز، لكنها لم تفِ بذلك، مما أثر على وضع المحطة.
لكن موظفين في السلطة المحلية بتعز أفادوا لـ"الموقع بوست" بأن انتكاسة الكهرباء جاءت بعد سحب الهلال الأحمر الإماراتي للدعم الذي كان يقدمه، مطالبا السلطة المحلية بتوفير مادة المازوت.
ساعات داخل مدينة وميناء المخا تشعرك بحجم الكارثة والفجيعة داخل هذه المدينة التي تعيش حاليا بين نارين، هيمنة القوات الإماراتية، وغياب الحكومة اليمنية بمؤسساتها المختلفة، ووحدهم المواطنون هناك من يدفعون الثمن.